يقول الشيخ عمرعبيد حسنة: “لا يظنن أحد أن سيوف يهود مشهورة على حدودنا، ورماحهم مزروعة في فلسطين فقط، إنها الأشباح تطاردنا هنا وهناك، من أجلها تُشرع التشريعات، ويُعبث بالأمن، وتُصادر الحريات، وتُمارس عمليات القمع السياسي، والضنك الاقتصادي… وأن مداخل يهود تاريخيًا كانت بعض المؤسسات الحاكمة وأصحاب النفوذ في الجماعات والأحزاب، وأنهم كانوا وراء الكثير من الانقلابات والتغيرات التي رفعت الرايات الوطنية وانتهت في حقيقتها إلى مصلحتهم، ابتداءً من الانقلاب على السلطان عبد الحميد… وأنهم كانوا المستشارين لكثير من الكبراء والزعماء والمتنفذين… وفي كثير من المجتمعات يعيشون في الظل، ويحكمون في الظل، ويُؤدون دورهم في الوقت المناسب… وهم قادرون على التشكل والكمون لفترات طويلة”.
بعد توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد، وخروجها من الصراع العربي الإسرائيلي وتحولها إلى حارس لحدود الكيان الصهيوني، وعامل ضغط على حركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حماس بمعاونة السلطة الفلسطينية، وزيادة التنسيق الأمني والاستخباراتي بين القاهرة وتل أبيب، وخنق قطاع غزة بإغلاق المتنفس الوحيد له، معبر رفح الحدودي مع مصر؛ زال الخطر والتهديد عن إسرائيل في الوقت الذي غرق فيه العرب في بحور الأخطار والحروب التي أكلت الأخضر واليابس.
وبينما أُرهقت ميزانيات العرب بمشتريات السلاح على حساب الكثير من الخدمات ودعم المشاريع، كانت إسرائيل تخفض موازنة التسلح من حدود 30% من الناتج القومي الإسرائيلي إلى أقل من 10% بما منحها واقتصادها أكثر من ثلاثة عقود من النمو، والذي استفاد من صفقات توريد الغاز الطبيعي المصري بسعر أقل من سعر التكلفة العالمية، موفرًا على الاقتصاد الإسرائيلي ملايين الدولارات سنويًا.
ثم جاءت ثورات الربيع العربي كابوسًا أزعج إسرائيل وأقلق مضجعها، ولم تستطع إخفاء هذا القلق طويلًا، فسرعان ما ظهر الخوف من سقوط أصنامهم المستبدة التي هوت عليها مطارق الثوار من ميادين التحرير، والتي لم تصمد أمام ضرباتهم، فهوت ساقطة، وانكشف زيفها وعمالتها، كان منهم “كنز إسرائيل الاستراتيجي” والذي لم يكن يعرف المصريون أهميته لعدوهم قبل سقوطه، حتى فضحه بنيامين بن أليعازر وزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي، في تصريحه الشهير: “مبارك كنز استراتيجي لإسرائيل”.
ازداد قلق إسرائيل على مستقبلها بعد خلع مبارك، وتضاعف بعد وصول الرئيس مرسي للرئاسة، وأذاعت الأخبار والتقارير تَوجُّس قادتها على أمن الكيان الصهيوني، وخوفهم من دعم المقاومة الفلسطينية، وظهر هذا الهلع في مطالبة الجيش بإضافة 4.5 مليار دولار لموازنته بعد فوز مرسي، حسب صحيفة معاريف.
ولذلك لم تقف مكتوفة الأيدي متفرجة، بل أسرعت في صناعة الأزمات بُعيد سقوط مبارك، وحتى أثناء حكم الرئيس مرسي، وأخذت تُعد وريثًا لمبارك من الجيش ليكمل مشوار التطبيع، ويحمي أمنها الذى اهتز جراء زلزال الربيع العربي، فكانت سرعة التصدي لعرقلة المارد الثوري، والإعداد لانقلاب عسكري يُطيح بأول تجربة ديمقراطية، لأنها جاءت بالإسلاميين، الذين يعتبرهم الكيان الصهيوني عدوهم اللدود، وهذا ما كشفه المحلل العسكري الإسرائيلي روني دانئيل في حوار له على القناة الإسرائيلية الثانية: “أن السيسي أبلغ إسرائيل بالانقلاب العسكري قبل ثلاثة أيام من وقوعه، ودعاهم إلى ضرورة مراقبة حركة حماس خشية التدخل في الشأن المصري، وأضاف الانقلاب العسكري جيد لإسرائيل بل كان مطلبًا مُلحًا لها ولأمنها، وأن محمد البرادعي التقى نتنياهو قبل وبعد الانقلاب العسكري ووعدته إسرائيل بمساعدتهم في الاعتراف بنظام الحكم الجديد من قبل الدول الغربية.
