لفت نظري بشدة خبرا نُشر على موقع سي إن إن العربية مساء أمس، كان عنوانه: “بلاي بوي، ستة عقود من الترفيه الإباحي”
الخبر المقتضب على سي إن إن كان يتحدث باقتضاب عن المحطات الهامة في تاريخ المجلة الإباحية الأشهر في العالم، وبمجرد أن قرأته، استعدت فورا تعليقات الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله وبعض اليساريين من مفكري مدرسة فرانكفورت (هربرت ماركوز تحديدا) عن الجنس في الفلسفة الغربية وكيف تحول الجنس إلى آداة لها وظيفة استهلاكية للغاية.
الكثير من أسئلة الفلاسفة تدور حول المجتمع الفاضل، وبحسب تعريف بعضهم فإن المجتمع الفاضل هو الذي لا يستغل الإنسان فيه أخيه الإنسان، رؤية يسارية للغاية، تتفق أيضا مع ما يقوله فرويد من أنه إذا أردنا للحضارة أن تستمر، فإن إرجاء الإشباع وممارسة قدر من الكبت وقمع الغرائز بشكل محدود هو أمر أساسي لتحقيق ذلك.
ما تفعله بلاي بوي وفلسفتها باختصار أنها ترسخ فكرة الإنسان ذي البعد الواحد، الإنسان الذي تم احتواء رعباته وتطلعاته ولم يعد يرى هدفا لحياته سوى الاستهلاك والإنتاج والاختيار بين السلع المختلفة، هذا تحديدا هو ما تفعله بلاي بوي.
فصناعة اللذة (واللفظ مقزز بالنسبة لي شخصيا) تقوم علي أساس ترشيد أحلام الإنسان الجنسية واستيعابها داخل إطار النظام القائم، لكنها تفرغ مبدأ اللذة من محتواه “الثوري” وتحتويه تماما.
هذه الصناعة -والكلام للمسيري- تطرح إمكانية الإشباع الكامل من خلال عالم الخدمات المختلفة مثل السياحة والنوادي الليلية وأحلام الإباحية. أي أن كل شيء يتم تدجينه، وضمن ذلك الرغبة الجنسية نفسها.
وإذا ما تبعنا تلك النظرة الاستهلاكية، فإننا يمكننا أن نقول أن السعادة ستتحقق مع إشباعها، لكن الحقيقة أن الأمر خلاف ذلك تماما، فالمبدأ الأداتي (الوظيفي) الذي تُبنى عليه بلاي بوي ومثيلاتها من المواقع الإباحية أو الملاهي الليلية يعتمد أساسا على خلق رغبات غير ضرورية (زائفة) لإشباع الرغبات الضرورية (الحقيقية). الجنس أساسي في حياة البشر، لكن إشباعه لا يمكن أن يتم بتلك الطريقة.
وبالنظر للحالة التي يكون عليها الجنس في الغرب والولايات المتحدة خاصة نجد أن هذه الصورة النمطية غير صحيحة؛ فهناك إقبال نَهِم على الجنس، وانشغال متطرف به؛ بل مرضي أحياناً؛ فعلى الرغم من وجود مجال إشباع مذهل، إلا أنه يقابله حالات اغتصاب مهولة على سبيل المثال!
إن تحويل الجنس إلى حالة من الممارسة المنفصلة عن العاطفة، لن يؤدي إلا إلى زيادة الرغبة (آلحقيقية الممثلة في ممارسة الجنس)، والتي سيرتبط إشباعها بإشباع حاجة غير حقيقية (زائفة ممثلة في الاعتماد أكثر على المحتوى الإباحي المعروض) وهذا سيؤدي بالنهاية إلى نتائج عديدة ليس أولها الإحباط العام وليس آخرها التفكك الأسري.
الوصول إلى ذلك المجتمع الفاضل، الذي يسعى إليه الفلاسفة على اختلاف مشاربهم يعني البحث الدائم عن الإشباع عن طريق الموازنة بين العقل والحس، والسعادة والحرية في مجتمع خال من القمع. القمع هنا لا يعني القمع السياسي أو الاجتماعي، لكنه القمع الذي تولده الوفرة (غير الحقيقية) للمنتجات (العارضات في حالة بلاي بوي) التي من الممكن رؤيتها على صفحات المجلة، مع غياب القدرة على الإشباع الحقيقي.