الاكتساح مستمر
مع تأهّل قطبي العاصمة الإسبانيّة مدريد إلى نهائي دوري أبطال أوروبا (الشامبيونز ليغ)، الذي سيجري في مدينة ميلانو الإيطاليّة يوم السبت القادم، ومع إحراز نادي اشبيلية الإسباني لقب بطولة الدوري الأوروبيّ (اليوروبا ليغ) للمرّة الثالثة على التّوالي، بعد فوزه الكبير على ليفربول الإنجليزي في النهائي الذي جرى في بازل قبل أيام، تستمرّ الأندية الإسبانيّة في تكريس هيمنتها على الكرة الأوروبيّة، والتي تعزّزت بشكلٍ واضحٍ خلال المواسم ال10 الماضية.
فما هي المظاهر والمواطن التي تجلّت فيها تلك الهيمنة؟ وما هي الأسباب الاقتصاديّة والرياضيّة التي تضافرت لتمنح أندية المملكة الإسبانيّة تاج أوروبا والعالم؟ لنقرأ فيما يلي:
مظاهر الهيمنة الإسبانيّة
تجلّت مظاهر الهيمنة الإسبانيّة على الكرة الأوروبيّة في المواطن التالية:
1- دوري أبطال أوروبا
من تتويج ريال مدريد وبرشلونة بدوري الأبطال في الموسمين الماضيين
تتصدّر الأندية الإسبانيّة السجل التاريخي لأمجد البطولات الأوروبيّة، من خلال إحرازها ألقاب 15 من النسخ ال60 السابقة للبطولة، بواقع 10 ألقابٍ لريال مدريد و5 لبرشلونة، علمًا بأن العدد سيرتفع إلى 16 مساء السبت القادم من خلال نهائي النسخة الحالية، لتبتعد أندية الليغا بفارق 4 ألقابٍ عن نظيرتها الإيطاليّة والإنجليزيّة التي تمتلك 12 لقبًا في رصيد كلٍّ منها، كما تتساوى الأندية الإسبانيّة مع نظيرتها الإيطاليّة في صدارة عدد مرّات بلوغ المباراة النهائيّة للبطولة برصيد 27 مرّة، علمًا بأن النهائي القادم بين ريال وأتلتيكو مدريد سيحمل الرقم 3 بين طرفين إسبانيين، بعد نهائي عام 2014 الذي جمع ذات الناديين، ونهائي عام 2000 الذي جمع النادي الملكي بفالنسيا.
ويظهر الاكتساح الإسباني جليًّا في المواسم ال10 الأخيرة من المسابقة، حيث حققت أندية الليغا خلالها 6 ألقاب، عبر برشلونة الذي أحرز بمفرده 4 ألقابٍ أعوام: 2006، 2009، 2011، و2015، وريال مدريد عام 2014، فيما لايزال اللقب السادس حائرًا بين الملكي وابن مدينته الأتلتيكو، الذي بلغ بدوره نهائي عام 2014 للمرّة الثانية في تاريخه بعد عام 1974، كما دأب اثنان من أقطاب إسبانيا ال3 على الظهور في نصف نهائي المسابقة خلال المواسم ال6 الأخيرة، بواقع 6 مرّاتٍ على التّوالي لريال مدريد، و4 لبرشلونة، ومرّتين لأتلتيكو مدريد.
وحتّى أندية الليغا الصغيرة كفياريال ومالقا كان لها نصيبٌ من التألّق الإسبانيّ، فقد بلغ الأوّل نصف نهائي المسابقة عام 2006، وربع نهائي عام 2009، فيما بلغ الثاني ربع نهائي المسابقة عام 2013، ليعيدا إلى الأذهان تألّق ناديي فالنسيا وديبورتيفو لاكورونيا مطلع الألفيّة، حيث بلغ الأوّل نهائي المسابقة مرّتين على التوالي عاميّ 2000 و2001، فيما بلغ الثاني نصف النهائي عام 2004، وربع النهائي عاميّ 2001 و2002.
2- الدوري الأوروبي وكأس السوبر
تتويج إشبيلية ببطولة الدوري الأوروبّي قبل أيّام
بفوزه على ليفربول قبل أيّام، رفع نادي إشبيلية الأندلسي عدد مرّات فوز الأندية الإسبانيّة بلقب بطولة الدّوري الأوروبيّ (اليوروبا ليغ) إلى 10، لتتفوّق تاريخيًّا على نظيرتها الإيطاليّة التي تمتلك 9 ألقابٍ في سجلاتها، والإنجليزيّة التي تمتلك 7 ألقاب، علمًا بأنّ 5 من الألقاب الإسبانيّة جاءت عبر النادي الأندلسي خلال السنوات ال10 الأخيرة، وذلك أعوام: 2006، 2007، 2014، 2015، و2016، فيما أحرز أتلتيكو مدريد لقب المسابقة عاميّ 2010 و2012، وريال مدريد عاميّ 1985 و1986، وفالنسيا لقب عام 2004.
