ذكرت وكالة الأخبار رويترز فإن من المقرر أن تسدد أنغولا ونيجيريا والعراق وفنزويلا وكردستان العراق خلال العام الحالي من 30 إلى 50 مليار دولار نفط، هذا يعني أن تلك الدول استدانت أموالًا وتعهدت بسداد قيمة القروض على شكل نفط، ولا يشابه هذا البرنامج ما حصل أيام الحصار المفروض على العراق وتلقيه للغذاء مقابل النفط “النفط مقابل الغذاء”، سوى أن تلك الدول احتاجت للمال من أجل البقاء واستكمال عملية النمو، والنفط مثله مثل الذهب والدولار يستخدم في السداد لأنه سلعة استراتيجية عالمية ومقبولة دوليًا.
لو أخذت دولة قرضًا مقداره مليار دولار من دولة غنية أخرى بشرط سداد القرض خلال مدة معينة بالنفط، فلو كان سعر البرميل 100 دولار فهذا يعني أن الدولة المقترضة ستخصص من إنتاجها النفطي ما مقداره 10 مليون برميل نفط خام لسداد قيمة القرض (مليار دولار).
فنزويلا ستسدد 7 مليارات دولار للصين هذا العام وتحتاج لخدمة هذا القرض إنتاج نحو 800 ألف برميل يوميًا للسداد، ارتفاعًا من 230 ألف برميل عندما كان السعر في حدود 100 دولار
وعندها سيكون ارتفاع سعر البرميل لصالح الدولة المنتجة لأنها ستنتج نفطًا أقل لسداد القروض، فلو ارتفع سعر البرميل إلى 150 دولارًا فهذا يعني أنها ستنتج قرابة 6.666,666 مليون برميل خلال السنة لسداد القرض البالغ مليار دولار، وفي حال انخفض السعر إلى 50 دولارًا فإن الدولة ستنتج 20 مليون برميل نفط خلال السنة لسداد المليار دولار.
اقترضت من أجل البقاء
لأسباب عديدة اقترضت تلك الدول النفطية المال؛ منها ما يتعلق بالنمو ومنها ما يتعلق بسد العجز المالي بعد انخفاض أسعار النفط أو ارتفاع تكلفة الاستخراج وأمور أخرى، ولكن تفاجأت تلك الدول أن أسعار النفط هبطت إلى أدنى مستوياتها حتى وصلت إلى حدود 30 دولارًا للبرميل وهذا السعر له عواقب ليست جيدة على اقتصادياتها المنهكة أصلًا، تبدأ بتحملها كلفة الدين بشكل أعلى لسداد قيمة القروض وانحسار عملية النمو، إذ لم يعد لديها أموال للاستثمار، وأخطرها أنه لم يعد بإمكانها الاستثمار في البحث والتنقيب عن آبار جديدة وهذا له مضار كثيرة قد ترغم الدولة المنتجة على التعاقد مع شركات بعقود مجحفة.
إذا خصصت الدولة إنتاجها النفطي بالكامل للدولة المقرضة لسداد القروض فلن يعود بإمكان الدولة المقترضة اللحاق بمتطلبات النمو والاستثمار واستحقاقاتها المطلوبة أمام شعوبها ولن وتستفيد من ارتفاع الأسعار في المستقبل، فيصبح الإنتاج لخدمة القروض فقط.
فأنغولا التي تعد أكبر منتجًا للخام في إفريقيا اقترضت من الصين ما يقرب من 25 مليار دولار منذ عام 2010 وهذا أرغمها على تخصيص إنتاجها النفطي تقريبًا في العام الحالي لسداد الديون.
كما أصبحت الصين أكبر ممولاً لفنزويلا عن طريق برنامج النفط مقابل القروض الذي حصلت فنزويلا بمقتضاه على 50 مليار دولار مقابل السداد بالنفط على شكل شرائح في فترات زمنية محددة.
