شهد قطاع غزة منذ المدة الفائتة وإلى الآن تقريبًا، سلسلة من الجرائم القاسية، والتي لا يمكن لأي إنسان أن يتحمل متابعة أحداثها، خاصة جرائم القتل، والتي يتم اقترافها من قِبل أشخاص، عن إصرار وترصد، وذلك من أجل السرقة أو المترتبة على أفعال منكرة، أو لأي سببٍ كان، باعتبارها أكبر خطرًا من الجرائم التي تنجم بطريق الصدفة أو بغير قصد، كما يحدث أحيانًا، وتتم معالجتها ضمن آليات أقل صعوبة.
هذه الجرائم، وبرغم أنها بعيدة عن الوصول إلى درجة (ظاهرة)، إلا أنها أصبحت تمثل قلقًا كبيرًا لمواطني القطاع بشكلٍ عام، باعتبارهم يفقدون الأمن في صحوهم ومنامهم، وفي نفس الوقت مثلت قلقًا أكبر لدى السلطة الحاكمة وهي حركة حماس، باعتبارها تقع في منطقة تحت سيطرتها وضمن مسؤولياتها.
أدانت محاكم القطاع المدنية، بعضًا من مرتكبي تلك الجرائم، وأصدرت أحكامًا نهائية بحقهم وهو الإعدام، لكن سلطة حماس، لم تقم بتنفيذ أي منها، الأمر الذي جعلها عرضة للانتقاد والاتهام، من قبل المهتمين بتنفيذها، ولاحتجاجات ذوي الضحايا تحديدًا، باعتبارها تقوم بتصفية من أدينوا بالعمالة لإسرائيل، ولا تفعل نفس الشيء بالنسبة للمجرمين الذين فتكوا بأبرياء.
وكان ذهب منهم، إلى تقديم اتهامات باتجاهها، توحي بأنها تخضع لتحذيرات أوروبية، بعدما ساعدت في إخراجها من قائمة الإرهاب أواخر 2014، وراح بعضهم إلى القول بأنها تقوم بتهريب المجرمين إلى خارج القطاع، وكانت الحركة تفلح في كل مرة في كبحهم وإحباط احتجاجاتهم.
لكن كما يبدو، فإن ازدياد وتيرة تلك الجرائم، والتي غطت أنحاء القطاع، اضطرها إلى الإعلان عن أنها بصدد تنفيذ أحكام إعدام قريبًا، فيمن صدرت بحقهم أحكامًا وافية عرفًا وقانونًا، وذلك – كما تقول – طمعًا في استتباب الأمن، وردعًا للآخرين عن القيام باقتراف جرائم أخرى، وخاصةً في ضوء براءة ذوي المجرمين منهم، ومطالبتهم بالقصاص والتعجيل به، ويقصدون الموت.
وإن كانت حماس قد لقيت ترحيبًا داخليًا ما، على ما أعلنت عنه، إلا أنها تلقت معارضة حازمة، دولية ومحلية، وهي محملة بالانتقادات والتحذيرات المختلفة والهادفة إلى إثنائها عن تنفيذ وعيدها، وكما أسرعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطرافًا دولية أخرى، التي لم يرق لها تلك الخطوة، إلى توضيح ما قد يترتب عليها من تداعيات، فإن السلطة الفلسطينية، كانت أكثر ضجيجًا ومواجهةً لها، الأمر الذي أشعل جدلًا مضافًا إلى الجدالات اليومية الصاخبة، والتي ألقت بظلالها على مسيرة المصالحة، باعتبارها تعميقًا للانقسام.
بدأ الجدل حول الصعوبة التي تقيمها هذه الخطوة، باعتبار القيام بتنفيذها يأتي بمعزلٍ عن الدستور، وضد القانون ومبدأ الفصل بين السلطات وسواء كان شكلًا أو مضمونًا، بما تعني أنها تدخل سافر في عمل الرئيس الفلسطيني “أبومازن”، الذي تفوقه الصلاحيات الممنوحة له بالتصديق على الأحكام، باعتباره شرطًا لحسم مسألة كهذه.
على أن تفوقه في هذا المجال، لا يسمح حتى بوجوب نقاشات توجب عليه التصديق في النهاية، سيما وأنه لا يفضل اللجوء إلى تنفيذ مثل هذه الأحكام، لدواعٍ سياسية داخلية، والتزامًا بأعرافٍ وقوانين دولية، والتي تقول، بأنه لا بد من توافر الشروط والضمانات القانونية الدولية المتبعة، إضافة إلى أنه ليس لديه أي اعتراف بالقضاء الحمساوي، بحجة أنه لا يتبع مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني.
وكان قد حذر مسؤولون في السلطة، من أن مضي حماس باتجاه تنفيذ أحكام الإعدام دون اتباع الأصول القانونية المرعية، يشكل جريمة بحق الإنسان الفلسطيني، والتي يحاسب عليها القانون، ما يعني أن حماس ستتحمل المسؤولية الكاملة، فيما لو قامت بتنفيذ الإعدام، دون اتباع تلك الأصول.
لطالما اعتبرت حماس تفوق “أبومازن” دائمًا، عقبة لا تستطيع اجتيازها، قبل إتمام طقوس التصديق على أحكام الإعدام الصادرة، لكنها – كما أعلنت – اضطرت إلى تضعيف ذلك التفوق، بعدما تضاعفت شكوكها بأن السلطة، تتعمد التعطيل، سعيًا منها لضرب الجبهة الداخلية للحركة، ولإثارة الفوضى داخل القطاع، وبيان أنه ليس آمنًا.
تشير حماس الآن، إلى أنها وبالإضافة إلى كثرة وثوقها بالقضاء والأحكام الصادرة عنه، وبالاستناد إلى مصادقة التشريعي الفلسطيني (البرلمان) في القطاع، على تلك الأحكام، وهو الذي تهيمن على غالبية مقاعده، فضلًا عن المطالبات المحلية والمتطورة في الميدان، تشير إلى وجود فرصة مفيدة، للمضي قدمًا نحو (الإعدام هو الحل)، باعتباره وسيلة ردع ناجعة، ومنهاجًا صائبًا ولا مثيل لها، لأي جهة تحرص على أمن واستقرار مواطنيها، وخاصة عندما يتعرضون لموجة غير مألوفة من جرائم جنائية وأعمال فساد أخرى.
بعد كل ما سبق، فإن هناك حاجة ماسة، إلى وضع حدٍ للجدل الدائر حول هذه الأزمة، إذا ما كانت كل جهة تدعي الحرص على سلامة المجتمع من التفكك والانحلال، وذلك من خلال التحرر من التمسك بالتعددية، والفحص دون عاطفة أو أهواء مصلحية، وإن كان في إطار القضاء، وبعيدًا عن القلوب المنقسمة، والتي – كما يبدو – لا تزال تتغافل عن التغييرات الكثيرة، التي حدثت وتحدث داخلنا ومن حولنا.