تحرير الفلوجة لماذا الآن؟
أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في وقت مبكر من صباح يوم الإثنين، عن انطلاق معركة تحرير الفلوجة، في ظل حالة من الاضطراب التي تعيشها العاصمة العراقية بغداد، حيث تم اقتحام المجمع الحكومي “المنطقة الخضراء” للمرة الثانية على التوالي خلال شهرين كان آخرها الأسبوع الماضي، حينما اقتحم مؤيدو التيار الصدري مبنى مجلس الوزراء العراقي في رسالة تصعيد من مقتدى الصدر، وأنباء عن اقتراب صدام بين ملشيات شيعية شيعية في وسط العاصمة بغداد.
كل ذلك دفع العبادي لنزع فتيل الأزمة بدفع الكرة خارج الإطار الداخلي للبيت الشيعي بعدو مشترك تجتمع عليه جميع الأطراف، الأمر ذاته الذي وجده الأمريكان والإيرانيون وسيلة جيدة للحفاظ على العملية السياسية العراقية التي بدأت تترنح، الأمر الذي لا تريده طهران وواشنطن في نفس الوقت من خلو بغداد من حكومة.
متظاهرو التيار الصدري يقتحمون المنطقة الخضراء مرتين على التوالي
من يشارك في عمليات تحرير الفلوجة؟
تشارك في عملية تحرير الفلوجة قوات متعددة أبرزها قوات الشرطة الاتحادية التابعة لوزارة الداخلية العراقية بعشرين ألف مقاتل، إضافة لقوات مكافحة الإرهاب، وهي من قوات النخبة العراقية المسماة بالفرقة الذهبية، إضافة لقوات الحشد العشائري من أبناء العشائر الأنبارية، وقوات الحشد الشعبي المختلفة إضافة لطيران الجيش العراقي مدعومًا بقوات التحالف، بينما ظهرت صور لقاسم سليماني، وبعض العناصر الإيرانية لم يثبت إلى الآن مشاركتهم بشكل مباشر في العمليات العسكرية لكن لا يخفى الدوري الإيراني في القيادة والتسليح لملشيات الحشد الشعبي المتعددة التسمية.
فيما يقدر عدد مقاتلي التنظيم داخل مدينة الفلوجة بين 1000 إلى 2000 مقاتل بعضهم من المقاتلين المنسحبين من مناطق جرف الصخر، إضافة لمقاتلين تم تجنيدهم من أبناء الفلوجة يرى مراقبون أنهم لا يمتلكون الخبرة الكافية مقارنة بعناصر داعش الأساسيين الذين يقدر نسبتهم 50% من قوات داعش المتواجدة داخل المدينة.
قاسم سليماني يشرف على إدارة معارك الحشد الشعبي المشاركة في عمليات تحرير الفلوجة
ما الذي يؤخر حسم معركة الفلوجة؟
لعل المتابع من خارج المشهد يستغرب من عدم حسم معركة الفلوجة لصالح القوات العراقية ضد تنظيم الدولة رغم هذا التفاوت الكبير بين أعداد المقاتلين، حيث يرجح وجود بين 1000 إلى 2000 مقاتل في الفلوجة مقابل ما يزيد عن 30 ألف مقاتل في الجانب العراقي، مما يجعل التحرير أكثر سهولة لكن ذلك غير صحيح.
حيث تواجه القوات العراقية مجموعة مشكلات وعقبات في طريقها إلى حسم معركة الفلوجة يعد أبرزها إصرار تنظيم الدولة على إبقاء 10 آلاف عائلة داخل المدينة كدروع بشرية يمنع خروجهم، أو تسليم المدينة والخروج منها.
إضافة إلى أن عناصر تنظيم الدولة تقاتل على أرض خبرتها وتعرفها جيدًا؛ الأمر الذي يجعل لهم السبق في المباغته والتحرك داخل المدنية في عمليات حرب الشوارع التي من المحتمل حدوثها بعد تقدم القوات لداخل أحياء الفلوجة.
على مدار عامين استطاع التنظيم عمل شبكة قوية من التفخيخ للمنازل والمباني والطرقات في أحياء المدينة وما حولها، إضافة لشبكة من الأنفاق الدفاعية والهجومية التي سيستخدمها عناصر التنظيم في معركتهم ضد القوات المقتحمة للمدينة.
التنظيم يقاتل حتى الرمق الأخير لعدة أسباب أبرزها عدم وجود منفذ للانسحاب من الفلوجة إلى مناطق ثانية تحت سيطرته، وجود عائلات عدد غير قليل من مقاتلي التنظيم في داخل مدينة الفلوجة، الأمر الذي سيدفع بمقاتلي التنظيم للاستماتة في الدفاع عن المدينة.