وبحسب بنك باركليز فإن فنزويلا ستسدد 7 مليارات دولار للصين هذا العام وتحتاج لخدمة هذا القرض إنتاج نحو 800 ألف برميل يوميًا للسداد، ارتفاعًا من 230 ألف برميل عندما كان السعر في حدود 100 دولار، ولعل هذا ما يجعل فنزويلا الدولة العضو في أوبك الأكثر إصرارًا على استقرار أسعار النفط وعودتها للارتفاع.
من المقرر أن تسدد أنغولا ونيجيريا والعراق وفنزويلا وكردستان العراق خلال العام الحالي من 30 إلى 50 مليار دولار نفط
حيث ذكر مسؤول اقتصادي فنزويلي الأسبوع الفائت أن بلاده توصلت لاتفاق مع الصين الممول الرئيسي لقروضها البالغة نحو 50 مليار دولار لتحسين شروط اتفاق النفط مقابل القروض، وهذه الخطوة ستنعش الاقتصاد الفنزويلي الذي يمر بأزمة مالية حادة قبل استحقاق ديونه الكبيرة وركود اقتصادي ونقص في السلع وتراجع في إيرادات النفط، وبحسب رويترز فإنه تم تحسين “كل” الشروط بما فيها الأطر الزمنية للقروض وأحجام الاستثمار والجوانب غير المالية، علمًا أن الشروط لم تنشر للملأ.
وبغض النظر عن طبيعة ذلك التحسين في الشروط فإن الصين أصبح لها اليد الطولى في اقتصاد فنزويلا ويحسب لها نصيب الأسد في الاستثمارات القومية الفنزويلية.
الأمر مشابه بالنسبة لنيجيريا والعراق اللتين تدينان بقروض لشركات نفطية مثل شل وإكسون موبيل بحسب برنامج النفط مقابل القروض أيضًا، ومن المفترض أن يسدد العراق هذا العام 23 مليار دولار على شكل نفط لشركات نفطية كانت قد أقرضته أموالاً فيما سبق، علمًا أن ديون العراق الإجمالية في السنة الماضية بلغت 30 مليار دولار بحسب وكالة التصنيف الائتماني ساتندرد آند بورز.
فنيجيريا تدين هذا العام بمبلغ 3 مليارات دولار ستسدده نفطًا لشركات كبرى ساعدتها في تمويل حصتها من العمليات المشتركة لتطوير حقول النفط، والإكوداود إحدى أعضاء منظمة أوبك اقترضت قرابة 8 مليارات دولار ستسددها نفطًا لصالح شركات صينية وتايلندية.
نيجيريا وفنزويلا تحتاجان بشدة للتوصل لاتفاق لتقليص الإنتاج وعودة الأسعار للارتفاع لمساعدتهما على الاستثمار في الحقول النفطية وسداد الديون بكميات أقل من النفط، إذ لم يتبق لدى الدول الفقيرة أموالاً للاستثمار في البنية الأساسية وتطوير الحقول النفطية لزيادة الإنتاج.
على خلاف الدول الخليجية الغنية التي لا تكبلها تلك القروض والغنية بالاحتياطيات المالية الضخمة التي تملك مرونة أكبر في تحمل أسعار نفط رخيصة أكثر من غيرها من الدول النفطية، يسمح لها في مواصلة عملية النمو والبحث والتنقيب عن آبار نفطية جديدة، حيث وجدت الدول الفقيرة المنتجة للنفط التي اقترضت وفق برنامج النفط مقابل القروض بعد انخفاض أسعار النفط في العامين الأخيرين أكثر من 60% أن عليها أن تشحن ثلاثة أمثال الكميات التي كانت تتوقعها للوفاء بديونها، وهذا ما أدى إلى العجز المالي كما حصل في أنغولا وفنزويلا ونيجيريا والعراق، وأدى إلى مشاحنات في منظمة أوبك بين المنتجين بين مدافع لتقليص الإنتاج ورافض له، إذ تعول الدول الفقيرة المنتجة للخام في أوبك على تخفيض الإنتاج لعودة ارتفاع الأسعار وتحررها من قيود تلك القروض، والجدير بالذكر أن المنظمة ستعقد اجتماعها الأسبوع المقبل في الوقت الذي تمارس فيه بعض الدول ضغطًا على الدول الثرية من أجل خفض الإنتاج لرفع الأسعار.