كما تتساوى الأندية الإسبانيّة مع نظيرتها الإيطاليّة في صدارة عدد مرّات بلوغ نهائي اليوروبا ليغ برصيد 15 مرّة لكلٍّ منهما، علمًا بأن أتلتيك بلباو بلغ نهائي المسابقة عاميّ 1977 و2012، وكذلك فعل إسبانيول عاميّ 1988 و2007، فيما بلغ ألافيس نهائي عام 2001.
أمّا على صعيد كأس السوبر الأوروبيّ التي تُقام سنويًّا بين بطلي الشامبيونز ليغ واليوروبا ليغ، فقد ذهبت إلى الأندية الإسبانيّة في 7 من السنوات ال10 الأخيرة، عبر برشلونة أعوام 2009، 2011، و2015، وأتلتيكو مدريد عاميّ 2010 و2012، وريال مدريد عام 2014، وإشبيلية عام 2006، لتنفرد أندية الليغا بصدارة السجل التاريخيّ لأبطال كأس السوبر برصيد 12 مرّة، مقابل 9 مرّات للأندية الإيطاليّة، و7 للأندية الإنجليزيّة.
3- الجوائز الفرديّة للاعبين
ليو ميسي حاملًا جائزة الكرة الذهبيّة لعام 2015
المظهر الثالث والأخير من مظاهر هيمنة الأندية الإسبانيّة على الكرة الأوروبيّة والعالميّة يتّضح من خلال الجوائز الفرديّة الخاصّة باللاعبين، فإذا استعرضنا سجل الكرة الذهبيّة لأفضل لاعبٍ في العالم خلال السنوات ال10 الماضية، نجد أن لاعبي الأندية الإسبانية ظفروا بها 8 مرّات، منها 5 عبر أسطورة برشلونة الحيّة ليو ميسي أعوام: 2009، 2010، 2011، 2012، و2015، ومرّتين عبر نجم ريال مدريد كريستيانو رونالدو عاميّ 2013 و2014، ومرّةً واحدةً عبر مدافع ريال مدريد فابيو كانافارو عام 2006، علمًا بأن الجائزة ذهبت عام 2007 لنجم ميلان ريكاردو كاكا الذي أصبح لاعبًا في ريال مدريد بعدها بعامين، فيما أحرز كريستيانو رونالدو الجائزة عام 2008 عندما كان لاعبًا في صفوف مانشستر يونايتد، قبيل عامٍ واحدٍ من انتقاله للنادي الملكي.
والأمر ذاته ينطبق على جائزة الحذاء الذهبي، التي تُمنح لأفضل هدّافي الدوريّات الأوروبيّة، فقد سيطر نجوم الليغا الإسبانيّة على الجائزة خلال المواسم ال7 الأخيرة، بدءًا بدييغو فورلان لاعب أتلتيكو مدريد عام 2009، ومرورًا بليو ميسي أعوام: 2010، 2012، و2013، وكريستيانو رونالدو أعوام: 2011، 2014، و2015، وانتهاءً بنجم البارسا لويس سواريز الذي أحرز الجائزة الموسم الحالي بتسجيله 40 هدفًا في الليغا.
أسباب الهيمنة
تُقسم أسباب الهيمنة الإسبانيّة على الكرة الأوروبيّة إلى جانبين: اقتصاديّ ورياضيّ، سنناقش كلًّا منهما على حدة:
1- الأسباب الاقتصاديّة
مخطّطٌ تفصيليٌّ من موقع فوربس لأغنى أندية العالم لعام 2016
- أغنى ناديين في العالم
للعام الثالث على التّوالي، تصدّر ناديا ريال مدريد وبرشلونة ترتيب قائمة مجلّة فوربس الاقتصاديّة العالميّة لأغنى أندية كرة القدم في العالم من حيث القيمة السّوقيّة، كما تقاسم الناديان صدارة قائمة العائدات السنويّة الرئيسيّة، فكان برشلونة هو المستفيد الأكبر عالميًّا من عائدات البث التلفزيوني بمبلغ (192 مليون دولار)، فيما سجّل ريال مدريد الرقم الأعلى عالميًّا من عمليّة بيع القمصان والتجهيزات الرياضية بريعٍ قدره (220 مليون دولار)، وهذه الأرقام تعطينا فكرةً عن القدرات والإمكانيات الماليّة الهائلة التي يمتلكها عملاقا إسبانيا، والتي تخوّلهما استقطاب أفضل نجوم الكرة العالميّة، مع الحفاظ على كبار نجومهما من أصحاب الرواتب الضخمة، ممّا يكفل لهما الاستمرار في المنافسة على أعلى المستويات لتحقيق الألقاب.
- الإدارة الذكية
استطاعت أنديةٌ كأتلتيكو مدريد وإشبيلية، تعويض نقص الجانب الاقتصاديّ والماليّ لديها عبر الإدارة الذكيّة للصفقات، فاستطاعت أن تحافظ على تألّقها القارّي رغم بيع أفضل لاعبيها، وذلك بفضل مدرائها الرياضيين، الذين يؤمّنون أفضل صفقات الانتقال بأقلّ التكاليف، ولنا المثال في صفقات: غريزمان، غاميرو، كاراسكو، كريشوفياك، خوسيه خيمينيز، عادل رامي، وغيرهم.
