من أسوان إلى الإسكندرية، يعلم المواطنون أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر وفي خلفيتها كل الوعود الوردية للسلطة بتحسين دخل المواطن ورفع مستوى رفاهيته وتدشين مشاريع يتبيّن فيما بعد ابتعادها عن أي واقعية، لن تنتهي في وقتٍ قريب على الأقل.
بالتأكيد، كل دول العالم تمر بأزمات ومشاكل اقتصادية كبيرة، فمصر ليست الأولى التي تتعرض لذلك، لكن الإجراءات التي يتبعها المسؤولون المصريون لمجابهة هذه الأزمة، لا تهدف إلا لإفقار المواطن أكثر وأكثر، وزيادة معاناته بدلًا من رفعها عنه.
تقول الأمم المتحدة، في مبدأ حق الإنسان في الصحة ضمن ما يُعرف بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، “إنه يجب أن تتوافر مرافق وسلع وخدمات الصحة العامة والرعاية الصحية الفعالة بمقادير كافية داخل الدولة، كما يجب أن تتاح إمكانية الوصول ماديًا إلى المرافق والسلع والخدمات”.
وفي نهاية أبريل الماضي، كلف شريف إسماعيل رئيس الوزراء المصري، الدكتور محيى عبيد نقيب الصيادلة، بإعداد دراسة جديدة للأدوية التى تحتاج إلى “تحريك” أسعارها.
المواطن هو المتضرر الوحيد، لأن الحكومة لن تقوم برفع مستوى دخله، وبالتالي هو الذي سيتحمل عبء زيادة الأسعار
وقال محيى عبيد نقيب الصيادلة، إن النقابة قدمت مقترحًا لمجلس الوزراء لرفع أسعار جميع الأدوية التي تقل أسعارها عن 30 جنيهًا بنسبة 20%، بحد أدنى جنيهان.
سبب ذلك، تحدث عنه مصدرٌ مسؤول بوزارة الصحة، حين ذكر أن أزمة نواقص الأدوية تفاقمت لتصل إلى بعض أدوية مشتقات الدم وبعض أدوية الأورام التي يتم استيرادها من الخارج، بسبب صعوبة توفير العملة الصعبة من الدولار لاستيرادها.
بدورها، خاطبت الشركات المنتجة والمستوردة لهذه المستحضرات وزارة الصحة للتدخل وتوفير الدولار، لكن الوزارة تواصلت مع البنك المركزي ليؤكد عجزه عن تدبير المبالغ المطلوبة.
وتقول مصادر إن البنك المركزى يدبر فقط نسبة 10% من العملة الصعبة التي تطلبها الشركات لاستيراد بعض الأدوية التي تتطلب ملايين الدولارات.
ويقول الدكتور أحمد العزبي رئيس غرفة صناعة الدواء، إن أزمة قطاع الدواء في تزايد مستمر، ويبدو أن الحكومة لا تستوعب أهمية وخطورة هذا الملف وحساسية هذا القطاع وأهميته، مضيفًا: “إحنا داخلين على مصيبة، وربنا مع المريض لأن الحكومة مش مستوعبة”.
وكالمستجير من الرمضاء بالنار، قررت الحكومة رفع أسعار الأدوية المختفي معظمها بالأساس، بنسبة 20% للعقارات الأقل من 30 جنيهًا، هذه المستحضرات التي تضم علاج القلب والضغط والسكر والكبد والحساسية والأمراض النفسية والعصبية والالتهابات والعيون ونزلات البرد والمغص والعظام.
أحد العاملين في القطاع الدوائي، أخبرنا أن المشكلة الحقيقة تكمن في أن هذه الأدوية، ترتبط بشكل يومي بأي بيت مصري وأي مواطن من أصحاب الدخل المتوسط أو أقل، مشيرًا إلى تناقص الأدوية في السوق بشكل ملحوظ، في الوقت الذي تزيد فيه الأسعار بنسبة 50%، وتصل في بعض الأحيان إلى 200%.
وعن تأثر الأقاليم بالأزمة، أكد لنا أن المواطنين في الأقاليم ستزيد معاناتهم، لأن الصيدليات الصغيرة، التي تمثل الاعتماد الأساسي للمواطن هناك، ستواجه شبح الإغلاق، إما لعدم توافر الأدوية أو بسبب الاتفاع الجنوني في الأسعار، حسب وصفه.
