على مدار ثلاث سنوات مضت نجح تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في فرض نفسه على موائد الاهتمام الدولي، إذ بات الكيان الأكثر امتلاكًا لمقومات الإرهاب في العالم بعدما تمت تغذيته من جميع الأطراف ليعيد إلى الأذهان من جديد تجربة تنظيم القاعدة لكن بصورة مختلفة ومتطورة في ظل ما يمتلكه من إمكانيات هائلة لم تتوفر لغيره من التنظيمات الإرهابية.
داعش التي تعد أحدث مولود في سلالة الإرهاب العالمي لم تترك شاردة ولا واردة إلا وكان لها منها نصيب، حتى باتت كابوسًا يؤرق مضاجع الجميع دون استثناء، فبعدما كانت النبتة الشيطانية التي زرعتها المخابرات الأمريكية لتنفيذ مخططاتها في منطقة الشرق الأوسط، أصبح تمثل قلقًا عليها وانقلب السحر على الساحر بصورة غير متوقعة، مما دفع العالم أجمع للوقوف على قلب رجل واحد لمحاربة هذا الأخطبوط الجديد.
وفي الوقت الذي مني فيه هذا التنظيم بخسائر فادحة في بيئاته التي نشأ وترعرع فيها في العراق وسوريا وليبيا، حتى خرج البعض ليؤكد أن العد التنازلي لنهاية هذا الكيان قد أوشكت إلا أن الواقع يقول عكس ذلك، إذ لجأت عناصر هذا التنظيم إلى البحث عن ولاية جديدة يستعيدون فيها قوتهم ويعيدون ترتيب أوراقهم من جديد، فوقع الاختيار على شرق إفريقيا، حيث التربة الخصبة لنمو هذا الفكر في ظل الاستعانة ببقايا تنظيم القاعدة وبعض الجماعات والحركات الأقرب فكريًا ومنهجيًا لهم، فهل ينجح تنظيم الدولة الاسلامية في تحويل شرق إفريقيا إلى ولاية جديدة؟ ولماذا اختار هذه المنطقة دون غيرها ؟
ضربات داعش الموجعة
تلقى تنظيم داعش خلال الآونة الاخيرة العديد من الضربات الموجعة التي أفقدته بعضًا من توازنه في الأماكن التي كانت بالأمس تعد قلاعًا حصينة لا يمكن اختراقها.
الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي أكد أن التنظيم تلقى خسائر فادحة على عدة جبهات خاصة في الثلاثة أشهر الأخيرة، بدءًا من جرف الصخر في محافظة بابل والضلوعية في محافظة صلاح الدين ثم في مناطق سنجار شمال الموصل والمقدادية في محافظة ديالى، وصولاً إلى مدينة كوباني (عين العرب) السورية، وانتهاءً بما تلقاه التنظيم أخيرًا بعدما أسفرت غارات التحالف الدولي عن مقتل عدد كبير من قيادييه في غرب العراق.
الهاشمي صرح لبعض وسائل الإعلام مؤخرًا أن تنظيم داعش بعد الهزائم التي لحقت به وخسارته ما يقرب من 1000 من عناصره في كوباني، فضلاً عن طرد القوات العراقية والحشد الشعبي للآلاف من عناصره من ديالي بالعراق فقد قدرته على المبادرة والتقدم، وباتت خطوات العودة للوراء أكثر بمراحل من التقدم للأمام وهو ما يحمل مؤشرات خطيرة حول إمكانية التنظيم على إكمال المسيرة في العراق.
وفي تصريحات للناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” نشرتها مجلة “النيوزويك” الأمريكية منذ عدة أيام أن تنظيم داعش خسر حوالي 45% من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق، كان أهمها هيت والرمادي ومناطق أخرى في الأنبار، وفي سوريا خسر ما بين 16 إلى 20% من الأراضي التي كان يسيطر عليها ، أهمها مدينة تدمر الأثرية مارس الماضي.
البنتاجون أشار إلى أن هناك عدد من الضغوط التي تواجه داعش والتي لعبت دورًا مؤثرًا في تطويق الروافد المالية والبشرية المغذية للتنظيم والتي كانت مصدر قوته في السابق، ومن أهمها تشديد الرقابة على الحدود السورية العراقية، وكذلك الحدود الأوروبية بعد الهجمات الأخيرة في بروكسيل وباريس، والتي أغلقت الباب أمام التنظيم في الحصول على خدمات عناصر جديدة، والذي كان يتوقع وصول أعداد مقاتليه إلى 50 ألف بينما انحصر عددهم الآن فيما بين 19 إلى 25 ألف موزعين بين سوريا والعراق.
كذلك ساهمت العمليات العسكرية الأمريكية الأوروبية ضد مواقع التنظيم في العراق وسوريا في تكبيده العديد من الخسائر لاسيما فيما يتعلق بمنابع تمويله عبر آبار النفط وغيرها من المصادر التي كان يستخدمها التنظيم في تمويل تحركاته وعملياته.
