أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قرابة 150 شخصًا قتلوا في الهجمات التي استهدفت مدينتي طرطوس، مركز محافظة طرطوس (تبعد 300 كليو متر عن العاصمة دمشق)، وجبلة في محافظة اللاذقية، فيما تقول وسائل إعلام النظام السوري إن حصيلة القتلى تقدر بـ 78 شخصًا.
تبنى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الهجمات التي أسفرت عن مقتل العشرات في اثنين من معاقل النظام السوري على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث إنها تعد سابقة من نوعها التي يقع فيها تفجيرات في المدينتين، خاصة وأن طرطوس توجد فيها قاعدة بحرية روسية وتعد نقطة أمنية حصينة يصعب اختراقها.
تنظيم الدولة أعلن أن عناصره نجحوا في استهداف “تجمعات للعلويين” وهي الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد، بينما أكدت مصادر من داخل النظام السوري أن قذائف استهدفت أحياءً سكنية في مدينة جبلة، على بعد 6 كيلومترات عن قاعدة حميميم الروسية.
وقعت سلسلة الهجمات كالآتي: قنبلتين انفجرتا في مدخل محطة الحافلات في جبلة، ثم فجر شخص نفسه في مدخل قسم الطوارئ في مستشفى جبلة، ووقع التفجير الرابع قرب مقر مديرية الكهرباء في جبلة.
وفي طرطوس، انفجرت قنبلة في المدخل الرئيسي لمحطة الحافلات، بينما فجر شخص نفسه داخل المحطة، وفجر شخص آخر نفسه في منطقة غربي المدينة.
اختراق أمني لـ “للساحل الآمن”
الهجمات التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” داخل مدينتي طرطوس وجبلة الساحليتين غرب سوريا أضفت محاور قتال جديدة على الصراع في سوريا؛ فالانفجارات التي طالت مناطق كانت خارج الصراع تمامًا بين المعارضة والنظام الذي يعتبرها أكثر أمنًا من دمشق، لا سيما أنها تعتبر معقلاً للطائفة العلوية وخزانها البشري.
هذه الهجمات تأتي في سياق إرادة لدى تنظيم الدولة الإسلامية داعش في كسر الطوق الأمني المفروض على الساحل السوري لإدخاله على خط الساحل، ونجاحه في مثل هذا الاختراق الأمني سيربك حسابات النظام مرة أخرى ومعه الحليف الروسي.
بالتأكيد على أن هذا الاختراق سيغير خارطة نشر القوات السورية النظامية في مواجهة قوات المعارضة، بعد أن ثبت كذب اعتبار النظام منطقة الساحل آمنة منيعة.
وكانت قوى المعارضة المسلحة قد حاولت اختراق منطقة الساحل عدة مرات لكنها لم تتمكن من الاستقرار داخلها، وبمثل هذا الاختراق ربما تتشجع هذه القوى للمحاولة مرة أخرى خاصة وأن إمكانية مواجهة الروس في هذه المنطقة عالية جدًا، وهو مطلب للمعارضة التي تريد قتال الروس على الأرض بدلًا من عدم استطاعة المواجهة في السماء، وهو أمر من شأنه تغيير المعادلة بالكلية، والتأثير على سير المفاوضات السياسية.
كذلك ربما تعيد روسيا النظر في قرار الانسحاب من سوريا بتكتيكات أخرى لحماية أحد معاقلها بعد أن اقتحم بسلسلة تفجيرات هي الأعنف في هذه المنطقة، إذ كانت على بعد 6 كيلومترات من القاعدة الروسية، وهو الأمر أيضًا الذي شعرت أمامه موسكو بالقلق، على حد تعبير بيان الكرملين الإثنين، من جسامة الاختراق الأمني على مشارف القواعد الروسية في المنطقة.
وبجانب الإجراءات الأمنية يعتقد البعض أن روسيا ستبدأ في الإسراع بوتيرة الحل السياسي بعد أن عرفت أن مصالحها في سوريا ليست آمنة تمامًا، وفيما يبدو أن تنظيم الدولة يحاول أن يربك جميع الأطراف بفتح هذه الجبهة الجديدة لإرباك الروس، وكذلك إرباك الخطط الأمريكية المعدة للرقة معقل التنظيم.
النظام يستغل
فيما يرى كثيرون أن النظام يستغل هذه الهجمات لإعادة الاصطفاف إلى الجبهة الداخلية بحيث تزداد عملية التصاق الطائفة العلوية بالنظام بصفته الضامن الوحيد لأمنها، بعد التعرض لمثل هذه الهجمات.
بل وذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك وتحدث عن تيسير النظام لمثل هذه الهجمات، حيث إن الأمر في وجهة نظرهم غاية الصعوبة من جهة التنفيذ لشدة تأمين هذه المناطق التي حدثت بها الهجمات، وكثرة الحواجز الأمنية، إلا أن هذه الأحاديث لا يوجد لديها حجج قوية تثبتها، إلا أن الثابت أن النظام مستفيد بمثل هذه الهجمات على صعيد إعادة الصف العلوي إلى أحضانه إذا تململ من مغبة ارتفاع ضريبة الدم التي تدفعها الطائفة دفاعًا عن استمرار نظام الأسد.
في الطريق إلى سوريا المفيدة
استفادة أخرى قد تظهر من هذه الهجمات، وهي التمهيد لما يعرف بإنشاء “سوريا المفيدة” بحيث تكون مناطق علوية خالصة، إذ تثير هذه التفجيرات مخاوف من ردود فعل انتقامية قد ترتقي إلى تطهير عرقي للسنة الذين يسكنون في هذه المناطق ذات الغالبية العلوية، وستكون بمثابة هدية ثمينة من داعش داعمة لخيار “سوريا المفيدة” التي قد يلجأ النظام إليها كخيار أخير للحفاظ على السلطة ولو على جزء من سوريا.