ترجمة حفصة جودة
في هذا الأسبوع سوف يصبح باراك أوباما أول رئيس أمريكي يزور مدينة هيروشيما، المدينة اليابانية التي دمرتها الولايات المتحدة باستخدام قنبلة نووية عام 1945؛ الأمر الذي أدى لوفاة ما يقرب من 150.000 شخص، ومن المتوقع ألا يعتذر أوباما عن ذلك في تلك الزيارة.
ومن المنطقي أن نسأل بعد أكثر من 70 عامًا: لماذا لا يتم الاعتذار عن هيروشيما؟ إحدى الحجج البالية هو أن قصف المدينة – الذي أعقبه إلقاء قنبلة نووية على ناجازاكي أيضًا – كان له ما يبرره أخلاقيًا، حيث إنه كان أسرع وسيلة لإنهاء الحرب العالمية الثانية، هذا الصراع الذي حصد أرواح الملايين بالفعل.
الحجة الأخرى الأكثر انتشارًا وربما أكثر إقناعًا أن الولايات المتحدة لا تعتذر ببساطة، ولا البلدان الأخرى تفعل ذلك، تقول جينيفر ليند الأستاذة بكلية دراتموث ومؤلفة كتاب “الاعتذار في السياسة الدولية”: “نحن لا نعتذر أبدًا، هذا ليس تمييزًا للولايات المتحدة، لكن الدول بشكل عام لا تعتذر عن عنفٍ مارسته ضد بلدان أخرى”، وأشارت إلى أن ألمانيا واليابان بدرجة أقل خرجوا عن المألوف، لأنهم اعتذروا بالفعل.
لكن ما الذي لم تعتذرأمريكا عنه أيضًا؟ إليكم بعض الأشياء:
1- العنصر البرتقالي في فيتنام
علامة تحذير في حقل ملوث بالديوكسين بمناسبة البدء في إزالة مخلفات حرب فيتنام
خلال حرب فيتنام، قامت الولايات المتحدة برّش 12 مليون جالون من العنصر البرتقالي (مبيد أعشاب سام) على مناطق في فيتنام وكمبوديا ولاوس، لرفع الغطاء عن الفيتكونج (الحركة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام) ومقاتلي شمال فيتنام، ومن أجل إبادة المحاصيل الزراعية أيضًا، ومنذ ذلك الحين، قدرّ الصليب الأحمر في فيتنام أن حوالي مليون شخص يعانون من الإعاقة أو مشاكل صحية بسبب التعرض لهذا المبيد السام.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة كانت تشكك أحيانًا في الرابط بين العنصر البرتقالي والمشاكل الصحية، إلا أنها ساهمت بأكثر من 100 مليون دولار للمساعدة في تنظيف آثار المبيدات السامة، كما خصص الكونجرس مبالغ أقل لبرامج الصحة والإعاقة والتي تستهدف هؤلاء المتضررين من العنصر البرتقالي.
ومع ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة أي اعتذار عن ذلك أو عن نزاعات الحرب الأخرى مثل استخدام الولايات المتحدة للألغام الأرضية على نطاق واسع.
2- انقلاب إيران عام 1953
الرئيس جيمي كارتر يتبادل الأنخاب مع الشاه محمد رضا بهلوي في قصر نيافاران بطهران ليلة رأس السنة؛ 31 ديسمبر 1977
في عام 1953 تمت الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب محمد مصدق عن طريق انقلاب، واستلم منصبه محمد رضا بهلوي كشاه لإيران للإشراف على السياسات التي كانت تعتبر مقيدة وفاسدة، تم خلع هذا الشاه من منصبه أيضًا عام 1979 بواسطة الثورة الإيرانية التي قامت بتثبيت الحكم الإسلامي الحالي في إيران.
في وثائق رُفعت عنها السرية، اعترفت وكالة المخابرات المركزية “CIA” بأن الإطاحة بمصدق كانت تحت تنفيذها وإشرافها كجزء من أعمال السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ووضع التصور ووافق عليه أعلى مستويات في الحكومة بمساعدة جهاز الاستخبارات البريطانية السري.
ومع ذلك، لم تعتذر بريطانيا والولايات المتحدة عن دورهما في هذا الانقلاب، كما أن إدراة أوباما صرحت مؤخرًا أنها لا تخطط لذلك، كانت بعض الشخصيات الأمريكية قد اعترفت بالآثار السلبية لهذا الانقلاب ولا سيما وزير الخارجية السابق مادلين أولبرايت حيث قالت عام 2000: “كان هذا الانقلاب نكسة للتنمية السياسية الإيرانية بشكل واضح”، وأضافت “من السهل أن نرى استياء الإيرانيين المستمر من تدخل أمريكا في شؤونهم الداخلية”.