مقتل عناصر من داعش في العراق
هل بدأت النهاية؟
بعد مسلسل الهزائم التي تعرض لها تنظيم الدولة الإسلامية في أكبر معاقله بسوريا والعراق، طفت على السطح بعد التكهنات السياسية التي ترجح أن نهاية داعش باتت مسألة وقت، وأن بداية أفول نجم هذا التنظيم أوشكت، وهو ما استنكره بعض الخبراء والمحللين المتخصصين.
جسن أبوهنية الخبير الأردني في شؤون الحركات الجهادية، أكد أن من السابق لأوانه الحديث عن سقوط داعش وهزيمته بصورة كاملة، مضيفًا أن التنظيم يسعى إلى تثبيت سيطرة مكانية في المنطقة الممتدة من حلب إلى الموصل لأطول فترة ممكنة، على الرغم من حصول بعض الانكسارات.
أبو هنية أشار أن نهاية داعش تحتاج إلى تفعيل جبهة القوات العراقية والبشمركة الكردية من جانب وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من جانب آخر، ومن ثم فالأمر يحتاج لمزيد من الوقت قبل العزف على وتر سقوط تنظيم الدولة.
المحلل السياسي والخبير في الشأن العربي السيد الربوة، أكد أن التنظيم لازال قادرًا على تحقيق المزيد من التقدم لاسيما في ظل ما يملكه من مخزون استراتيجي في الأسلحة والعتاد، وهو ما يجعله أكثر قدرة على تحميل الخسائر والاستمرار لفترات طويلة.
الربوة نوّه إلى أن القضاء على داعش ليس في مصلحة أمريكا كما يتوهم البعض، حتى وإن سعت واشنطن في الآونة الاخيرة لتقليم أظافره بعدما خرج عن الأطار المرسوم له، مؤكدًا أنه لازالت هناك جولات قادمة بين التنظيم والدول الغربية، مرجحًا حدوث 11 سبتمبر جديد، ومضيفًا أن هناك بيئة خصبة قد تكون نقطة انطلاق جديدة لداعش لكن الكثير يغفل عنها ألا وهي إفريقيا، فهل استعد العالم لولاية داعشية جديدة في إفريقيا؟
حلفاء داعش في إفريقيا
من يقرأ خريطة التحالفات والكيانات الإرهابية المتطرفة في إفريقيا يجد أن هناك عدة محاور من الممكن أن يتخذها تنظيم داعش كبنية أساسية في مشواره الإفريقي، لاسيما في ظل التطابق الواضح في الرؤى والأفكار ومن ثم الأساليب والوسائل، وتتمثل أبرز هذه التحالفات في محورين اثنين:
- الأول: جماعة بوكو حرام – نيجيريا
وتعد جماعة بوكو حرام الأقرب فكريًا وتكتيكيًا لتنظيم داعش، كما تعتبر أخطر جماعات التطرف الديني في الغرب الإفريقي على الإطلاق، حيث تسيطر على نحو 20% من الأراضي النيجيرية، وعلى غرار التكتيك الداعشي فقد أعلن زعيم الجماعة أبو بكر شيكاو تأسيس عاصمة إمارته في “جوزا” بالشمال النيجيري، أغسطس 2014 ، كما قدّم الشكر حينها لثلاثة من أبرز قادة الحركة الجهادية العالمية وهم أبو بكر البغدادي وأيمن الظواهري والملا محمد عمر، فضلاً عن أنه من الواضح في خطاب بوكو حرام الجديد التأكيد على مفهوم الأممية الإسلامية وارتباطه بدولة الخلافة الداعشية في العراق وبلاد الشام.
ومن الملاحظ أن ضعف جيران جماعة بوكو حرام وهشاشتهم قد يكون مبررًا لتجاوز الجماعة – التي تسمى بـ “داعش الإفريقية”- حدود نيجيريا الجغرافية، ومن ثم التمدد ناحية الشرق حيث بناء الولاية الجديدة المزعومة.
وبالرغم من إنفاق الحكومة النيجيرية نحو مليار دولار على التدريب العسكري وشراء طائرات جديدة، لمواجهة الجماعة المتطرفة إلا أن معظمها ذهب أدراج الرياح أمام قوة الجماعة من جانب وسرقة هذه الأموال ودخولها جيوب كبار الجنرالات الفاسدين من جانب آخر.
عناصر من جماعة بوكو حرام بنيجيريا
- الثاني: حركة الشباب المجاهدين- الصومال
تعد حركة الشباب المجاهدين بالصومال من أكثر الحركات الراديكالية في القارة الإفريقية على الإطلاق، إذ نجحت في فرض سيطرتها على الغالبية العظمى من الأراضي الصومالية إلى ما قبل نهاية 2007 حتى تمكنت بعثة الاتحاد الإفريقي من تطويق نفوذها وتحجيم سيطرتها على الأرض.
