خبز بني ساخن، هش كالقطن، وكعك محشو بمعجون الفاصوليا الحمراء الحلو، الكاسترد، أو حتى الكاري.
في اليابان ستجد أنواع متنوعة من المخبوزات أكثر من أي دولة أخرى.
الطماطم، السبانخ، اليقطين، الجزر، البطاطا، وغيرهم الكثير يدخل في صناعة الخبز الياباني، فدعونا نرى كيف تغلغلت ثقافة “الخبز” في ذلك المجتمع المغلق المنعزل الذي يعتمد على “الأرز” كغذاء رئيس له.
كيف شق الخبز طريقه في بلد يعتمد على “الأرز”
عندما تفكر في الطعام الأساسي لليابانيين ستفكر بالأرز، لكن الكثير لا يعرف أن اليابانيين يستهلكون كمية كبيرة من الخبز، يوجد حوالي 10 آلاف مكان متخصص في بيع الخبز فقط في اليابان، إذا تجنبنا أنه يباع أيضًا في السوبرماركت والمحال الصغيرة.
حتى إذا كان التقليد الياباني مبني على الأرز، لكن الخبز أصبح منافسًا قويًّا، فسوق الخبز الياباني يستهلك 1.4 ترليون ين، أكبر من إيطاليا وفرنسا.
إذا نظرنا إلى الذوق الياباني في الطعام، سنجده يعتمد على الأرز اللين المطهو جيدًا لدرجة تجعله أقرب إلى العجين المتكتل، لهذا لا يناسبهم الخبز الغربي المحمص والمقرمش، الشيء الذي يناسبهم هو الخبز اللين الناعم الهش.
لهذا سنجد أن أشهر أنواع الخبز انتشارًا في اليابان هو “التوست”، ويشكل حوالي 20% من سوق الخبز، يُباع مقطع في قطع متفاوتة الحجم والعدد.
يتم حشو العجين بمعجون الفاصوليا الحمراء الحلو، ويأتي في شكل الكعك الياباني التقليدي.
فهم يكورون المعجون ككرة صغيرة ويضعونها داخل العجين، ثم يغلقون العجين حولها بإحكام، هذه هي ثقافة الربط اليابانية، اليابانييون يحبون الأشياء المربوطة كما يفعلون مع الكيمونو واليوكاتا (الزي الياباني التقليدي).
كعك الكريمة(Cream buns)
يحتوي على أنواع من الكريمة مثل الكاسترد، ويأتي غالبًا في شكل نصف دائرة، وقد بدأ الخبازون بصناعة قطع في العجين كي يخرج منه الهواء عند الخبز.
الخبز المقليDeep fried bread))
وهو محشو بالكاري الياباني، ويأتي على شكل كرة الرجبي، وقد بدأ اليابانيون بخلط الكاري ببعض أنواع المحاصيل المحلية الأخرى وتطويره، وهو مشهور في أوساكا.
هناك العديد من الأشياء العجيبة ستصادفها في اليابان، على سبيل المثال حشو الخبز بأنواع عديدة من الحشو كالشعرية المقلية، سلطة البطاطا، البطاطا المهروسة المقلية “الكروكيت”، السردين المشوي وغيره.
رحلة الخبز إلى اليابان
الكلمة اليابانية للخبز هي “بان” وهي أتت من البرتغال.
ظهر الخبز في اليابان في القرن السادس عشر، وقد فشل في جذب الاهتمام الياباني حتى القرن الثامن عشر، عندما بدأ النزاع بين بريطانيا والصين فيما يسمى بـ”حرب الأفيون”، والتي كانت سلسلة من النزاعات بين الإمبراطورية الصينية والإمبراطورية البريطانية على التجارة والعلاقات الدبلوماسية، وقد سيطر الخوف في تلك الفترة على اليابان، حيث إنها رُبما تكون التالية في النزاع.
فتولى “إيجاوا تاروزايمون” دورًا قياديًّا في التخطيط للدفاع عن البلاد، فقد عزز الدفاعات الساحلية اليابانية ضد التعديات الغربية.
وقد أدرك “إيجاوا” قيمة الخبز؛ فالأرز يحتاج إلى الطهي في كل مرة، أما الخبز فهو جاهز دائمًا، ويمكن تخزينه، ومن هنا بدأت صناعة الخبز اليابانية، ورُغم أن الخبز الذي ابتكره “إيجاوا” كان قاسيًّا إلا أنه كان يصلح لفترة طويلة.
في أواخر القرن التاسع عشر بدأت اليابان في تقبل الثقافة الغربية، وظهر خبز جديد يجمع بين الخبز الغربي وروح التقليد الياباني “خبر معجون الفاصوليا الحمراء الحلو”.