وصرح المفكر الإسرائيلي بوعاز بسموت: “إسقاط مرسي مَثَّل نهاية الربيع العربي، وهذا يُمثل تحول استراتيجي يفوق في أهميته حرب عام 1967″، وأضاف لقد غدا عبد الفتاح السيسي في بلاد النيل (مبارك جديد)، وهذا جيد بالنسبة لنا”، وقال أودى سيغل المعلق بالقناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي: “إن نتنياهو أكثر الناس سعادة على وجه الأرض بسقوط مرسي لأن مرسي جرح كبرياءه خلال الحملة الأخيرة على غزة”.
بلغت سعادة إسرائيل مبلغًا عظيمًا لانقلاب الجيش على الرئيس مرسي، وطلبت من الأوربيين والأمريكيين أن: “ادعموا السيسي في مواجهة الإخوان، فالاستقرار أهم من حقوق الإنسان”، وكتب أرئيل كهانا في صحيفة معاريف “إن التعاون الأمني بين إسرائيل والجيش المصري لم يكن من العمق والاتساع في يوم من الأيام كما هو في هذه الأيام، وأن التعاون الأمني الذي يبديه الجيش المصري قد أسهم بالفعل في تحسين الأوضاع الأمنية في جنوب إسرائيل بشكل كبير”.
وذكر موقع ميدل إيست مونيتور أن السفير الإسرائيلي لدى القاهرة يعقوب أميتاي، أخبر وزيرًا مصريًا في الحكومة المصرية المؤقتة أن شعب إسرائيل ينظر للفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع على أنه بطل قومي.
وكتب المفكر الإسرائيلي آرييه شافيت: “إن الجنرال عبد الفتاح السيسي هو بطل إسرائيل”، وأضاف “لا يحتاج المرء أن يكون لديه عين ثاقبة بشكل خاص حتى يكتشف حجم التشجيع العميق والإعجاب الخفي الذي تكنه النخبة الإسرائيلية تجاه السيسي، الذي قام للتو بسجن الرئيس المنتخب الذي قام بتعيينه في منصبه، وفي إسرائيل لا يوجد ثمة جدل، كلنا مع السيسي، كلنا مع الانقلاب العسكري، كلنا مع الجنرالات حليقي اللحى”، وكتب دان مرغلت كبير معلقي “إسرائيل اليوم”: “سنبكي دمًا لأجيال إن سمحنا بفشل الانقلاب وعاد الإخوان للحكم”.
كان لزامًا على السيسي أن يرد الجميل للكيان الصهيوني بعد هذا الاحتفاء والترحيب والدعم الكبير له، فقام بخطوات لم يسبقه فيها أحد من قبله حتى أصبح بمثابة مجموعة من الكنوز الاستراتيجية لإسرائيل وليس كنزًا واحدًا، أو كما وصفوه بأنه هدية السماء لهم.
وأول ما بدأ به حماية حدود وأمن إسرائيل بتهجير الآلاف من أهالي سيناء من بيوتهم بأوامر عسكرية، وتفجير 880 منزلًا متاخمًا للحدود، ليقيم الجيش منطقة عازلة بشكل دائم بعمق 300 متر على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة – خمسة كيلومترات – بداية من الساحل كـمرحلة أولى، ويأتي هذا تأكيدًا لما صرح به في لقاء تلفزيوني: “لا نسمح بأن أرضنا تشكل قاعدة لتهديد جيرانها، أو منطقة خلفية لهجمات ضد إسرائيل”.