3- انقلاب تشيلي عام 1973
السيناتور سلفادور أليندي أحد المرشحين للرئاسة يغادر مقر الحكومة 27 أغسطس 1970، سانتياغو، تشيلي
كان مشتبهًا في تورط الولايات المتحدة بانقلاب تشيلي الدولي عام 1973 الذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي، وتسليم الديكتاتور أوغستو بينوشيه مقاليد البلاد، استمر بينوشيه في قيادة البلاد لمدة 17 عامًا وكان نظامه متهمًا باستخدام الخطف والتعذيب والقتل، وقد نفت المخابرات المركزية أي تورط مباشر في هذا الانقلاب، بالرغم من اعترافها بمعارضتها لرئاسة أليندي.
عام 1977، حاول برادي تايسون نائب رئيس وفد الولايات المتحدة إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف، تقديم اعتذار عن تورط الولايات المتحدة في هذا الانقلاب، لكنه سرعان ما تم فصله من وزارة الخارجية، كان أوباما قد تجاهل طلبًا بالاعتذار من مراسل تشيلي عندما زارها عام 2011، حيث قال “إن تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية كان مهلهلًا وربما صعبًا في بعض الأوقات”، وأضاف “لكننا لسنا محاصرين من قِبَل تاريخنا”.
4- تجارة الرقيق في غرب إفريقيا
بيل كلينتون ينظر إلى القادة الأفارقة وهم يوقعون على اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية، عنتيبي، أوغندا 25 مارس 1998.
قدم مجلس النواب الأمريكي اعتذارًا عن استعباد الأفارقة الأمريكيين عام 2009 (بالرغم من أن صياغته تمت بطريقة لا تمكن من استخدامه كتبرير قانوني لطلب تعويضات)، لكن ما الاعتذارات التي قُدمت للدول الإفريقية التي شكلت تجارة الرقيق تاريخها الحديث؟
ليس الكثير كما تبين، فقد كان بيل كلينتون على وشك تقديم اعتذار في زيارة رئاسية لأوغندا عام 1998، حيث قال أمام حشد في قرية خارج كمبالا عاصمة أوغندا: “عند العودة بالزمن إلى الوراء قبل أن نصبح دولة، حصل الأمريكيون والأوروبيون على ثمار تجارة الرقيق، لكننا كنا مخطئين في ذلك”، ويبدو أن تصريحاته كانت ارتجالية.
في هذا الوقت قال مراقبون إن كلمات التصريح تتضمن أسفًا وليس اعتذارًا رسميًا، كما أن مكان التصريح كان غريبًا، فمعظم الرقيق كانوا من غرب إفريقيا وليس أوغندا، وقد كان كيلنتون قبلها بأسبوع في زيارة للسنغال، حيث كان يمكن للتصريح أن يكون أكثر أهمية.
5- دعم ديكتاتور الكونغو
الرئيس موبوتو سيسي وزوجته يلوحون لأنصاره في كينشاسا، 17 ديسمبر 1996.
كان باتريك لومومبا أول رئيس وزراء منتخب للكونغو؛ لكن تم خلعه بعد 12 أسبوعًا فقط من ولايته، وتم اغتياله بعد 4 أشهر من ذلك يوم 2 يوليو 1961، كان الاغتيال – الذي وقع بعد 7 أشهر فقط من استقلال بلاده عن بلجيكا في خضم الحرب الباردة – قد تم اعتباره كارثة حلّت على البلد المضطرب.
اعترفت بلجيكا بدورها في عملية الاغتيال وقدمت اعتذارًا رسميًا عن ذلك، لكن ليس واضحًا إذا ما كان للمخابرات الأمريكية المركزية علاقة مباشرة بتلك المؤامرة أم لا، لكن المعروف أنه نفذت عمليات سرية ضخمة في الكونغو خلال تلك الفترة، وبعدها قامت الولايات المتحدة بدعم الديكتاتور جوزيه ديزيريه موبوتو (الذي غيّر اسمه لاحقًا إلى موبوتو سيسي سيكو) ونظامه الفاسد على مدى عقود، ولم تقدم أي اعتذار عن ذلك.