دكتور محسن إبراهيم، صاحب صيدلية، أخبرنا بأن ما أعلنت عنه الحكومة يمكن القبول به، وهي زيادة أسعار بعض المنتجات لمساعدة القطاع العام المُنتج للأدوية في الاستمرار، إلّا أن ما حدث هو استغلال شديد لقرار الحكومة، حيث تم التسعير حسب رؤية الموزع أو المجموعات الكبيرة، نتج عن ذلك زيادة كثير من المنتجات لأكثر من 100%، ووصلت أسعار بعض المنتجات الأخرى، لـ500%.
إن البنك المركزى يدبر فقط نسبة 10% من العملة الصعبة التي تطلبها الشركات لاستيراد بعض الأدوية التي تتطلب ملايين الدولارات
وعن دورهم، أخبرنا أنهم كأصحاب صيدليات صغيرة، غير قادرين على تحديد سعر ثابت لأي منتج لأنه، ومع صباح كُل يوم يتفاجأون بأسعارٍ جديدة يحددها الموردون.
“70% من المنتجات لم يكن سعرها أقل 30 جنيهًا”، كانت تلك هي القاعدة التي بَنَت الحكومة عليها قرارها، إلا أن هناك مستحضرات دوائية وعقاقير كانت نسبة ربحيتها عالية، ومع ذلك ارتفع سعرها ضمن الموجة الأخيرة، حيث إن هناك مستحضرات ارتفع فيها سعر القُرص الواحد، من جنيه ونصف إلى ثلاثة جنيهات ونصف، أي أكثر من ضعف ثمنه القديم.
وحول حل أزمة اختفاء مجموعة كبيرة من الأصناف واحتمالية عودتها للسوق مرة أخرى، ذكر لنا محسن احتمالية حدوث ذلك، إلا أن تأثيرات الأزمة على المواطن ستكون هي الأصعب.
“المشكلة في المنظومة”، هذا ما أخبرنا به الطبيب البشري أحمد الأشقر، من ناحية أن المشكلة ليست في اختفاء بعض الأدوية من السوق أو حتى غلائها، بل في المنظومة الطبية المصرية بشكل عام، حيث يحتاج قطاع التأمين الصحي لإعادة الهيكلة، ليكون قادرًا على تقديم خدمة جيدة على الأقل بدلًا من خدماته المتواضعة التي تقتصر في كثير من الأحيان على مجرد توقيع الكشف الطبي على المرضى.
كذلك قطاع إنتاج الأدوية الحكومية، يحتاج إلى تطوير وإعادة تنظيم لتحركاته التي تفتقر إلى المواكبة والتطور في مجال الصناعة الدوائية، أما الأفراد، سواء أطباء أو صيادلة أو مساعدي التمريض، فجميعهم يحتاجون إلى إعادة تنظيم، من حيث قدراتهم الشخصية أو وضعهم المادي داخل المنظومة الحكومية.
المواطن هو المتضرر الوحيد، لأن الحكومة لن تقوم برفع مستوى دخله، وبالتالي هو الذي سيتحمل عبء زيادة الأسعار، ما يستعدي تدخل جهة ثالثة في إطار المنظومة الحالية، سواء من المجتمع المدني أو المؤسسات غير الحكومية لضبط العملية، حسب ما يقول الأشقر.
قررت الحكومة رفع أسعار الأدوية المختفي معظمها بالأساس بنسبة 20% للعقارات الأقل من 30 جنيهًا
القلب والسكر والضغط والمرارة، تِلك هي الأمراض التي يعاني منها معظم المصريين، وتحتل أدوية هذه الأمراض، صدارة أرفف صيدليات مصر، كما أنه لا يوجد بيت مصري، يخلو من مريض يعاني أحد هذه الأمراض.
أم بلال، بين ليلةٍ وضحاها زاد سعر أحد الأدوية التي تتعالج بها، من 205 جنيهات إلى 350 جنيهًا، وهو عقار البلافكس الذي يعد هو واقيًا من حدوث التجلطات الدموية، كما يقلل من احتمالات الإصابة بالنوبة القلبية.
وتقول أم بلال، إن جميع الأدوية التي تتناولها زاد سعرها بشكل كبير، فمثلًا عقار “داينيترا” والذي يصنف كموسع للأوعية الدموية ويستخدمه مرضى القلب والشرايين، تضاعف سعر الوحدة الواحدة من جنيه وربع إلى ستة جنيهات، أما “أسبرين” أحد أشهر الأدوية وأكثرها شعبيةً في مصر، تضاعف سعره أيضًا من 5 جنيهات إلى عشرة جنيهات، دفعةً واحدة.