تتعرض مدينة الفلوجة العراقية منذ ليلة الأحد لقصف عنيف بالطائرات والمدفعية الثقيلة طال أغلب أحيائها، متركزًا على الحي الصناعي، جنوبي الفلوجة، والحي العسكري، في شرقها، والمناطق الغربية، المتمثلة في حي الجولان ومنطقة الأزركية.
الحكومة العراقية أعلنت أن هذه إشارة بدء عملية تحرير الفلوجة من يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إذ إن المدينة تعد المعقل الرئيسي للتنظيم في الأنبار، والتي تقع على بعد نحو 60 كيلومترًا من العاصمة العراقية بغداد.
حيث بدأت تتقدم القوات العراقية صباح الإثنين الماضي بعد التمهيد النيراني الذي شمل قصفًا جويًا وصاروخيًا عنيفًا للمدينة، القوات الحكومية العراقية كانت مصحوبة بميليشيات الحشد الشعبي التى أطلقت على اسم عملية تحرير المدينة “العملية نمر”، كما استخدمت صاروخًا محلي الصنع أسمته “النمر” أيضًا، وهو اسم المرجع الشيعي نمر باقر النمر الذي أعدمته المملكة العربية السعودية في يناير الماضي.
ما الذي ينتظر المدنيين؟
بعيدًا عن الإشارات الطائفية التي حملتها عملية تقدم القوات العراقية مصحوبة بمليشيات الحشد الشعبي التي وثقت ضدها عمليات تطهير طائفي وعرقي في السابق بالتحديد في محافظتي ديالى وصلاح الدين بعد دخول مليشيات الحشد الشعبي والانتقام الممنهج من المدنيين، وعليه فإن سكان المدينة البالغ عددهم نحو 650 ألف نسمة لم يسلموا من نيران القصف من الجانبين المتقاتلين، رغم تعهدات الحكومة العراقية على لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي قبيل بدء العملية بالعمل على توفير ممرات آمنة لأهالي الفلوجة.
فيما تؤكد منظمات حقوقية محلية أن القصف الذي بدأ على المدينة من جانب قوات الحكومة العراقية “قصف عشوائي” غير دقيق يطال الأهداف المدنية، في ظل عدم توافر إمكانيات طبية داخل المدينة المحاصرة منذ شهور.
الأمم المتحدة بدورها في هذا الوضع أعربت عن قلقها على مصير المدنيين المحاصرين في مدينتي الرمادي والفلوجة بمحافظة الأنبار غربي العراق، التي يسيطر عليهما تنظيم الدولة الإسلامية، بسب عدم تمكن الأهالي من الوصول إلى مناطق آمنة بعيدًا عن ساحات القتال.
وقد طالت الحكومة العراقية اتهامات مباشرة بعدم وجود خطة بالأساس من أجل إنقاذ المدنيين المحاصرين الواقعين بين مطرقة المعارك العشوائية المستمرة وبين نقص مستلزمات المعيشة والدواء بسبب الحصار الخانق المضروب عليهم، فلا إمكانية للهرب من هذا الواقع ليظل مصير المدنيين مجهولًا، خاصة في حال لم تعمل الحكومة العراقية على إيجاد خطة لإبعادهم عن المعارك ونقلهم لأماكن أكثر أمنًا لحين انتهاء القتال، أو على الأقل تحديد أماكنهم وإبعاد المعارك قدر الإمكان عنهم.
فرق الموت الداعشية تنتشر في المدينة
الوضع الداخلي لمدينة الفلوجة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لا يختلف كثيرًا عن الحصار الخارجي لها من قبل الحكومة، فبعد بدء المعارك بين الطرفين نشر التنظيم ما يُعرف بـ “فرق الموت” في شوارع الفلوجة بالتزامن مع اقتراب قوات الجيش العراقي منها ليقوموا بتنفيذ عمليات إعدام بحق كل شخص يحاول الفرار أو الاستسلام، بحسب ما ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية في تقرير لها حمل عنوان “تنظيم الدولة الإسلامية يطلق فرق الموت مع تقدم القوات العراقية نحو معقله في الفلوجة”.