6- غزو العراق عام 2003
تمثال لصدام حسين يتم إسقاطه بواسطة القوات الأمريكية والمدنيين العراقيين في ساحة الفردوس وسط بغداد، 9 أبريل 2003
كان الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 أحد أكثر اللحظات المثيرة للجدل في التاريخ الحديث، فبالرغم من أن الحرب كانت ضد الديكتاتور صدام حسين إلا أن معظم المحللين قالوا إنها جلبت الفوضى إلى المنطقة حتى يومنا هذا، كما أن عدد القتلى في صفوف العراقيين كان ضخمًا للغاية، وبالرغم من غموض التقديرات إلا أن معظمها يشير إلى فقدان مئات الآلاف من الأشخاص لحياتهم على الأقل.
كان جورج دبليو بوش؛ الرئيس الأمريكي الذي أمر بالغزو، قد أعرب عن بعض الندم لترويج معلومات استخباراتية خاطئة في الفترة التي سبقت الصراع، لكنه رفض طلبات الاعتذار عن الغزو بنفسه، وقال في تصريح لـ CNN عام 2010: “إنني مقتنع أنه لو كان حسين في السلطة الآن لكان العالم أسوأ حالًا بكثير”، نافيًا أن تكون الحرب “قضية خاسرة”.
7- رحلة الطيران الإيرانية 655
أطفال إيرانيون يلقون الزهور في البحر إحياءًا للذكرى 24 لإسقاط الرحلة الجوية الإيرانية 655
في الثالث من يوليو عام 1988 أطلقت المدمرة الأمريكية فينسين “USS Vincennes” صاروخين أرض جو على طائرة اعتقدت خطأ أنها المقاتلة الإيرانية إف-14 تحلق فوق الخليج الفارسي، لكنها في الحقيقة كانت رحلة جوية إيرانية رقم 655؛ طائرة مدنية تحلق بالقرب من مطار بندر عباس الدولي متجهة إلى دبي، وقد قتل جميع المسافرين في الرحلة – عددهم 290 -، بالإضافة إلى طاقم الطائرة.
وقع هذا الحادث في وقت كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران متوترة بسبب دعم أمريكا للعراق في حربها مع طهران، وبالرغم من طبيعة الحادث المأساوية، لم تقدم واشنطن سوى القليل من الندم، وكان جورج بوش نائب الرئيس في ذلك الوقت قد قال “لن أعتذر أبدًا عن الولايات المتحدة، ولا تهمني الحقائق” (رغم أنه لم يشر بشكل مباشر إلى الطائرة الإيرانية 655).
في عام 1996 أعرب الرئيس بيل كلينتون عن أسفه تجاه الحادث، وقامت الولايات المتحدة بدفع مبلغ 131.8 مليون دولار كتعويض للحكومة الإيرانية، ودفعت حوالي 61.8 مليون دولار لأسر القتلى، لكنها لم تقدم أبدًا أي اعتذار رسمي أو اعتراف بالخطأ.
عن أي شيء اعتذرت الولايات المتحدة إذن؟
بالنظر في تلك القائمة القصيرة (والتفكير في أحداث أخرى فاتتنا) فيبدو منطقيًا أن نتساءل: متى اعتذرت أمريكا بالفعل عن أحداث خارجية؟
هناك القليل من الأمثلة الواضحة؛ في عام 2010 اعتذرت الولايات المتحدة عن إجراء تجارب أمريكية على سكان غواتيمالا عام 1940، وفي عام 1993 اعتذرت عن دورها في الإطاحة بالنظام الملكي في هاواي عام 1893، وبالرغم من أن واشنطن لا تميل للاعتذار بسهولة عن حوادث تمت على نطاق صغير، إلا أن أوباما اعتذر عام 2012 بغزارة عن تورط جنود أمريكيين في حرق نسخ للقرآن الكريم في أفغانستان عام 2012.
لكن بشكل عام دائمًا ما يكون الاعتذار هو الاستثناء وعدم الاعتذار هو القاعدة، والمنطق هنا ليس أخلاقيًا لكنه سياسيًا إلى حدٍ ما، والاعتذار دائمًا ما يكون مثيرًا للجدل من جانب المعتذر، كما أوضحت ليند، والذي يعني أن الاعتذار قد يكون فاترًا أو غير جاد، وفي المقابل فالمواطنون في البلد المتلقي للاعتذار لا يقبلوه غالبًا؛ مما يسبب صداعًا سياسيًا، وهناك الكثير من النقاشات أيضًا حول ما يشكله الاعتذار الرسمي في الواقع، ومدى تأثيره على دعاوى التعويضات القانونية.
وفي النهاية فالعديد من البلدان – ومن ضمنها الولايات المتحدة – تميل إلى تجنُب الاعتذار، معتقدين أن من الأفضل أن نترك الماضي مدفونًا.
المصدر: واشنطون بوست