ثانيًا: إضعاف الجيش بدخوله حرب بغير عدو، والانشغال بالسياسة على حساب الجهوزية وحماية الحدود، قال الجنرال رؤفين بيدهتسور: “إن تورط الجيش المصري في السياسة على هذا النحو سيضمن استمرار تفوقنا النوعي والكاسح على العرب لسنين طويلة”.
وقال دان حالوتس رئيس أركان الجيش الأسبق لإذاعة الجيش الإسرائيلي: “أهم نتيجة لخطوات السيسي الأخيرة هي إضعاف الجيش المصري على المدى البعيد، وإسدال الستار على إمكانية تطويره”.
ثالثًا: إغراق الأنفاق مع قطاع غزة بمياه البحر المالحة، مما أضر القطاع المحاصر وأراضيه الزراعية وبنيته التحتية، وأحدث انهيارات أرضية وتشققات بمنازل الفلسطينيين، وتبين فيما بعد أنها مطالب إسرائيل، والتي كشفها وزير الطاقة الإسرائيلي: “بأن مصر أغرقت الأنفاق بين قطاع غزة وأراضيها بناء على طلب إسرائيل”.
رابعًا: تغيير المناهج الدراسية، وحذف كل ما يشير إلى الصراع العربي الإسرائيلي، أو اليهود، ومعارك المسلمين.
خامسًا: تصريحات السيسي الدافئة تجاه إسرائيل، ومقابلة وفود صهيونية على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، من هذه التصريحات كانت لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية مطالبًا فيها بتكثيف الجهود من أجل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، وإشراك مزيد من الدول العربية في عملية السلام مع إسرائيل، وعبر عن تفاؤله بإمكانية تحقيق ذلك قريبًا.
وقد أسعدت تصريحاته تلك صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية فقالت: “إنه هدية خاصة لدولة إسرائيل، وأن دعوته لإحياء السلام بين الفلسطينيين والعرب وعودة المفاوضات بشأن القضية الفلسطينية أحيت كذلك أمل إسرائيل في إنقاذها من العزلة الدولية التي كانت تهددها”.
كما صرح من أسيوط في 17 مايو الجاري: “إن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيجعل السلام القائم بين مصر وإسرائيل أكثر دفئًا، وأضاف: “أقول للإسرائيليين وهم يسمعوني وأرجو أن تسمح القيادة الإسرائيلية بإذاعة خطابي هذا في إسرائيل مرة ومرتين”.
سادسًا: تصويت مصر لصالح إسرائيل لمنحها العضوية الكاملة في لجنة “الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي” التابعة للأمم المتحدة.
سابعًا: السماح للطيران الإسرائيلي، والطائرات بدون طيار للاستطلاع فوق الأراضي المصرية، وتنفيذ ضربات جوية في سيناء.
ثامنًا: الاحتفاء بنتنياهو، عند لقائه وفد قادة تنظيمات يهودية أمريكية بالقاهرة، فقد ذكر موقع صحيفة “ميكور ريشون” اليمينية أن السيسي تودد إلى قادة التنظيمات اليهودية الأمريكية بالتعبير عن إعجابه بشخصية نتنياهو وقدراته القيادية، فقال: “نتنياهو قائد ذو قدرات قيادية عظيمة، لا تؤهله فقط لقيادة دولته وشعبه، بل هي كفيلة بأن تضمن تطور المنطقة وتقدم العالم بأسره”.
تاسعًا: أعاد السيسي الحياة إلى التواصل الدبلوماسي الرسمي عبر إعادة السفيرين المصري والإسرائيلي إلى تل أبيب والقاهرة، فقد أصدر قرارًا جمهوريًا بالحركة الدبلوماسية لسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية بالخارج، شملت الحركة ترشيح السفير حازم خيرت سفيرًا لمصر بتل أبيب، وكانت تل أبيب قد أعلنت افتتاح سفارتها في القاهرة بعد 4 سنوات من الإغلاق.
عاشرًا: تشويه صورة حركات المقاومة الفلسطينية ووسمها بالإرهاب، واتهامها بالتدخل في الشأن المصري، وخاصة حركة حماس، المتهمة أمام القضاء بعمليات قتل وتخريب في الداخل المصري ، والذي لا يوجد عليه دليل، والإعلام المصري لا يكف عن السباب والاتهام والتشويه بشكل يومي.