حيث تحدث التقرير أنه خلال الساعات الماضية انتشرت مئات من عناصر التنظيم المسلحين في الشوارع، مؤكدين أن لديهم أوامرًا بإعدام أي شخص يحاول الفرار أو يضع علمًا أبيضًا فوق منزله أو يلوح به لإعلان الاستسلام.
وتشير الصحيفة إلى أنها حصلت على هذه المعلومات من نشطاء يعيشون في المدينة تحدثت إليهم عبر الهاتف.
هذا التخوف من التنظيم يبرره الحرص على عدم خسارة السيطرة على الفلوجة، المدينة التجارية الرئيسية ذات الأغلبية السنية الواقعة على الطريق الرئيسي الواصل إلى العاصمة الأردنية عمان، حيث إنها ستعد ضربة قاصمة للتنظيم في حال تمكن الجيش العراقي والمليشيات الموالية له من تحريرها من قبضة داعش.
البعد الطائفي في المعارك
الحكومة العراقية ترفع شعار تحرير المدينة من تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وتعهدت بعدم مشاركة مليشيا الحشد الشعبي في معركة استعادة الفلوجة من داعش، نظرًا لحساسية المعركة ولكفاية القوات الموجودة من الجيش العراقي والمتطوعين من أبناء المدينة.
لكن الحشد الشعبي أصر على المشاركة ورفع شعار “العملية نمر” وهو ما يُظهر البعد الطائفي الذي تخوض به مليشيا الحشد الشعبي المعركة، ورغم تأكيدات رئيس الوزراء حيدر العبادي فإنه لا توجد ضمانات لعدم مشاركة الحشد الشعبي في المعركة ودخول الفلوجة وتكرار سيناريو الجرائم التي ارتكبتها تلك المليشيات في معركة تكريت بغطاء طائفي.
أما على الجانب الآخر فثمة مكونات سياسية تدفع بضرورة مشاركة مليشيا الحشد الشعبي بذريعة التبعية للقائد العام للقوات المسلحة، وبالتالي يُعد مؤسسة رسمية بحكم القانون، معتبرين أن الحشد الشعبي حقق انتصارات في المعارك وحرر كثيرًا من المناطق العراقية لذا يجب الاعتماد عليه في هذه المعركة.
وعلى خلفية هذا الأمر انتشرت مخاوف بعد إذاعة تصريحات لزعيم مليشيا أبو الفضل العباس التابعة لمليشيات الحشد الشعبي “أوس الخفاجي”، وصف فيها مدينة الفلوجة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية بأنها بؤرة الإرهاب، وأن الهجوم عليها فرصة لتطهير “العراق والإسلام” في العالم مما وصفه “بورم الفلوجة”.
وأضاف الخفاجي – في تسجيل بثته مواقع المليشيات – أن الفلوجة ليس فيها وطنيون ولا متدينون، وأن القتال فيها شرف لا بد من المشاركة فيه ونيله.
فيما اعتبر البعض هذا الأمر تمهيدًا لسيناريو تصفية للمدينة على يد المليشيات الطائفية المشتركة في المعارك بذريعة تحرير المدينة، حيث أعرب رئيس لجنة الهجرة والمهجرين بالبرلمان العراقي رعد الدهلكي عن خشيته أن تكون الحكومة خططت لمعركة الفلوجة عسكريًا دون وضع رؤية للعمليات الإنسانية وإخراج المدنيين من المدينة وتوفير المساعدات.
وإذا ما تمت عملية التحرير فإن هؤلاء السكان سيقعون فريسة لهذه المليشيات الطائفية المتربصة بأهالي المدينة.
وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن 80 أسرة تمكنت من الخروج من المدينة في الأيام الماضية عبر طريق رئيسي أو وسط الحقول الزراعية، مضيفة أن ثلاثة أشخاص على الأقل قتلوا لدى محاولتهم الفرار، في حين لا تزال 10 آلاف أسرة محاصرة بالداخل “في وضع شديد الخطورة”.