ترجمة وتحرير نون بوست
بالتزامن مع مغادرة الآلاف من سوريا بحثًا عن أماكن أكثر أمنًا، تطغى صور الخيام البيضاء ورحلات القوارب المحفوفة بالمخاطر على صور وسائل الإعلام العالمية.
ولكن هناك جانب آخر لهذه القصة؛ ففي تركيا، الدولة المضيفة للقمة العالمية للعمل الإنساني، لا يعيش سوى حوالي 10% من أصل 2.75 مليون نازح سوري، في مخيمات اللاجئين، حيث يعيش الباقون في المدن والبلدات كالكثيرين منا.
في جنوب شرق البلاد، يحاول السوريون بصمت كسب لقمة عيشهم والاندماج بالمجتمع، ولك أن تتخيل هذا المشهد، سكن بجوارك جيران جدد تود أن تتعرف عليهم، ولكن حاجز اللغة والعادات يجعل مهمة التواصل صعبة للغاية، أو ترغب في الحصول على عمل قصير المدى، ولكن حتى وقت قريب، كان الحصول على تصريح عمل أمرًا شبه مستحيل تقريبًا، هذه هي مواقف الحياة الفعلية التي يواجهها مئات الآلاف من الرجال والنساء العاديين في كل يوم.
يشكّل السوريون اليوم أكثر من 50% من سكان ولاية كلس و22.5% من سكان غازي عنتاب، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية وحدها، وُلد أكثر من 150,000 طفلًا من أبوين سوريين نزحوا بسبب الصراع إلى تركيا.
طريق الاندماج الطويل
مع اشتداد الأزمة على الجانب الآخر من الحدود، نفّذت تركيا تدابيرًا واسعة النطاق لمساعدة السوريين المحتاجين، فحتى فبراير الماضي، أنفقت البلاد ما مجموعة 10 مليارت دولار على السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة، لتزويدهم بالرعاية الصحية المجانية وللسماح لهم بالالتحاق بالمدارس والجامعات والدورات التدريبية، وفي بداية هذا العام، أصدرت الحكومة تشريعًا يسمح للسوريين التقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل.
ولكن في ظل عدم وجود نهاية في الأفق للصراع في سوريا، تبقى مآلات وتطورات الوضع غير واضحة تمامًا، ولكن الأمر المؤكد هو أن تركيا ستكون بحاجة لاستثمارات ضخمة لبناء السلام، دعم الاقتصاد، وضمان تقديم الخدمات العامة الكافية للمواطنين السوريين والأتراك على حد سواء.
ضمان نوعية الحياة الكريمة للنازحين، ودعم البيئة التي يعيشون فيها، هما أمران متلازمان، وتحقيق ذلك يشمل تعزيز وتطوير ودعم سوق العمل، المهارات، رأس المال، الخدمات الاجتماعية، والمؤسسات المحلية.
في قطاع الوظائف على سبيل المثال، يطّرد التنافس على فرص العمل التي تتطلب مهارات متدنية بشكل متزايد؛ فالعديد من السوريين والمواطنين الأتراك يعملون جنبًا إلى جنب في جنوب شرق الأناضول في صناعة البناء والتشييد (الإنشاءات) وفي قطاعات العمل اليدوي، ومن هذا المنطلق، يجب على المنطقة أن تخلق 260,000 فرصة عمل إضافية للحؤول دون ارتفاع نسبة البطالة ولضمان حسن سير الاقتصاد حتى عام 2018.
هذا الأمر سيتطلب خلق مجالات جديدة للعمل تمهيدًا لانطلاق الاقتصاد، ويجب أن يتزامن ذلك مع تدريب النازحين والسكان المحليين على العمل في قطاعات الزراعة، الصناعات الغذائية، وصناعة الملابس، وهي المجالات التي تمتلك آفاق توظيف أعداد كبيرة من العاملين.
وفي ذات السياق، يجب إعادة التفكير أيضًا بقطاع الخدمات العامة في تركيا؛ فعلى سبيل المثال، السوريون الـ 113,000 الذين يعيشون في مخيمات كلس وغازي عنتاب وأورفا، يولّدون كميات هائلة من النفايات الصلبة، وهو الأمر الذي أدى لاستنفار مركبات جمع النفايات باستمرار ضمن الطرقات، إرهاق الموظفين، وعمل مواقع دفن النفايات الصحية بكامل طاقتها، ومن هذا المنطلق، تشتد الحاجة لتحسين أساليب جمع النفايات والتخلص منها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بناء مستشفيات جديدة وفتح أبواب العمل للعاملين في المجال الطبي وغير الطبي، يساعد على خلق ما لا يقل عن 18,000 فرصة عمل محليًا، كما أن افتتاح مدارس جديدة يمكن أن يساعد في توظيف 20,000 عاملًا آخرين.
الحاجة لبذل المزيد من الجهود
يحاول الاتحاد الأوروبي، حكومات الولايات المتحدة والكويت، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبعض الجهات الأخرى، أن يفعلوا ما في وسعهم لمساعدة اللاجئين السوريين في تركيا، حيث تم وضع برامج تدريب لمساعدة النساء والرجال المشردين والذين يعيشون في المجتمعات المحلية للعثور على وظائف.
تشمل هذه الجهود افتتاح دورات باللغة التركية لتعزيز الفرص الاقتصادية للسكان السوريين، فضلًا عن تقديم المساعدة للمدن لإعادة تصميم الخدمات العامة لتلبية احتياجات أعداد أكبر من الأشخاص، بدءًا من تصميم برامج طموحة لإدارة النفايات وإعادة التدوير.
ولكن ما تزال الحاجة ملحة لبذل المزيد من الجهود، ويتعين على المجتمع الدولي أن يتجاوز في نظرته وجهوده المبذولة مجرد تقديم المساعدات الطارئة، لسيتثمر في التخطيط طويل المدى اللازم لخلق بيئة مستدامة وملائمة لعيش كل من المواطنين الأتراك والسوريين على حد سواء، وبذات المنهج، يجب تركيز الجهود الدولية لخلق بيئة أكثر أمنًا وسلامًا للجميع.
يبلغ متوسط طول الفترة الزمنية لنزوح الأشخاص عن ديارهم في جميع أنحاء العالم حوالي 17 عامًا؛ فإذا فكرنا بفتاة سورية تبلغ من العمر 10 سنوات اليوم وتعيش إلى جانب جارتها التركية البالغة من العمر 10 سنوات أيضًا، فإنهما ستشبان سويًا، إذا كان هذا المعدل الزمني صحيحًا.
لذا، لنمتنع عن ترك هذا الجيل خلف ظهورنا؛ فالأزمة السورية ولّدت كمّا هائلًا من المعاناة والحاجة، وستمثل قمة إسطنبول للعمل الإنساني فرصة لمساعدة جيل السوريين القادم في تركيا للوقوف على قدميه.
وأخيرًا، يبنغي على تركيا أيضًا أن تستفيد من المواهب والمهارات والخبرات الحياتية للنازحين السوريين لبناء مستقبل أكثر إشراقًا لتركيا.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية