مدرسة سحر، سحرة يرتدون عباءات رمادية، غابة محرمة، وعصا سحرية خشبية، لا؛ لا أتحدث عن هاري بوتر بل عن “ساحر من إيرثسي”، ولمن لا يعرف الرواية الأخيرة فهي رواية صدرت للكاتبة الأمريكية أورسولا ك. لوجوين عام 1968، أي قبل أول رواية من هاري بوتر بثلاثة عقود، تبعتها روايات أخرى في السلسلة نفسها صدر آخرها بعنوان حكايات من إيرثسي سنة 2001.
في البداية دعونا نقر أن التشابه وارد كثيرًا بين الأعمال الأدبية وخاصة الفانتازيا، حيث يكثر الاقتباس واستعارة الأفكار بين الكتّاب، ولعل أكثر عمل تأثر به الكتّاب هو رواية سيد الخواتم لتولكين، حيث تأثر به العديد من كتّاب الفانتازيا، بل أصبح نوعًا أدبيًا مستقلاً وهو الفانتازيا التولكينية، وكذلك الحال في أعمال أدبية وفنية أخرى أثرت في العديد من الكتّاب ومنهم سلسلة إيرثسي.
وإيرثسي، عالم لوجوين المتخيل، عبارة عن أرخبيل يضم مئات الجزر المحاطة بمحيط عظيم، لا يعلم أحد مداه ولا نهايته، وتتحدث القصة عن جيد أو سباروهاوك، وهو صبي صغير نحيل يتبناه ساحر كبير وحكيم اسمه أوجيون، ولكنه لا يصبر على أسلوب تعليم أوجيون الرصين والبطيء فيرسله بناءً على طلبه إلى مدرسة روك، حيث يظهر الفتى تفوقًا ونبوغًا واضحًا، حتى يستفزه فتى من أصل سحري نبيل فيدفعه لمحاولة استدعاء روح من أرواح الموتى تفاخرًا، ولكن بدلاً من هذا يستدعي ظلاً لا اسم له يطارده حتى نهاية العالم في مغامرة مثيرة شيقة يجوب فيها البحار وجزر إيرثسي.
والآن، لنلقِ نظرة على التشابه بين السلسلتين “إيرثسي” و”هاري بوتر” فكلتاهما تدوران حول مدرسة تعلم السحر للسحرة الصغار، أكاديمية روك في إيرثسي وهوجوارتس في هاري بوتر، كلا المدرستين تقعان على جزيرة وأيضًا كلتاهما مخفيتان عن العالم الخارجي بسحر قوي مما يجعلهما محميتان من أي هجوم، كما يمنع غير السحرة “العامة” من الولوج إلى المدرسة.
كلا البطلين جيد من إيرثسي أو كما يطلق عليه سباروهاوك وهاري بوتر يتيمان وتمت تربيتهما على يد الخالة، كما أن كليهما أبديا إشارة إلى مهارات سحرية في سن صغيرة؛ مثل سحر جيد للأغنام في قريته وحديث هاري بوتر مع الأفعى في حديقة الحيوانات وغيرها.
كلتا المدرستين يديرهما ساحر عجوز ذو لحية فضية (دمبلدور ونيميرل) الذي لديه طائر أليف (العنقاء فاوكس لدى دمبلدور والغراب لدى نيميرل) وكليهما يموت قبل أن يكمل البطل مسعاه.
كلتا المدرستين لديهما غابة محرمة، ممنوع على الطلبة الصغار ولوجها، كما أن كلا البطلين لديهما حيوان أليف، فالبومة هيدويج لدى هاري بوتر والأوتاك لدى جيد وهو حيوان سحري مختلق في عالم إيرثسي، وكليهما يموتان على يد أعداء البطل.
كلا البطلين يحصلان على صديق من عائلة فقيرة لها خلفية سحرية، رون ويزلي في هاري بوتر وفيتش في إيرثسي، وكليهما لديهما أخت صغيرة تعجب بالبطل.
كما أن كلا البطلين يكون لديهما ند من عائلة سحرية أرستقراطية نبيلة، وينمو العداء بينه وبين البطل من اللحظة الأولى، (دراكو مالفوي وجاسبر) وتحدث مبارزة بالسحر بين البطل وبين الند.
كلا البطلين يذهبان لعالم الموتى ويعودان مرة أخرى وهي تجربة تترك أثرها الدائم على البطل.
ولعل أبرز مثال على التشابه بين السلسلتين أن كليهما لديه عدو (سيد الظلام فولدمورت لهاري بوتر، والظل الذي لا اسم له في إيرثسي)، وكليهما يكون مرتبطًا بعدوه بشكل لا يفهمه في البداية وعندما يقدر على فهمه يمكنه القضاء عليه، كما أن اللقاء الأول بين البطل وعدوه يترك في وجهه ندبة لا تنمحي، كما أن العدو يستطيع السيطرة على عقول الناس وجعلهم يأتمرون بأمره رغم إرادتهم، كتعويذة إمبيريو لدى فولدمورت، وقدرة الظل على تحويل الناس إلى جيبيث أي سلب إرادتهم، وكلا البطلين يكون عليهما في النهاية مواجهة عدوهما وحدهما دون مساعدة أصدقائهما.
وهناك الكثير من التشابهات الأخرى بعضها قوي وواضح وبعضها بسيط، ولكنها تشابهات مثيرة للاهتمام وتجعلنا نعتقد أن إيرثسي كانت هي الأصل الذي استوحت منه رولنج عملها الأدبي “هاري بوتر”.
وقد صدرت ترجمة للجزء الأول من سلسلة إيرثسي بعنوان “ساحر من إيرثسي” عن المركز القومي للترجمة من ترجمة د. منى النموري، وهي أول ترجمة عربية لهذه الرواية وتقول المترجمة عن سبب اختيارها لترجمة “ساحر من إيرثسي” أنها ودت أن تقدم الأصل الحقيقي لظاهرة هاري بوتر، وترى أنها رواية هامة وتمتد أهميتها لسن أبعد كثيرًا من نهاية مرحلة المراهقة، بل قد يحتاج المرء أن يقرأها ثانية في الخمسينات من العمر ليفهم حياته السابقة، ويمكن الحصول على الكتاب من مكتبة المركز القومي للترجمة.