إن المراقب للعلاقات التونسية الليبية منذ استقلال البلدين سيلاحظ بما لا يدع مجالًا للشك أن المد والجزر وعدم الاستقرار كان ميزتها الأولى.
فرغم الثورتين اللتين حدثتا في البلدين، إلا أن العلاقات التونسية الليبية تميزت بالتوتر والاتهامات المتبادلة، وخاصة من الجانب التونسي، الذي وجه اتهاماته في أكثر من مرة إلى الطرف الليبي بأنه يتحمل مسؤولية عدد من الهجمات الإرهابية التي حدثت في البلاد.
وتعتبر مسألة الحدود بين البلدين من أكثر القضايا الشائكة التي تواجه الحكومة التونسية بعد 14 يناير، إذ تعاني تونس من صعوبة بالغة في السيطرة عليها، خاصة بعد قيام تنظيم “الدولة الإسلامية” بإنشاء معاقل له في الجارة الليبية، فصارت المشكلة من أبرز التحديات الهائلة التي تواجهها الدولة التونسية، والتي تفرض عليها تحديا أمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا.
وفي شهر يوليو 2015، شرعت تونس في بناء جدار عازل مع ليبيا لمنع التهريب وتسلل الإرهابيين، وعلى إثر ذلك حذرت فجر ليبيا الحكومة التونسية من مغبة المضي قدمًا في بناء هذا الجدار قبل الرجوع إلى السلطات الليبية والتنسيق معها في عملية ترسيم الحدود وإلا فستعتبره تهديدًا صارخًا وتعديًا على الأراضي الليبية يرقى إلى درجة الاحتلال.
كما أكد وزير الشؤون الخارجية السابق الطيب البكوش، أن تونس لم تتلق أي احتجاج رسمي من حكومة طرابلس بخصوص بناء الجدار الترابي على طول الحدود مع ليبيا.
وفي أوائل شهر فبراير الماضي، أتمت تونس بناء حاجز على طول حدودها مع ليبيا ويمتد الحاجز لمسافة 200 كيلومتر مغطيًا نحو نصف الحدود بين ليبيا وتونس.
وفي 4 من ديسمبر 2015، أعلنت تونس عن منع الطائرات الليبية من الهبوط في مطار تونس قرطاج الدوليٍ والسماح لها باستخدام مطار صفاقس، وردت حكومة طرابلس غير المعترف بها دوليًا بإغلاق الحدود البرية مع تونس.
وقال وزير النقل محمود بن رمضان إنه “بالنظر إلى الدواعي الأمنية، لم يعد يسمح للطائرات الليبية بالهبوط في مطار تونس قرطاج الدولي لأن البلاد تمر بوضع خطير، ما تطلب إجراءات استثنائية لمواجهة التهديدات من بينها منع الطائرات الليبية من الهبوط في أي من مطارات تونس باستثناء مطار صفاقس”.
وكانت تونس قد أعادت فتح مطاراتها أمام جميع شركات النقل الجوي الليبية بعد إغلاقها في أوت 2014 لدواع أمنية في إجراء استثنت منه حينذاك الشركات الليبية التي تسير رحلات انطلاقًا من مطاري طبرق والأبرق.
وفي شهر أكتوبر 2015 اعتقلت السلطات التونسية حسين الذوادي عميد بلدية صبراتة لدى وصوله مطار تونس قرطاج، وهو ما دفع مجموعات ليبية في مدينة صبراتة، لاحتجاز عمال تونسيين في ليبيا، قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن تم إطلاق سراح الذوادي.
وفي شهر مارس أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الإنقاذ الوطني الليبية علي أبو زعكوك أن تحميل بعض السياسيين ووسائل الإعلام في تونس ليبيا مسؤولية ما يجري هو تضليل للرأي العام التونسي عن جوهر الأزمة التي تعاني منها المنطقة برمتها وليس تونس وليبيا فقط.
وأشار “أبو زعكوك” إلى أن حكومة الإنقاذ الوطني دعت الحكومة التونسية، أكثر من مرة وبحرص شديد انطلاقًا من إدراكها لخطر ما وصفه بالسرطان الخبيث إلى التنسيق الأمني لتفادي تعدد وتمدد تنظيم “الدولة الإسلامية”، داخل حدودنا ومدننا، إلا أن السلطات التونسية تجاهلت تلك النداءات باتخاذها إجراءات أمنية أحادية دون التنسيق مع ليبيا.
كما نوه إلى أنه وعلى الرغم من إدراك ليبيا لعمق الأزمة وحقيقة التنظيمات الإرهابية، وأن نسبة كبيرة ممن تم القبض أو القضاء عليهم من مواطني الدولة التونسية إلا أنها تعاملت مع الأمر كونه أزمة تجتاح المنطقة برمتها وفكر وافد على الأمة وعلى العالم.
ومع بداية شهر أبريل الماضي، أعادت تونس فتح سفارتها وقنصليتها في العاصمة الليبية، وقالت وزارة الخارجية في بيان “على إثر انتقال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إلى طرابلس، وفي إطار الحرص على دعم العملية السياسية في ليبيا، وتعزيز نهج التوافق بين مختلف الأشقاء الليبيين، تعلن تونس إعادة فتح بعثتيها الدبلوماسية والقنصلية بالعاصمة الليبية طرابلس”.
وكانت تونس قد أغلقت سفارتها في طرابلس بعدما خطفت جماعة “شباب التوحيد” الليبية، موظفًا ودبلوماسيًا في السفارة في عام 2014، وفي 2015 أعلنت تونس غلق قنصليتها في طرابلس، إثر الإفراج عن عشرة موظفين في القنصلية، كان خطفهم مسلحون مرتبطون بجماعة “فجر ليبيا”.
على صعيد آخر أثار وزير الخارجية السابق الطيب البكوش، جدلاً كبيرًا بعد أن أعلن أن تونس ستعتمد بعثتين دبلوماسيتين، واحدة للتعامل مع حكومة الشرق، والأخرى للتعامل مع حكومة طرابلس حفظًا لمصالح التونسيين، معتبرًا أن لكلا الحكومتين شرعية.
ورغم أن الحكومة التونسية تعترف رسميًا بحكومة طبرق، إلا أن الأخيرة هاجمت بطريقة فجة تونس، حيث قال عمر القويري، وزير الإعلام الليبي في حكومة طبرق، في حوار مع صحيفة “آخر خبر”: “أبشركم بقيام إمارة إسلامية بجبل الشعانبي، وسنتعامل معها بحياد وسنكون على مسافة واحدة من حكومة قصر قرطاج ومع حكومة قصر الشعانبي”.
كما أثارت حادثة اختطاف الصحفي سفيان الشورابي والمصور نذير القطاري، اللذين يعملان في قناة خاصة، في منطقة أجدابيا شرق ليبيا، سبتمبر 2014، بعد أيام قليلة من الإفراج عنهما إثر عملية اعتقال أولى من قبل مسلحين ليبيين بداعي العمل دون ترخيص، توترًا في العلاقة بين تونس وليبيا.
في النهاية يمكننا القول إأن توتر العلاقات بين البلدين كانت أسبابه الرئيسية الوضع الأمني المتردي في ليبيا والذي انعكس سلبًا على تونس، كما أن الأوضاع السياسية المتقلبة والحرب المندلعة في ليبيا، دفعت تونس إلى محاولة إرضاء الطرفين المتنازعين ولكن ذلك لم يحدث بسبب تدخل قوى إقليمية في إشعال الأوضاع الداخلية وتوتير العلاقات الأخوية بين البلدين.