- الأولويّات
من المعلوم أن الدوري الانجليزي يتفوق بأرباحه من عائدات البث التلفزيوني والجزائز المالية على بقية الدوريات الأوروبيّة، ومنها الدّوري الإسباني، الذي تذهب جلّ عائداته إلى القطبين برشلونة وريال مدريد، هذا الأمر يجعل من البطولات الأوروبيّة أولويّةً كبرى لدى بقيّة الأندية الإسبانيّة ولو على حساب الدّوري المحلّي، بعكس الأندية الإنجليزيّة التي يمثّل الدوري المحلّي قمّة الأولويّات لدى معظمها، ويمكن أن نلاحظ ذلك جليًّا في بطولة اليوروبا ليغ بالأخص، حيث تخوض كثيرٌ من الأندية الإنجليزيّة البطولة بلاعبي الصفّ الثاني!
- الأكاديميات
تتميّز الأندية الإسبانيّة بامتلاك معظمها مدارس وأكاديميّاتٍ لتخريج نجوم الكرة، ومن شأن تلك الأكاديميّات أن توفّر بديلًا ممتازًا عن إنفاق عشرات الملايين مقابل شراء اللاعبين، كما تفعل معظم أندية الدّوري الإنجليزي حاليًّا، ويكفي أن نعرّف أن نجومًا بحجم: ميسي، إنييستا، بوسكيتس، وقبلهم تشافي وبويول، لم تتكلف إدارة نادي برشلونة بدفع دولارٍ واحدٍ لاستقدامهم، نظرًا لكونهم من خريجي أكاديميته الشهيرة (لاماسيا)!
2- الأسباب الرياضيّة
شعار أندية الليغا الإسبانيّة
- برشلونة وريال مدريد
إضافةً إلى إنجازاتهما الذاتيّة التي تمثّل معظم الإنجازات الإسبانيّة الأوروبيّة الكبرى، فإن وجود عملاقين كبرشلونة وريال مدريد في الليغا الإسبانيّة، يمنح بقية أنديتها خبرة مواجهة الكبار، ففرقٌ كأتلتيكو مدريد، إشبيلية، فالنسيا وفيا ريال، لم تعد ترتعد خوفًا لدى مواجهتها فرقًا كبايرن ميونيخ، يوفنتوس، أرسنال وليفربول، طالما أصبحت تتمتّع برصيدٍ كافٍ من خبرة المواعيد الكبرى، التي تكفل لها اللعب تحت الضغط في مواجهة كبار النجوم.
- تنوّع أساليب اللعب
فيما تعتمد جلّ أندية الدّوري الإنجليزي على السّرعة والقوّة البدنيّة، ونظيرتها الإيطاليّة على التكتيكات الدّفاعيّة والهجمات المرتدّة، والألمانيّة على الاستحواذ واللعب الهجوميّ المفتوح، تتنوّع أساليب لعب الأنديّة الإسبانيّة بين جميع تلك الطرق، فتجد الاستحواذ والتمريرات القصيرة (التيكي تاكا) لدى برشلونة، وسرعة اللعب والهجمات المرتدّة لدى ريال مدريد وفياريال، والتكتيك الدّفاعي واللعب البدني لدى أتلتيكو مدريد، واللعب الهجومي المفتوح لدى إشبيلية، ممّا يعطي الأندية الإسبانيّة مرونةً كبيرةً تسهّل عليها مواجهة جميع أساليب اللعب في القارة الأوروبيّة مهما تنوّعت.
- عمق التشكيلات
بفضل الكمّ الهائل من المواهب الكرويّة التي تنتجها إسبانيا من جهة، ونتيجة امتلاكها عددًا كبيرًا من المدارس والأكاديميّات التي تُعنى بصقل تلك المواهب من جهةٍ أخرى، أصبح لدى معظم الأندية الإسبانيّة زادٌ بشريٌّ ممتازٌ من لاعبي الكرة الشّبّان، ممّا منح تلك الأندية عمقًا كبيرًا في تشكيلاتها، مكّنها من التوفيق بين مشاركاتها المحلّيّة والأوروبيّة، دون الخوف من هاجس التعب والإصابات، فالبدلاء موجودون، وجاهزون للتعويض.
- الثقافة الإسبانية
تمثّل الثقافة الإسبانيّة عمومًا، وثقافة كرة القدم خصوصًا، عامل جذبٍ هامٍّ وأساسيٍّ لأبناء أمريكا اللاتينيّة أصحاب المواهب الفطريّة، فلاعبون كميسي، نيمار، لويس سواريز، داني ألفيش، مارسيلو، فيليبي لويس، بانيغا وغيرهم، لا يمكن أن يجدوا بيئةً فنّيّةً أفضل من الدّوري الإسبانيّ لإبراز مواهبهم ومهاراتهم الفطريّة، فضلًا عن عامل اللغة والثقافة المتقاربة، والذي يمنحهم السكينة والثقة والاستمراريّة اللازمة لقيادة أنديتهم على المستوى القارّي.