أبناء وبنات حركة النهضة
إخواني الأكارم أخواتي الفضليات
أجرت حركتكم مؤتمرها العاشر الذي سيمثل منعرجا حاسما في تاريخها وتاريخ المنتظم الحزبي في أول ديموقراطية عربية ناشئة وبهذه المناسبة اسمحوا لي بتجلية النقاط التالية:
1/ من كل القضايا المطروحة على مؤتمركم يركز الخطاب الإعلامي والسياسي على ما أسماه الفصل بين السياسي والدعوي في الحركة وقد تسبب غموض العبارة في سوء فهم لدى أبناء الحركة وجمهورها فتصورها البعض تحولا لحركة النهضة من حركة إسلامية إلى حركة لائكية كما تصوره البعض انقساما تنظيميا بين الدعاة والسياسيين وانقسام النهضة إلى حركتين وظنه البعض الآخر توزيع أدوار بين شقين متواطئين واحد سيتولى السيطرة على العمل المدني والآخر على العمل السياسي من اجل إعادة إنتاج النظام الشمولي..
والحقيقة أن حركتنا في أي مرحلة من تاريخها لم تتوفر لها مثل هذه الفرصة لمراجعة مسيرتها وتقييم كسبها والنظر في سياساتها والاستماع إلى مشاغل شعبها وانتظاراته..
كانت تفعل ذلك دائما ولكن تفعله في ظروف العمل السري وإكراهات القمع السياسي.. بما جعل خياراتها استجابة لتلك الإكراهات وتحقيقا لغريزة البقاء واستجماعا لشروط المقاومة أكثر منها خيارات بناءة قاصدة هادئة..
منذ أن أطلق علينا عالم الاجتماع التونسي تسمية “الإسلام الاحتجاجي بتونس” التي وقعت في آذاننا إيجابيا وقد كنا شبابا متحمسا متأثرا بأجواء الثمانيات التي تصاعدت فيها الحركات الثورية فتحولت التسمية سجنا لنا فانعكست في سلوكنا توترا مع الدولة التي وفرت بديكتاتوريتها وتدخلها السافر في مسالة الهوية التربة الصالحة للمواجهات المتواصلة التي بلغت أوجها في بداية التسعينيات حملة استئصال شاملة ضد النهضة انعكست سلبا على استقرار البلاد ووضعية الحريات والدين والأخلاق والتعليم والثقافة.
في بداية التسعينيات ومع توسع المواجهة بين الحركات الإسلامية والأنظمة المتسلطة في المنطقة أطلقت الأكاديميا الغربية على الظاهرة مسمى “الإسلام السياسي” ذلك المصطلح الذي لقي ارتياحا في نفوس من أطلق عليهم ليتحول مرة أخرى إلى سجن جديد يجعل من الإسلام أداة للصراع السياسي والتنازع بين الدولة وقطاع من المجتمع وينزع عنه صفة المرجعية الجامعة..
النهضة تتهيأ اليوم للخروج من سجن المصطلحات إلى ساحة الوطن الرحبة لتعيد ترتيب أولوياتها بما يناسب أولويات شعبها ولتستجيب لحاجات الدولة التونسية وتندرج في معاركها ضد الفقر والبطالة والإرهاب والجريمة المنظمة والانهيار الأخلاقي وتدهور المنظومة التربوية واختلال ميزان التنمية وضعف آليات الرقابة ومقاومة الفساد.
هذا ما نعنيه بالتخصص في الشأن السياسي الذي هو الشأن العام ولنمنح لبقية المناشط الفرصة لتعود إلى حاضنتها الطبيعية جزءا من المجتمع المدني…
2/ تدخل حركتكم مؤتمرها وقياداتها موحدة حول الخط السياسي المبني على التوافق وتقديم المصلحة الوطنية العليا على المصلحة الحزبية والوحدة على الانقسام والمشترك على الخاص.
وما ترونه أحيانا من تصاعد اللهجة بين القيادات هو من قبيل التدافع والحماس الذي يسبق المناسبات الانتخابية في كل المؤسسات والأحزاب الفرق أن الأحزاب المتقدمة قد نجحت في إدارة هذا التنافس في إطار مؤسسات وقوانين ونحن مازلنا نتطلع إلى ذلك.. في انتظار ذلك يجب أن نصبر على المبالغات وحتى الاتهامات التي في العادة ينال دعاة الإصلاح منها النصيب الأوفر..
النخبة موحدة حول الخيارات الكبرى متنافسة على المواقع للتأثير والفعل وليس للاستفادة المادية والشخصية.
قد يختلف البعض مع قائد الحركة ومحرك العملية الإصلاحية والتطويرية الشيخ راشد الغنوشي ولكن قطعا ليس هناك خلاف يذكر حوله ولا حول قيادته.
3/ رهان المؤتمر العاشر ليس تحويل النهضة من حركة إسلامية إلى حركة علمانية كما يروج البعض فهذه المسميات ليس لها معنى في نظام ديموقراطي المنافسة فيه على حل مشاكل المواطنين حيث ليس هناك تنمية إسلامية وتنمية علمانية وليس هناك عدل إسلامي وعدل علماني ومحاربة فقر إسلامية وعلمانية..
الرهان الحقيقي هو تحويل المبادئ العليا للإسلام إلى برامج عملية وحلول للناس.. لا يحب الناس من يزايد عليهم في عقيدتهم ولا في عبادتهم ولكن يحبون أن يتمثل السياسي في سلوكه مكارم الأخلاق فلا يكذب ولا يخون ولا يسرق ولا يتكاسل ولا يؤثر ولا يبذر ولا يتكبر ولا يخادع..
4/ رهان المؤتمر العاشر أيضا هو تعميق الديموقراطية الحزبية وتوسيع الممارسة الانتخابية وتقوية المؤسسة الشورية وأجهزة الرقابة الحزبية إلى جانب فتح المجال أمام القيادة لتنفيذ برنامج الحزب في أفضل الظروف… أيضا تنمية الرصيد التاريخي المناضل وتأهيله من خلال ما سيستحدث من مؤسسات دراسية وتدريبية وكذلك من خلال فتح أبواب الحزب للطاقات الشابة والمتجددة لتجد مكانها وتأخذ فرصتها في خدمة بلادها..
5/ رهان المؤتمر العاشر هو إيلاء الشباب المكانة المتقدمة في إدارة الحزب وتسييره مع ما يستوجبه ذلك من إبداع الأشكال المتطورة لاستقطابهم وتأطيرهم وضمان المساواة في الفرص.. كما أن من رهاناته مصالحة الحزب مع النساء بعد أن ساهمت ملابسات السنوات الخمس الماضية والاضطرابات في المفاهيم والتصريحات وكذلك الدعاية السوداء المركزة في إحداث سوء تفاهم على المؤتمر أن يصدر السياسات والخطوط الكبرى لتجاوزه..
6/ أما عن الذين يتحدثون عن التخلي عن المرجعية الإسلامية فنقول لهم أن الإسلام ليس ملكا لحزب أو جماعة
الإسلام هو مرجعية الدولة التونسية وهي المستأمنة عليه والشعب التونسي هو خزان الإسلام العظيم فكل حزب او شخص يقترب من الإسلام بقدر ما يقترب من الدولة ويخدمها ويقترب من الشعب تلبية لحاجاته ومشاركا في معاركه ضد الفقر والإرهاب والبطالة والتخلف..
المصدر: عربي 21