ويعود الفضل في اختراع هذا النوع من الخبز إلى ساموراي يعرف بـ”ياسوبي كيمورا”، والذي فقد أسباب رزقه عندما تم خلع الشوغون (اللقب الذي كان يطلع على الحاكم العسكري لليابان حتى نهاية فترة إيدو)، وابنه الثاني “إيزابورو”.
التقى “ياسوبي” برجل اعتاد أن يعمل طاهيًا لدى رجل أجنبي في “ناجازاكي”، وتعلم منه كيفية صناعة الخبز.
في ذلك الوقت لم يكن الذوق الياباني قد تقبل الخبز بعد، قلة فقط من اليابانيين يأكلون الخبز، لهذا عمل الأب والابن على ابتكار نوع من أنواع المخبوزات يناسب الذوق الياباني.
في 1874 أصبح هناك نوع جديد من الطعام يحتل جانبًا من الصحن الياباني، لقد أخذوا الفكرة من كرات العجين المحشوة بمعجون الفاصوليا الحمراء التي يتم تسويتها على البخار، فقاموا بخبزها بدلًا من تسويتها على البخار، بعد فترة صغيرة أصبح ذلك النوع من الخبز مشهور للغاية في طوكيو.
صورة للخبز الياباني التقليدي
في السنة التي تليها تم تقديمه إلى الإمبراطور “ميجي”، لكن تم استبدال الفاصوليا الحمراء بـ” بتلات زهور السكورا المملحة” في الوسط، وقد هام الإمبراطور بذلك الطعم الجديد.
في 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، اليابان كانت تعاني من مجاعة، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية كمية كبيرة من الدقيق إلى اليابان، وعندما أصبح من العسير الحصول على الأرز بات الخبز هو المسيطر، وأكله عادة يومية،عندما تعافت اليابان من الحرب باتت أكثر تقبلًا للثقافة الغربية، ونمط الحياة الياباني أمسى أكثر “غربية”، وأكل الخبز الغربي صار “موضة”، بل بدأ الكثير بالخبز في المنازل.
في الوقت الحالي أصبح هناك الكثير من الخبز يتم عجنه بدقيق الأزر إلى جانب ذلك النوع المعجون بدقيق القمح.
الخبز في أنحاء اليابان
البطاطس، البصل، الجزر، السبانخ، اليقطين، الطماطم وغيرها من المنتجات والمحاصيل المحلية اليابانية اندمجت بالخبز، عاكسة مذاق الحياة اليابانية اليومية والتقاليد اليابانية، فدعونا نرى أشهر أنواع الخبز وأشهر المدن التي تنتشر بها المخابز.
تسوكوبا مدينة الخُبز
وهي مدينة في (إيباراكي)، يوجد بها العديد من الجامعات ومعامل الأبحاث، كذلك العديد من الأجانب يعيشون هناك؛ لهذا يوجد بها العديد من المخابز.
بالتعاون بين المخابز والمعامل البحثية المختصة في تطوير المحاصيل اليابانية، تم إنتاج العديد من أنواع الخبز الجديدة، بل تم إنتاح نوع جديد من القمح، أعلى في البروتين، ولا يصير جافًا بشكل سريع.
وإلى جانب هذا نجد الخبازون اليابانيون لا يفكرون فقط في “ماذا نفعل بكل هذا القمح”؟ ولكن في “ماذا نفعل بكل تلك المنتجات المحلية وكيف يمكننا تطويعها لتناسب الخبز”؟
هيجاشي- أوساكا مملكة رياضة الرجبي
هيجاشي، المدينة المشهورة بلعبة الرجبي، وكعك الكاري، بالطبع عند النظر إلى كعك الكاري سنجده قد أخد شكل “كرة الرجبي” رامزًا إليها، فالكاري مقرب إلى قلوب أهل أوساكا، لذلك ناسبهم جيدًا “كعك الكاري”.
عند زيارتك تلك المدينة رُبما يصادفك “يوم كعك الكاري”، في ذلك اليوم يضعون خصمًا على كعك الكاري، ويخترعون العديد من النكهات ويضيفون الكثير من الخضراوات إلى ذلك الخبز المقلي اللذيذ محاولين تطويره.
وهكذا نرى أنه مهما كان ذوقك غريبًا في الطعام، فهو لن يصل أبدًا إلى غرابة وإبداع الذوق الياباني، فإذا كنت تمتلك ذوقًا غريبًا في الطعام، أنت الآن تعلم أي بلد يُرحب بك، مرحبًا بك في مملكة الطعام العجيب اليابانية.