التهديد الذي يطلقه الإعلام الشيعي العراقي من عمليات ثأر من الفلوجة وأهلها سيدفع الكثير من الفلوجيين إلى اختيار الانحياز لداعش بدلاً من الانحياز للقوات القادمة التي يعتقد أنها قوات تحمل الموت والدمار للجميع دون استثناء.
كل هذه النقاط مجتمعة تجعل التقدم على الأرض ليس بالسهولة المتوقعة، إضافة لعدم حسم الموقف الأمريكي المتذبذب من المعركة خاصة بوجود العنصر الإيراني بوضوح وعدم وجود تطمينات حقيقية من عدم ارتكاب مجازر بحق المدنيين.
الرسائل التي وصلت إلى أهالي الفلوجة من توعد بالانتقام لا تساعد في عمليات التحرير
لماذا هذا الحقد الكبير على الفلوجة؟
صرخات متعدد تنادي بالانتقام من الفلوجة، فما الذي فعلته مدينة المساجد لتستحق كل هذا الوعيد والتهديد؟
لقد طبعت الفلوجة صورًا في ذاكرة التاريخ لا يمكن نسيانها، فهي أيقونة المقاومة للاحتلال الأمريكي، ولعل صور قتل وتعليق الطيارين الأمريكيين على جسر الفلوجة ما تزال معلقة في أذهان العراقيين والأمريكيين على حد سواء، تكرر المشهد مع الجندي العراقي الأسير مصطفى ناصر والذي حاول التنظيم من خلال ماكينته الإعلامية إظهار أهالي الفلوجة وهم يحتفلون بقتل الجندي وتعليقه على أحد جسور المدينة، مما دفع الماكينة الإعلامية الشيعية لحشيد الرأي العام الشيعي وشيطنة الفلوجة وأهلها غير مراعين أن المئات من أهالي الفلوجة نفسها تم قتلهم على يد عناصر التنظيم وبطرق أكثر بشاعة، كل هذا إضافة إلى إخفاقات متتالية للقوات الأمنية مصحوبة بالحشد الشعبي عجزت عن تحقيق تقدم في المدينة الأمر الذي جعل المدينة محورًا للإعلام الطائفي مما رفع نسبة التخوف لدى المراقبين من إمكانية حدوث مجازر وانتهاكات في عمليات تحرير المدينة العراقية التي تقبع بين المطرقة والسندان.
قتل وتعليق الجندي العراقي على أحد جسور الفلوجة من قبل عناصر تنظيم الدولة
هل سينتهي تواجد داعش في الأنبار بتحرير الفلوجة؟
لا أعتقد أن القضاء العسكري على داعش في الفلوجة يعني غلق ملف التنظيم في الأنبار لسبب واضح أن الأسباب التي دفعت داعش للظهور في الأنبار ما تزال موجودة وبنفس المعطيات السابقة، تجربة الصحوات والقاعدة في الأنبار ليست ببعيدة، حيث استطاعت العشائر السنية في الأنبار أن تقضي على تواجد القاعدة بشكل نهائي عسكريًا، ليتحول تنظيم القاعدة في الأنبار لخلايا نائمة عادت مرة ثانية للظهور بسبب ممارسات المالكي الإقصائية، الشعور بالمظلومية من قبل أهل السنة في العراق وضرب حراكهم السلمي، الأمر الذي دفع بداعش للعودة بقوة إلى الأنبار ودون عوائق حقيقية، الأمر سيتكرر في السنوات القادمة، خاصة إذا لم يحدث تغير حقيقي في سياسة حكومة بغداد تجاه سنة العراق.
سيستمر مسلسل انتفاضة المناطقة السنية وعودة التطرف باستمرار غياب مشروع حقيقي للمصالحة وتسليم الصلاحيات من المركز إلى محافظات لتقوم بعملية إدارة شؤونها بنفسها دون تهميش أو إقصاء.
حيث يمكن للحكومة العراقية إرسال رسائل تطمين لسنة العراق بإقرار قانون الحرس الوطني ودمج السنة في مؤسسات الدولة وإقرار قانون العفو العام، هذه الخطوات إضافة للحسم العسكري هي من سينهي ملف داعش في العراق وليس سياسة التسويف والوعود غير المنجزة.
على حكومة بغداد عدم تكرار سياسة الإقصاء التي اتبعها المالكي، لضمان عدم عودة داعش للمدن بعد حسم الملف عسكريًا