فرنسا سادس أكبر اقتصاد في العالم وثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا يبلع ناتجها المحلي الإجمالي نحو 2.48 ترليون دولار، إلا أن هذا الاقتصاد الترليوني يعاني من بطالة مرتفعة وانخفاض في معدل النمو وتدني معدل تدفق الاستثمارات الجديدة وتراجع الإنتاج الصناعي، ويرجع خبراء الاقتصاد هذه المشاكل لقانون العمل الذي يفتقر للمرونة.
لماذا تعلن النقابات العمالية الإضرابات؟
حاولت الحكومات الفنرسية المتعاقبة إصلاح قانون العمل أو إدخال تحسينات عليه ولكن دون جدوى إذ تجد اعتراضًا من قبل نقابات العمال ومعارضي إصلاح القانون، فالحكومة تُرجع أزمة التوظيف الحادة في الاقتصاد الفرنسي إلى قوانين العمل غير المرنة بالنسبة لأصحاب الشركات وبسببها تعد معدلات التوظيف في فرنسا الأدنى بين دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. كما أن المفوضية الأوروبية وخبراءها الاقتصاديين أوصوا بإصلاح قانون العمل الفرنسي لما سيعود بالنفع على الاقتصاد الفرنسي وإنعاشه وتنشيط الاستثمارات الأجنبية فيه.
وبحسب البيانات الصادرة من المفوضية الأوروبية يبلغ معدل البطالة في فرنسا 10.5% في حين ينخفض معدل النمو إلى 1% بسبب تناقص معدل الاستثمارات الجديدة في الاقتصاد.
نقابات العمال ترى أن إصلاح القانون الذي تقترحه الحكومات يسلب العمال من حقوقهم في الدفاع عن وظائفهم من خلال إعطاء الشركات الحق في فصل الموظف أو العامل دون تكبد أي خسارة مالية أو قانونية.
فرانسوا هولاند يجيز إصلاح القانون، فماذا حدث؟
الرئيس فرانسوا هولاند أجاز إصلاحات في قانون العمل دون موافقة البرلمان ما اعتبرته النقابات الفرنسية أنه يرقى إلى مستوى مرسوم رئاسي وانتهاكًا صارخًا للديمقراطية في البلاد، كما ترى فيه إجهازًا على مكتسبات العمال وانحيازًا للشركات وأرباب العمل، فدخلت نقابة الاتحاد العام للعمال ومعها عدة نقابات أخرى في مواجه مباشرة مع الحكومة.
فقررت النقابات خوض إضراب مفتوح في ثمانية معامل لتصفية البترول وأقدم مناصروها على إغلاق منافذ مخازن الوقود منذ 17 الشهر الجاري كما صوتت نقابات في 16 محطة نووية لتوليد الكهرباء على الإضراب العام.
وعمدت سبع نقابات يتزعمها الاتحاد العام للعمال ومعارضين لقانون العمل دعت إلى إضراب مفتوح وعام في وسائل النقل والمواصلات مع إغلاق مداخل مصافي البترول ومحطات توليد الكهرباء ومظاهرات في غالبية المدن الفرنسية.
إذن ومنذ أكثر من أسبوع بدأت النقابات العمالية تستخدم كافة الأساليب المتاحة لثني الحكومة عن تطبيق الإصلاح في قانون العمل، من خلال استخدام سلاحي الوقود والكهرباء، وإغلاق المعابر من 8 مصاف من المصافي الكبرى في فرنسا البالغ عددها 17 ومنع مرور شاحنات الوقود إلى محطات الوقود في المدن الكبرى كباريس.
وأدى توقف 3 مصاف من مصافي توتال إلى نقص في البترول حيث قل الوقود في 820 محطة من إجمالي عدد محطات الوقود في فرنسا البالغ عددها 11500 محطة كما أن 800 محطة أخرى نفذ منها نوع واحد أو نوعان من الوقود. وقالت شركة توتال إن 612 من محطاتها تعاني من نقص كلي أو جزئي للوقود حيث أغلقت الإضرابات اثنين من مخازن الوقود التسعة في فرنسا التي تملكها.
رد فعل الحكومة
الحكومة عمدت إلى تدابير سريعة لمنع حصول شلل في الاقتصاد من بينها اللجوء إلى الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لتزويد محطات الوقود بالمحروقات واستعمال القوة لفض الاعتصامات في مداخل المصافي النفطية ومستودعات الوقود.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في كلمة له في البرلمان الفرنسي إن “الاتحاد العام للعمال ليس هو من يفرض القانون في فرنسا” وشدد على عدم التراجع عن قانون العمل. ورد عليه الأمين العام للاتحاد فليب مارتينيز بالدعوة إلى “تعميم الإضراب” ليشمل كافة المرافق الاقتصادية والمؤسسات العامة.
مصرف أودو آند سي الاستثماري الفرنسي أصدر تقريرًا جاء فيه أن الاقتصاد الفرنسي من غير الممكن إصلاحه في ظل حكومة هولاند الحالية لأنها لا تملك الشعبية التي تمكنها من إقناع الجماهير بأهمية إصلاح سوق العمل لضمان نمو وازدهار الاقتصاد الفرنسي، وبحسب التقرير فإن إصلاح الاقتصاد الفرنسي يجب أن يمر عبر ثلاثة عناصر لا تملكها الحكومة الفرنسية الحالية وهي؛ التفويض الشعبي، والأغلبية البرلمانية، ورؤية طويلة الأجل للاقتصاد تستطيع الحكومة من خلال طرحها إقناع الشارع بضرورة دعم إصلاح قانون العمل.