انطلق موسم الحج اليهودي السنوي في كنيس الغريبة في جزيرة جربة التونسية (جنوب)، أمس الأربعاء، وسط إجراءات أمنية مشددة.
وبدأ عشرات اليهود من داخل البلاد وخارجها بالتوافد إلى كنيس “الغريبة” بجزيرة جربة، لأداء الزيارة السنوية التي تتواصل حتى يوم الخميس، وتتواصل مراسم الزيارة على يومين بتنظيم احتفالات “الخرجة الصغرى”، و”الخرجة الكبرى”.
وتركزت وحدات من الجيش والأمن في مداخل “الغريبة”، حيث اتخذت إجراءات أمنية مشددة، وتقوم بتفتيش دقيق للوافدين، فيما حلقت مروحية فوق المنطقة، وأغلق الحي الذي يقع فيه الكنيس.
يقع الكنيس في قرية صغيرة كانت ذات غالبية يهودية في الماضي وتسمي “الحارة الصغيرة”، يطلق عليها حاليًا “الرياض”، وتبعد عدة كيلومترات جنوب غرب حومة السوق بجزيرة جربة جنوب شرق تونس.
ويعد كنيس الغريبة أقدم كنيس في إفريقيا وأحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، وترقد فيه – بحسب الأسطورة – واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم، وتقول لافتة معلقة داخل الكنيس ومكتوبة بأربع لغات (العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية) “يرجع عهد هذا المقام العتيق والمقدس المعروف بالغريبة إلى عام 586 قبل الحساب الأفرنجي، أي منذ خراب الهيكل الأول لسليمان تحت سلطة نبوخذ نصر ملك بابل وقد وقع ترميمه عبر العصور”.
ويحج اليهود إلى كنيس الغريبة، مرة كل سنة، في ذكرى وفاة أحد الأحبار اليهود قبل 100 عام، في الكنيس الذي سمي على اسم طفلة يهودية نبذها أهلها، فاتخذت مقرًا لها خارج حارة اليهود، وظلت هناك حتى ماتت.
وتقول الأسطورة اليهودية إن السكان اليهود شعروا حينها بالذنب تجاه الطفلة فأرادوا تكريمها، وبنوا لها كنيسًا يصلون فيه، وتضيف الأسطورة أنه من ضمن الأحجار التي بني بها الكنيس، الذي يعتبر من أقدم المعابد اليهودية في العالم، حجر استقدم من فلسطين، بالنسبة لليهود، فإن وجود هذا الحجر يعطي قدسية للمكان، الذي تحول قبل 100 عام إلى مزار سنوي، يأخذ شكل “حج”، كما توجد في الكنيس نسخة من التوراة تعود إلى أكثر من ألفي سنة، حسب زعم اليهود.
ويحظى كنيس الغريبة بمكانة خاصة عند يهود تونسيين وأجانب باعتباره أقدم معبد يهودي في إفريقيا.
وتتمثل طقوس الزوار في اليوم الأول من الاحتفالات الكبرى لزيارة الغريبة، بإشعال الشموع في الجهة المخصصة للصلاة داخل المعبد (الجهة اليسرى منه)، ووضع البيض في المكان المخصص له، بعد أن يكتبوا عليه أمانيهم للعام المقبل، وبمجرد خروجهم من مكان الصلاة (الخرجة الصغرى)، يتجه الزوار إلى رجل عجوز يسمى بـ “رِبي عتوقي” (75 عامًا)، وهو شخص “مبارك” وفق اعتقادهم، يقرأ لهم أجزاءً من أحد كتب التوراة.
وفي الجانب الأيمن من المعبد، تجرى الاحتفالات عبر ترديد الأغاني التونسية، وتقديم الأكلات الشعبية المعروفة في تونس (أشهرها البريك)، إضافة إلى احتساء نبيذ “البوخا”.
وفي اليوم الأخير من الزيارة تقام الخرجة الكبرى، بجمع التبرعات من الزوار للغريبة، وتقام حفلة غنائية.
شارك في الاحتفالات، كل من وزيرة الثقافة التونسية سنة مبارك، ووزيرة السياحة سلمى اللومي، ووزير الشؤون الدينية محمد خليل، والنائب الأول لرئيس البرلمان التونسي عبد الفتاح مورو، وسفير فرنسا بتونس فرنسوا قويات، وممثلين عن الكونغرس الأمريكي، وعدد من نواب البرلمان التونسي.
وسنة 2011 ألغي الحج بسبب تدهور الوضع الأمني إثر الثورة التي أطاحت في 14 كانون الثاني/ يناير من نفس العام بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، واستؤنف سنة 2012 وسط إجراءات أمنية مشددة وبمشاركة 1500 يهودي بينهم 500 من أوروبا وزائر وحيد من إسرائيل والبقية من تونس.
وانخفض عدد الحجاج الذين يزورون الكنيس بشكل كبير منذ الهجوم الانتحاري، حيث تعرض معبد “الغريبة” عام 2002 لهجوم بشاحنة مفخخة، يقودها انتحاري تونسي، أسفر عن مقتل 21 شخصًا (14 ألمانيًا و5 تونسيين وفرنسيين)، وتبنت الهجوم، آنذاك، خلية تابعة لتنظيم “القاعدة، وقبل ذلك كانت الاحتفالات تستقطب ما يصل إلى ثمانية آلاف شخص.
وتراجع عدد زوار الغريبة منذ 2011، حيث بلغ العدد في 2010، نحو 10 آلاف شخص، ليستقر عددهم خلال السنوات الخمس الأخيرة عند حدود الألفين فقط.
ومن المنتظر أن يتوافد إلى ”الغريبة” هذه السنة حوالي ألفي يهودي، وأن يفوق عدد القادمين من إسرائيل 150 شخصًا.
وقالت وزيرة السياحة التونسية، إن “زيارة الغريبة تمثل رسالة تسامح وتآخي ووحدة بين كل التونسيين باختلاف أديانهم”، وتابعت الوزيرة في كلمة أمام زوار الكنيس “تبقى تونس أرض الفرح بالرغم من الحزن”.
ووصل يوم الأربعاء، نحو 50 يهوديًا من إسرائيل لزياة الغريبة، وفقًا لتصريحات صحفية، لرئيس الطائفة اليهودية بجربة روني الطرابلسي، المكلف بتنظيم رحلات اليهود من العالم لتونس.
ويحج اليهود إلى كنيس الغريبة منذ أكثر من 200 عام لإقامة طقوس دينية واحتفالات “الهيلولة”.
ويعيش في تونس نحو 1500 يهودي يقيم أغلبهم في جزيرة جربة وتونس العاصمة، وكان عددهم 100 ألف يهودي قبل استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956، إلا أنهم غادروها إلى أوروبا وإسرائيل، ويسكن يهود جربة في حارتين، الكبيرة ويقطن فيها أكثر من ألف يهودي، ويقطن في الحارة الصغيرة ما يقارب 300 يهودي، وتتواجد في الحارتين مساكنًا لبعض التونسيين المسلمين، ويمارس غالبية التجار اليهود نشاطهم التجاري في منطقة “حومة السوق” وسط جزيرة جربة، متجاورين مع التجار التوانسة من المسلمين.