ترجمة وتحرير نون بوست
في الأسبوع الماضي، أوردت صحيفة الميدل إيست في تقرير لها صدور تعليمات من الراعي الإيراني لجماعة حزب الله اللبنانية بتعليق العمليات العسكرية ضد إسرائيل واستهداف المملكة العربية السعودية بدلًا من ذلك.
تمت مناقشة صحة ما جاء في التقرير، الذي نقل ما أورده عن “مصادر مطلعة لبنانية”، مطولًا على وسائل الاعلام الاجتماعية، وبجميع الأحوال الوقت سيكشف لنا ما إذا كان ذلك صحيحًا، ولكن رد فعل حزب الله غير المعهود على مقتل أحد قادته العسكريين في دمشق، مصطفى بدر الدين، يضفي المزيد من المصداقية لما جاء في التقرير.
لم يوجه حزب الله أصابع الاتهام إلى إسرائيل، التي رفضت التعليق على ما إذا كانت وراء عملية الاغتيال، رغم أن إسرائيل اغتالت، وسبق لحزب الله اتهامها باغتيال، شخصيات أخرى للحزب في سوريا، ويشمل ذلك اغتيال سمير القنطار وثمانية آخرين في ديسمبر، جهاد مغنية وخمسة آخرين في يناير من عام 2015، وعماد مغنية في عام 2008، ناهيك عن الشخصيات التي تم اغتيالها في لبنان.
بدلًا من ذلك، اتهم حزب الله “القصف المدفعي من قِبل الجماعات التكفيرية” التي تدعمها الرياض، دون تسمية مجموعة معينة، بعملية الاغتيال، كما نقلت صحيفة الميدل إيست آي في تقريرها بأن “شعارات حزب الله في جنازة بدر الدين لا تدع مجالًا للشك بأنه يحمّل المسؤولية للمملكة العربية السعودية”.
وجدير بالذكر في هذا السياق، بأن أيًا من مجموعات المعارضة السورية لم تعلن مسؤوليتها عن حادثة الاغتيال، كما أوضح تقرير الميدل إيست آي بأن “أقرب مواقع لمدفعيات المعارضة يبعد عن موقع الاغتيال حوالي 20 كم، ويشكك الكثيرون بأن القذائف التي تمتلكها المعارضة المسلحة السورية قادرة على إصابة الهدف بهذه الدقة المتناهية من تلك المسافة”.
من المرجح أن يكون التغيير الحاصل في تكتيكات حزب الله مصممًا لتبرير استهداف السعودية أو مصالح المملكة، أو قد يكون مصممًا بدلًا من ذلك لحفظ ماء وجه الحزب، لأن إلقاء اللوم على إسرائيل من شأنه أن يرفع التهديدات والتوقعات بقيام حزب الله بعملية انتقامية، وهو الأمر الذي سيتم الضغط على الحزب لتنفيذه نظرًا لعمق انخراطه في الصراع السوري.
تحمل أي عملية انتقامية لحزب الله في طياتها مخاطرًا جسيمة لمليشيا الحزب، التي استنزفت طاقاتها في سوريا، خاصة في ظل أن تلك العملية ستكون مصممة لاستهداف أحد أقوى الجيوش في العالم، وعدم إتيان الحزب بأي تحرك للانتقام من عملية الاغتيال الإسرائيلية سيعكس صورة ضعف حزب الله أمام عدوه اللدود المتصور؛ لذا يضحي من الملائم بعد ذلك إلقاء اللوم على قوات المعارضة السورية التي يحاربها الحزب بالفعل، بدلًا من اتهام إسرائيل.
أما فيما يتعلق بإيران، فمن الواضح بأن فرص تنفيذ أي ضربات جوية إسرائيلية ضدها قد انحسرت منذ إبرامها للاتفاق النووي في العام الماضي، وبالطبع، لا ينبع هذا الانحسار من سعادة إسرائيل بالوضع الراهن، بل من حقيقة أن تنفيذ أي حركة مشابهة قد يثير حفيظة حلفاء إسرائيل الأكثر أهمية والذين كانوا لاعبين أساسيين في التوصل للصفقة النووية.
وفي الوقت عينه، تستمر التوترات السعودية- الإيرانية بالاطراد والنمو، وبالمثل، يستمر التهديد الذي يشكله عناصر المعارضة السورية المسلحة بالاطراد بالتلازم مع تعميق تورط طهران لتدخلها العسكري على الأرض السورية، الأمر الذي أسفر عن ارتفاع عدد القتلى الإيرانيين ضمن سوريا، بما في ذلك كبار الشخصيات العسكرية الإيرانية.
