لا تزال أسعار النفط العالمية تفرض ثقلها على ميزانيات الدول الخليجية، فبالرغم من التحسن النسبي لسعر النفط بارتفاعه إلى قرب 50 دولارًا للبرميل لا يزال دون المأمول ودون السعر المعادل لمختلف ميزانيات الدول الخليجية، وتبعًا لهذا الظرف انتهجت دول مجلس التعاون عدة أساليب لمواجهة العواقب التي خلفها انخفاض الأسعار، من خلال فرض المزيد من الضرائب وفرض ضريبة القيمة المضافة، واتبعت الشركات الحكومية تخفيف التكاليف من خلال صرف آلاف الموظفين والعاملين لديها.
التقشف يلوح بالأفق
بحسب تقرير لشركة مورغان مكينلي للتوظيف، أكد أن سوق وظائف النفط والغاز في الإمارات في سبيلها لتسجيل أسوأ عام في العام الجاري فيما يزيد على عشر سنوات.
ففي خطوة اتخذتها شركات حكومية أغلبها في مجال الطاقة والبناء والتطوير العقاري في إمارة أبو ظبي سبقتها خطوات مماثلة في الأشهر الماضية من عدة شركات، استغنوا عن آلاف العاملين لتخفيف الضغط على اقتصادياتها الناجم عن استمرار هبوط أسعار النفط دون السعر المعادل للميزانية.
ومنذ منتصف 2015 ودول مجلس التعاون الخليجي على رأسها السعودية والإمارات وقطر، تقلص الإنفاق على مشاريع البنية التحتية وتخفض الدعم على مواد الطاقة لتقليص عجز الميزانية.
سوق وظائف النفط والغاز في الإمارات في سبيلها لتسجيل أسوأ عام في العام الجاري فيما يزيد على عشر سنوات.
الهدف الواضح من الاستغناء عن آلاف الموظفين ألا تثقل هذه الشركات كاهل الميزانيات العامة إذا استمرت أسعار النفط بالهبوط خلال هذه السنة والسنوات اللاحقة، والكل يتعظ من الأزمة التي حصلت مع شركة بن لادن السعودية التي وقعت في أزمة مالية ولم تعد قادرة على سداد رواتب آلاف الموظفين وتسبب هذا باضطرابات كبيرة وعمل إضرابات من قبل الموظفين، أجبر الحكومة السعودية على التحرك للذود عن الشركة خشية وقوعها في شراك الإفلاس.
المتحدث باسم “أدنوك” شركة أبوظبي الوطنية قال إن الشركة “تدرس بشكل مستمر سبل زيادة الكفاءة والأرباح لاسيما في ظل الأوضاع الحالية في السوق”، وكانت الشركة التي يعمل فيها قرابة 55 ألف موظف عمدت للاستغناء عن مئات الموظفين بشكل تدريجي منذ بداية العام الحالي، وبحسب مصادر مطلعة أفادت أن الشركة تنوي إيصال عدد المفصولين عن العمل إلى حوالي 5 آلاف شخص حتى نهاية العام الجاري، وسيشمل الخفض الشركات الـ 17 التابعة لها في إطار إعادة هيكلة بعد تغييرات في إدارة الشركة حصلت الشهر الماضي.
علمًا أن إنتاج الشركات النفطية في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي لم ينقص، بل على العكس تؤكد معظم الدول على استقرار إنتاجها النفطي وأنها ستمضي في مشروعات تطوير للغاز والنفط حسب الخطة.
بالرغم من أن الحكومات الخليجية تملك احتياطيات مالية ضخمة في صناديقها السيادية إلا أنها آثرت الاقتراضمن الأسواق المحلية والأجنبية على السحب من الاحتياطيات بسبب عدم ظهور أي علامات لتحسن سعر النفط في المدى القريب، وهذا سيعرض الصناديق للاستنزاف في حال السحب بشكل متواصل منها.
الكل يستدين
بدءًا من أكبر دولة بمجلس التعاون الخليجي إلى أصغر دولة فيه، أعلنوا عن نيتهم طرح سندات سيادية بقيم مختلفة في الأسواق المحلية والعالمية لجمع أموال لتغطية العجز المالي الحاصل في الميزانية.
إذ أعلنت أبو ظبي في وقت سابق من الشهر الجاري أنها أغلقت عملية طرح سندات سيادية بنجاح بتكلفة تقدر بـ 5 مليار دولار لمدة 10 سنوات موزعة على شريحتين لكل منها 2.5 مليار دولار الأولى تستحق في 2021 والثانية تستحق في 2026.
وكانت السعودية قد أعلنت سابقًا أنها ستقترض 10 مليارات دولار من السوق العالمية وأن الإصدار هو لقرض أجله 5 سنوات، علمًا أنها المرة الأولى منذ ربع قرن التي تقترض فيها السعودية من الخارج.
أبو ظبي أغلقت عملية طرح سندات سيادية بنجاح في الشهر الجاري بتكلفة تقدر بـ 5 مليار دولار لمدة 10 سنوات
أما قطر فقد حصلت على قرض مصرفي بقيمة 5.5 مليار دولار جرى استكماله في يناير/ كانون الثاني الماضي على شريحتين أحدهما لـ 5 سنوات والأخرى لـ 10 سنوات.
والأمر نفسه في عُمان التي اقترضت مليار دولار لسد العجز في إطار سعيها لمواجهة الضغوط على ماليتها العامة التي تضررت كثيرًا بسبب هبوط أسعار النفط، والأمر نفسه في الكويت والبحرين.
فصل الأجانب واستبقاء المواطنين
تحركت وزارة العمل في الحكومة السعودية لإنقاذ شركة بن لادن من الانهيار عندما أعلنت الشركة أنها تنوي تسريح آلاف الموظفين السعوديين ولم تكن لتتحرك لو لم تعلن ذلك، إذ كانت الشركة قد سرحت ومنحت تأشيرة خروج نهائية لآلاف العاملين الأجانب من جنسيات مختلفة دون أن تحرك وزارة العمل أي ساكن.
فالحكومات الخليجية تحاول السير على نهج الرؤى والخطط الموضوعة للسنوات القادمة والتي تشمل معدلات بطالة منخفضة بين المواطنين، ولهذا تفضل فصل الأجنبي على المواطن في الشركات التابعة للحكومة.
كما تسرح بعض الشركات الأجانب لتوظف بدلًا عنهم المواطنين كما حدث مع شركة كليفلاند كلينك للمراكز الطبية والمملوكة لشركة مبادلة للتنمية في الإمارات عندما قالت إنها ستوفر مائة فرصة عمل للمواطنين بعد أن أبلغت عاملين أجانب أن عليهم الرحيل نهاية العام الجاري.
ومن بين الشركات التي خفضت الوظائف لديها شركة أبو ظبي الوطنية للطاقة حيث استغنت عن 25% من موظفيها منذ 2014 وقالت الشركة في هذا الشهر أنها خفضت نحو ثلث الوظائف في قطاع النفط والغاز و55% من العاملين في مقرها الرئيسي بعد الخسائر التي تكبدتها في الربع الأول من العام الحالي.
مع ذلك فإن إلغاء الوظائف يسهم في تباطؤ الاقتصاد، إذ توقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض معدل نمو الناتج المحلي في أبو ظبي إلى 1.7% العام الجاري من 4.4% في نفس الفترة العام 2015.