تتناول الكثير من مواقع الأخبار خفض المركزي المصري لقيمة الجنيه بين الفينة والأخرى، وأسباب هذا الخفض وآثاره على الاقتصاد المصري بالعموم، إذ وُجدت سوق سوداء في أسواق الصرف المصرية تنافس السوق الرسمية ويعمد المركزي لمحاربتها ومجاراة سعرها بنفس الوقت، حيث يعرض المركزي الدولار بسعر 8.85 جنيهًا للشراء و8.95 للبيع في حين تختلف الأسعار في السوق السوداء كثيرًا إذ تشتري مكاتب الصرافة الدولار بسعر 10.80 وتبيعه بسعر 10.90 (حسب أسعار الأمس 23 الشهر الجاري).
فما تأثير انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع سعر صرفه على الدولار على المواطن المصري؟
الذي يحصل عندما يرتفع سعر الصرف أن المواد الاستهلاكية والخدمات المستوردة من الخارج المسعرة بالدولار مثل المواد الغذائية والبنزين والمازوت والغاز الطبيعي والكهرباء والملابس والدواء والإلكترونيات والكهاربائيات والكماليات وأشياء كثيرة أخرى، ستزداد أسعارها على الجنيه بسبب انخفاض قيمته مقابل الدولار، ببساطة لأن المستورد سواء كان فردًا أو مؤسسة يعمل بمنطق تجاري بحيث يهدف لاسترداد رأس ماله (المدفوع بالدولار) وفوقه ربح، وحتى لا يخسر فإنه يعمد لزيادة سعر السلعة أو الخدمة لضمان استرداد رأس ماله، فبينما كان يدفع في الماضي 7 جنيهات للحصول على دولار سيدفع اليوم 8.95 جنيهًا للحصول على الدولار من الدولة، فإن لم يجد عند الدولة فسيضطر لدفع 10.90 جنيهًا لكل دولار من السوق السوداء.
بالنسبة لجهاز الدولة فإن بعض السلع والخدمات المستوردة بالدولار تقدمها الدولة للمواطنين بسعر مدعوم وعند تخفيض قيمة الجنيه تضطر الدولة إلى خفض الدعم على تلك المواد لتكون الدولة قادرة على تأمين الفاتورة؛ فترتفع أسعار تلك المواد في الأسواق المحلية.
من سيتأثر ومن لن يتأثر؟
- الأغنياء
طبقة الأغنياء في المجتمع المصري ستكون أقل الطبقات تأثرًا لأنها تمتلك وتدخر الدولار في حسابات بنكية بشكل وافر، وتتمع برفاهية الحياة الكاملة من خلال الدفع بالدولار على السفر والملابس والحاجات المختلفة، وفي حال كانت تستلم معاشاتها بالدولار فهي ستعوض الانخفاض الحاصل في الجنيه من جراء الفرق في سعر الصرف، ومع ذلك فإن هذا الانخفاض لا يعد مؤثرًا على نمطها الخاص في الحياة التي اعتادت عليها لأنها طبقة غنية والانخفاض الحاصل في العملة لا يعد كبيرًا بالنسبة لها حتى الآن على الأقل.
من جهة أخرى فإن الأغنياء وخصوصًا التجار والمستوردين وأصحاب الأسواق التجارية الذين يستوردون بالدولار ويبيعون بالجنيه في الأسواق المحلية عادة يتأقلمون مع انخفاض العملة من خلال زيادة الأسعار على السلع والخدمات لتعويض النقص الحاصل في سعر الصرف، فحتى لو صار سعر الصرف 15 جنيهًا مقابل الدولار سيعمدون إلى تعديل أسعار سلعهم وخدماتهم بما يضمن إعادة رأس المال المقيم بالدولار وفوقه ربح معين، لذا يوصف التجار بالجشع لأنهم يقومون بزيادة الأسعار أكثر من المعقول أحيانًا لخوفهم من عدم استقرار سعر الصرف.
- الفقراء
وعلى النقيض من طبقة الأغنياء توجد الطبقة الفقيرة والمعدومة الذين لا يمتلكون دولارات ولا مدخرات ولا محال أو شركات، ولا يتمتعون برفاهية السلع والخدمات التي يتمتع بها غيرهم، فما الفرق عندهم لو ارتفع سعر الآي يفون في الأسواق أو ارتفع سعر لتر البنزين أو ماركات الملابس والمواد الكمالية، فهم بالكاد يحصلون على الكفاف من الطعام والدواء والمأوى ويتلقون المساعدات من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، كما أن حياتهم لم تفرق فيها شيء عندما كان الدولار يساوي 5 جنيهات والآن عندما أصبح قريبا من 9 جنيهات.
الكثير منهم يعاني من البطالة ومن أمراض مزمنة ويعيشون في العشوائيات وبعضهم لا يمتلك بيت، جُل همهم الحصول في نهاية اليوم على طعام قليل يسد رمقهم ليستطيعوا العيش للغد.
- الطبقة الوسطى
الطبقة الأكثر تضررًا هي الطبقة الوسطى من الموظفين والعاملين وأصحاب المحال التجارية الصغيرة وأصحاب الحرف اليدوية والمزارعين وسائقي سيارات الأجرة، فهؤلاء يقبضون معاشاتهم وأجورهم ورواتبهم بالجنيه ويستهلكون بالجنيه على شراء حاجياتهم الضرورية والكمالية على اختلافها.
وانخفاض قيمة الجنيه سيلامس مستوى حياتهم بشكل مباشر، فالموظف الذي يستلم ألف جنيه في الشهر وكان يستطيع بهذا المبلغ أن يستأجر بيت جيد ويشتري سلة من المواد الغذائية ويلبس ملابس جيدة ويأكل في مطاعم ويخرج للتسلية، فإن الألف جنيه لم تعد تلبي كل تلك الأشياء لأن الأسعار بالمجمل زادت، فأسعار الملابس المستوردة زادت والأجهزة الكهربائية والإلكترونية كذلك، وحتى أسعار الرحلات السياحية ستزيد لأن أسعار البترول زادت.
ومن هذه الطبقة من يتمتع بحياة مرفهة نسبيًا سيتعامل مع الوضع الجديد من خلال البدء بحالة تقشفية بسيطة يلغي فيها استهلاكه على الحاجات الكمالية ليلبي الحاجات الضرورية، ومن هذه الطبقة من كان لا يستطيع سوى تلبية احتياجاته الضرورية فقط، وهذه مهددة إذا ارتفعت الأسعار كثيرًا أن تتأثر بشكل كبير وقد يهبط بعضهم إلى درجة الفقر بسبب تأثر عمله وانخفاض دخله كثيرًا لارتفاع الأسعار.