وفقًا لما تقدم، وعلى الرغم من تهديداتهما المموجة المعتادة ضد إسرائيل، ترى إيران وحزب الله عناصر المعارضة السورية والمملكة العربية السعودية – التي تعهدت بزيادة دعمها لثوار سوريا إذا واصلت دمشق تعنتها الدبلوماسي – باعتبارهنا تهديدًا مباشرًا أكبر من إسرائيل في الوقت الحاضر.
بشكل حتمي، لن تعترف طهران أو حزب الله بهذه الحقيقة مطلقًا، لأن الاعتراف باتخاذ القرار بتحويل التركيز إلى السعودية بدلًا من إسرائيل، من شأنه أن يقوض صورة ما يسمى بـ”محور المقاومة” ضد إسرائيل، ولكن مع ذلك، فإن الاعتبارات المذكورة أعلاه تعني بأن احتمالية اتخاذ هذا القرار، على الأقل في الوقت الحاضر، ليست بعيدة المنال كما تبدو.
هذه التطورات تبرز مدى محدودية الخيارات التي يتمتع بها حزب الله تجاه إسرائيل تبعًا لتورطه في سوريا، والتي تمثل مستنقعًا عميقًا بالنسبة للجماعة بدون أي نهاية تلوح في الأفق، ومن الواضح بأن حزب الله لا يحاول تخليص نفسه من موقفه المتناهي بالسوء في سوريا، بل يقوم بعكس ذلك تمامًا.
بعد حادثة مقتل بدر الدين، التي وصفتها رويترز بأنها “إحدى أكبر الضربات لحزب الله المدعوم إيرانيًا”، تعهد زعيم الحزب، حسن نصر الله، بتعزيز تواجد حزبه في سوريا وإرسال المزيد من القادة إلى هناك، ولكن هذا التحرك يهدد بإضعاف شوكة الحزب، حيث سبق لحزب الله وأن أرسل آلاف المقاتلين إلى سوريا، كما اعترف نصر الله قبل عام من الآن بأن الحزب يقاتل في جميع أنحاء البلاد وليس فقط ضمن مناطق معينة، كما ادعى سابقًا.
إرسال المزيد من المقاتلين إلى سوريا سيسفر حتمًا عن سقوط المزيد من الضحايا؛ حيث اعترف نصر الله الأسبوع الماضي بأن حزب الله كان قد خسر “عددًا كبيرًا” من المقاتلين في سوريا، وتشير التقديرات بأن أعداد قتلاه تتراوح ما بين 1200 إلى 2000 شخصًا، من بينهم شخصيات قيادية بارزة، كما أشارت التقارير الصادرة في ديسمبر الماضي بأن عدد الإصابات ضمن صفوف الحزب تناهز الـ5000 إصابة.
لا يمكن مقارنة عدد القتلى الذي تجشمه حزب الله حتى الآن جرّاء الانخراط بالصراع السوري مع عدد قتلاه جرّاء الحرب مع إسرائيل في عام 2006، والتي تراوحت ما بين 250 شخصًا، وفقًا لما صرّح به الحزب، و 600 وفقًا لتصريحات جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ لذا، ومع غرق حزب الله المستمر والمطرد ضمن المستنقع السوري، فإنه يكشف نفسه تمامًا أمام إسرائيل، والتي لا تتردد عادة في ابتدار الحرب ضد الحزب بين كل فترة وأخرى.
إذا قررت إسرائيل التحرك ضد حزب الله في لبنان أو سوريا، إما عن طريق العمليات الفردية، التصعيد العام، أو الحرب الشاملة، فإنها ستقوم بذلك وهي واثقة بأن الحزب لا يستطيع أن يحارب عمليًا على جبهتين، وبأن شعبيته المحلية والإقليمية آخذة بالانهيار جرّاء تدخله السافر في سوريا، وهذه الحقائق قد تغري إسرائيل بابتدار الحرب ضد الحزب الذي لم تستطع هزيمته حتى الآن.
أخيرًا، من المؤكد بأن حزب الله قد انحرف تمامًا عن سبب وجوده الشرعي باعتباره محورًا للمقاومة بمواجهة العدوان الإسرائيلي، حيث ركّز بدلًا من ذلك على دعم الديكتاتور في قمعه الوحشي الذي يمارسه ضد شعبه، ولكن يبدو بأن حزب الله نسي بأن إسرائيل، وليست المعارضة السورية، هي التي تشكل التهديد الوجودي الذي يحيق به، وذلك في خضم الصعوبات التي يقاسيها في حربه السورية.
المصدر: ميدل إيست آي