رغم أنني لم أفهم كثيرًا كلامها بلهجتها العراقية، إلا أن ما عرفته مما كانت تحكيه وهي تبكي أمر البكاء، وتذرف الدمع السخين، كان وحده كافيًا لأن يجعلني أشعر بالتعاسة مثلها وأن أبكي لبكائها، وأن أتألم في الوقت ذاته لما يعانيه أهلنا في الفلوجة ذات المساجد الخمسمائة والخمسين التي ترفع النداء في ميقاته المكتوب، أن أتألم لما يعانوه من المعيشة الضنك بسبب الحصار الذي فرض عليهم ثمانية أشهر، إلى الحد الذي بات فيه يأكل الناس الخبز المصنوع من نوى التمر، وأن تكون حياتهم كلها ضربًا من الفقر والعوز وانعدام الأمن والموت اليومي نتيجة قصف طائرات التحالف والطيران العراقي نفسه.
وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم الإثنين الماضي، موعدًا لبدء عملية “كسر الإرهاب” وتحرير الفلوجة من سيطرة تنظيم الدولة الذي بات يهيمن على كل مفاصلها لمدة عامين، فإن لا أحد يعلم إن كانت تلك المرأة الفلوجية وكل الأبرياء مثلها من السنة، الذين ستزحف عليهم فرق تتشارك فيها القوات العراقية مع قوات التحالف، ومليشيات الحشد العشائري ومليشيات الحشد الشعبي، وانضمام ما يقارب السبعة عشر فصيلاً من الفصائل الشيعية، إضافة إلى قوات إيرانية مجهزة بأحدث الأسلحة، سيطولهم القصف والموت – لا قدر الله – أم يكونوا من الناجين والشاهدين على عبث إيران الشيعية.
ربما تكون بوادر الاقتتال بين المليشيات الشيعية التي حصلت بالفعل بين مليشيات سرايا السلام ومليشيات الخراساني، قرب المنطقة الخضراء ببغداد الشهر الماضي، هي التي دفعت إيران بتوحيد الصف الشيعي العراقي، ونقل الاقتتال إلى عدو واحد يتفق عليه كل الشيعة بكافة فصائلهم وهو تنظيم الدولة، مما يوحي بأن معركة كسر الإرهاب في الفلوجة هي أم المعارك التي ينبغي أن تتوحد فيها كل الفصائل، وأن يصبح أعداء الأمس إخوانًا، في محاولة سحق تنظيم الدولة، ومما يضمن لإيران – وقتها – توحد الجميع تحت راية العبادي، والذي سيكون توحدهم تحت رايته أكبر دعم معنوي لنظامه.
ومن ناحية أخرى فإن إيران بقيادة قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وبمعونة الشيطان الأكبر أمريكا وإسرائيل (لاحظ أنني استخدم الأوصاف التي تصف بها إيران نفسها أمريكا وإسرائيل، ومع هذا فهي تتعاون معهم بما يحقق كل أغراضها الخبيثة) وكافة الفصائل والمليشيات الشيعية العراقية، يعتبرون انتصارهم في الفلوجة – إن هم فعلوا – إنما هو انتصار للسياسة الإيرانية، وهي من ثم تحقق رغباتهم أو أوهامهم التي يحلمون في التمدد في المنطقة العربية، وأن القضاء على المكون العربي السني في الفلوجة والذي يمثل حاجز صد سيكون بمثابة جسر لتحقيق تلك الأحلام أو الأوهام، وأن سقوط حكومة العبادي أمام أي مكون سني سيبدد كل تلك الأحلام أو الأوهام لديهم.
ومما يجعل مهمة حيدر العبادي عصية في محاولة سحق التنظيم الذي تداعت إليه كل الفصائل الشيعية، هو وجود ما يقارب العشرة آلاف عائلة، والتي لا نفهم في الوقت ذاته كيف يتخذ تنظيم الدولة الإسلامية – هذا التنظيم الذي يتغلف بالضبابية والكتمان – بمجلس الشورى لديه وأهل الحل والعقد لديهم، هؤلاء الأبرياء دروعًا بشرية يذوقون الموت بدلاً منهم، وأن تحصدهم الطائرات المقاتلة حصدًا.
ومما يزيد مهمة العبادي عصيًا هو معرفة مقاتلي التنظيم لكافة نواحي ومخارج المدينة معرفة تامة، وهم بالتالي أقدر من غيرهم على خوض حرب عصابات، إضافة لوجود عائلاتهم بمعيتهم في المدينة، الشيء الذي يقودهم للقتال إلى آخر رمق ونفس ذودًا عن أعراضهم.
الأمريكان من جانبهم لن ينسوا – فيما أظن – صورة طياريهم وجنودهم الذين قتلوا في الفلوجة إبان الاحتلال شر مقتلة، وإلى الحد الذي تم تعليق هؤلاء الجنود على أسوار الجسور، ليكونوا عبرة لغيرهم وليتعظ من تحدثه نفسه تدنيس الفلوجة، مدينة المساجد ومدينة المقاومة، أو أن يقربها بسوء، لن ينسي المحتل الأمريكي كل ذلك وبالتالي سيقصفها – لا قدر الله – قصفًا انتقاميًا لا هوادة فيه، يموت فيه أهل هذا البلد الذي كان يقض مضاجع إسرائيل.
في ختام مقالي ورغم أنني لم أفهم كثيرًا كلامها بلهجتها العراقية إلا أنني أسأل الله أن يهلك قاسم سليماني وجنده، وأن يهلك الظالمين بالظالمين، وأن ينصر السنة وأهلها ويخرجهم من بينهم سالمين غانمين آمنين.