هل أنت مع تطبيق حكم الإعدام على المجرمين القتلة في قطاع غزة أم لا؟
هذا السؤال الذي صار يعترض مسار اللقاءات في كل مكان، وفيه تختلف الرؤية بين مؤيد ومعارض، والصحيح أن هذا السؤال له شقان، شق يرتبط بالقاتل وأهله، وشق آخر يرتبط بالقتيل وأهله، وعليه فلا يحق لمجتهدٍ أن ويوظف من نفسه قاضياً وقانونياً ومشرعاً ومصلحاً اجتماعياً، طالما كانت الإجابة على هذا السؤال هي حق من حقوق أولياء الدم وحدهم، وهم أصحاب الحق في العفو عن قتلة أبنائهم أو تأكيد العقوبة، ليقتصر دور شخصيات المجتمع المدني ومفكريه وقادته السياسيين والاجتماعين في التوسط إلى أولياء الدم برجاء ألا يسرفوا في القتل، وأن يقبلوا بالدية، ودون ذلك فلا قرار يعلو على قرار الشرع الإسلامي، وعلى حق المجتمع الذي ينشد القصاص من القتلة.
لقد قالت العرب يوماً: القتل أنفى للقتل، وهذه المقولة في قمة المسئولية، لأنها تؤكد على أن قتل المجرم يعتبر قتلاً للجريمة، ويحول دون تكرارها، وعليه فإن تنفيذ حكم الإعدام بحق بعض القتلة في قطاع غزة هو إعدام للجريمة نفسها وليس إعداماً للمجرمين فقط.
إن تطبيق القانون السماوي على القتلة والمجرمين لا يعني حرمانهم من المعاملة الإنسانية والمحاكمة العادلة، وطالما أن المحكمة قد أدانتهم بالأدلة والشواهد والاعترافات الموثقة، وأصدرت حكمها، بعد أن استوفت الشروط القضائية، فإن التطبيق واجب أخلاقي، وواجب مجتمعي لا يقل أهمية عن الواجب القانوني الذي ينتظر تصديق الرئيس على حكم الإعلام.
وتصديق الرئيس قضية لا تنطلي على الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويعاني من ويلات الحصار والاستيطان، ويعاني البطالة، وارتفاع الأسعار، ويعيش ظروفاً استثنائية تجعله أحوج الشعوب إلى الالتزام بالقانون، شرط أن يلتزم الرئيس بمصالح الناس جميعهم دون تمييز، وشرط أن يتفهم واقعهم وأحوالهم المعيشية، وشرط ألا يتنكر الرئيس لمزاج الشارع، ولا يستخف باستطلاعات الرأي التي تتعارض مع نهجة السياسي، وترفض مسارة الإداري، الذي قسم المجتمع بين مؤيد ومعارض، وموالٍ ورافضٍ، ومفاوضٍ ومقاومٍ، وأسودٍ وأبيضٍ، وموظف براتب وموظف مقطوع الراتب، وقد ظهر عجزه عن درء الخطر عن الشعب والأرض، بعد أن صار يرى بالصهاينة العدو التاريخي للشعب الفلسطيني جاراً وصديقاً، يشجع التعاون الأمني مع مخابراتهم على حساب المقاومة، التي ما انفك يحرض على تصفيتها، وهو يشارك في خلق حالة من التمايز بين سكان الضفة الغربية وسكان غزة، حتى بلغ عدد العمال الفلسطينيين الذي يعمرون المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية 120 ألف عامل، يتقاضى اقلهم أجراً 500 شيكل يومياً، في الوقت الذي تتواجد فيه 80 ألف حالة شئون اجتماعية في غزة، تتقاضى فيها الأسرة أقل من 500 شيكل شهرياً، إنه هذا التمايز لا يجعل من الرئيس رئيساً لكل الشعب، ولا يجعل من الرئيس ذخراً استراتيجياً ينتظر الشعب مصادقته على الأحكام بمقدار ما يجعل مسمى الرئيس عبئاً ثقيلاً على حياة المجتمع.
إن تدخل الأطراف الدولية في حياة المجتمع الفلسطيني، لا تعكس إلا الاستخفاف بالمجتمع، حتى بلغ الأمر بالمنسق الخاص للأمم المتحدة في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، بأن يدعو إلى عدم تنفيذ الإعدامات بحق المجرمين القتلة، ويتجاهل الحصار المضروب حول قطاع غزة، وإغلاق المعابر، وكأن القتلة والمجرمين هم من بقايا عائلة “ميلادينوف”، ليطلب من الرئيس فرض حظر على تطبيق العقوبة، في الوقت الذي كان يجب أن يطلب من الرئيس بالعمل على رفع الحصار الإسرائيلي وعدم قطع الكهرباء المتعمد عن غزة؟.
إن تطبيق حكم الإعدام بحق القتلة لا يهدف إلى الردع كما يدعي البعض، وإنما يهدف إلى إحقاق الحق، ونشر العدل، ووأد الفتنة، ولاسيما أن مجتمع غزة القبلي، تمتد فيه الأسر حتى عميق التاريخ، وتتشابك فيه الجذور، ولا وسيلة أنجع من تطبيق القانون لدرء الانفلات العائلي، ومحاصرة الفتنة التي تحرص عدة أطراف محلية وعربية ودولية على إذكاء نارها.