ومن الشواهد الدالة على قوة هذه الحركة فشل التحالف الإفريقي المكون من أوغندا وبوروندي وكينيا وجيبوتي في مواجهتها والقضاء عليها، وبالرغم من هذا التحالف القوي لازالت الحركة قادرة على القيام بعمليات عنيفة ضد الدولة الوطنية وجوارها الإقليمي.
ومن الملاحظ أن هناك تقارب فكري بين العقلية المسيطرة على الحركة وبين المنهج الداعشي وهو ما يسمح بنقاط تلاقي كثيرة ساهمت بشكل كبير في انضمام عناصر متعددة من الشباب المجاهدين لتنظيم داعش شرق إفريقيا كما سيتم التطرق اليه لاحقًا.
صور لتدريبات عناصر الشباب المجاهدين في الصومال
الشرق الإفريقي… ولاية جديدة
لم يجد تنظيم داعش أفضل من شرق إفريقيا بيئة خصبة مناسبة لخلق واقع جديد، يسمح للتنظيم بالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق مستغلاً التقارب الفكري الذي بينه وبين الحركات المتطرفة في الصومال ونيجريا وكينيا فضلاً عن الوهن الشديد الذي أصاب تنظيم القاعدة إفريقيا مما دفع بعناصره للهرولة إلى التنظيم الأقرب إليهم فكرًا ومنهجًا وهو داعش.
موقع ذى دايلي سيجنال الأمريكي أشار مؤخرًا إلى انشقاق نحو 200 من عناصر حركة الشباب الصومالية المتحالفة مع القاعدة، وشكلوا تنظيمًا خاصًا بهم أعلنوا تبعيته لتنظيم داعش كأول ذراع له في شرق إفريقيا.
الموقع الأمريكي أكد أن التكوين الجديد لداعش بشرق إفريقيا لم يقتصر على أعضاء حركة شباب المجاهدين الصومالية فحسب، بل مفتوحه لأبناء بلدان الدول الأخرى، خاصة الدول الواقعة شرق إفريقيا.
كما أشار أن الفرع الجديد للتنظيم بشرق إفريقيا سيستهدف تنفيذ عمليات إرهابية واسعة النطاق ضد المجمعات التجارية والمحال الترفيهية والمطارات والجامعات والمطاعم في الإقليم، تمهيدًا للسيطرة عليه وإعلانه ولاية جديدة.
الاستخبارات الكينية توقعت منذ فترة انشقاق ما يقرب 1400 من مقاتلي حركة الشباب الصومالية وانضمامهم لداعش، تمهيدًا لسيطرة التنظيم على الشرق الإفريقي بالكامل، ومن ثم التوغل إلى منطقة غرب إفريقيا، حيث النيجر ونيجيريا وتشاد والكاميرون.
كما أشارت إلى أن عناصر داعش الجديدة في شرق إفريقيا تتمركز بمناطق التماس الحدودي مع الصومال، وهو ما دفع الحكومة الكينية لإعلان الاستنفار العسكري، بعد إعلان المنشقين عن تنظيم الشباب ولاءهم لتنظيم داعش.
وفي تطور تكتيكي جديد لتنظيم داعش بشرق إفريقيا، فقد كشفت الشرطة الكينية عن اعتقال بعض أعضاء التنظيم كانوا يخططون لنشر الجمرة الخبيثة في البلاد، فضلاً عن التوصل لأسماء عشرات آخرين مشاركين لهم في تنفيذ هذه المؤامرة في بلدان مجاورة.
السلطات الكينية تقول إن هناك 20 كينيًا على الأقل، انضموا للقتال في صفوف داعش، معظمهم من صغار السن والطلاب، وكذلك في كل من السودان وإريتريا، معربة عن قلقها من تزايد عدد مقاتلي داعش يوميًّا في شرق إفريقيا، حتى وصل إلى 150 فردًا يتلقون الأسلحة والإمدادات من خلال فرع التنظيم الموجود في اليمن المجاورة.
وبالرغم من العقبات التي تواجهها داعش في شرق إفريقيا في مجال التدريب والتمويل، إلا أنها تمثل تحديًا واضحًا لمنظومة الأمن والاستقرار في هذا الإقليم، ومن هنا يتضح حجم الترابط الفكري بين مختلف الجماعات الإرهابية مهما بعدت بينهما المسافات، وأن هناك خط تواصل فيما بينهما وإن لم تتح لهم فرص اللقاء، فداعش العراق على نفس الخط مع مقاتلي بوكو حرام بنيجريا المتوافقين فكريًا مع أعضاء حركة الشباب الصومالية وهكذا، فهل بات من المحتمل أن يتحول إقليم شرق إفريقيا إلى ولاية داعشية جديدة؟