جولة أخرى من المفاوضات بدأتها بعثة صندوق النقد الدولي مع الحكومة الأردنية بعدما فشلت في تحقيق الشروط التي وضعتها لها في الجولة الأولى في الفترة الممتدة بين شهر آب/ أغسطس 2012 وحتى نفس الشهر من العام الماضي 2015، حيث حصلت الحكومة بموجبه على ملياري دولار على شكل قروض، انتهت الجولة الأولى بزيادة الدين العام بنحو 2.82 مليار دولار سنويًا وبنسبة 3.8 من الناتج المحلي الإجمالي، وحافظت الحكومة على استقرار العجز المالي للموازنة العامة خلال مدة البرنامج بفضل المنحة الخليجية للأردن البالغة 5 مليارات دولار، بينما نجحت الحكومة نسبيًا في رفع الدعم جزئيًا عن أهم سلعتين أساسيتين في الأردن: الماء والكهرباء.
الأردن يصر على الاقتراض من صندوق النقد الدولي
عادت البعثة إلى الأردن في 19 الشهر الجاري وبدأت الخوض مع الحكومة الأردنية لإقرار برنامج التصحيح الاقتصادي الجديد الذي سيطبق خلال الأعوام 2017- 2020 ومواصلة المناقشات من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن السياسات الاقتصادية الكلية والإصلاحات الهيكلية الشاملة في إطار برنامج مدعوم من الصندوق الذي سيشمل نقاطًا إضافية على الشروط التي عجزت الحكومة عن تطبيقها في الجولة الماضية.
تتمثل الشروط القديمة والجديدة في برنامج الصندوق على خفض الدين العام المقدر حاليًا بنسبة 92% من الناتج المحلي الإجمالي ليصل عند نهاية البرنامج 70% من الناتج المحلي الإجمالي وخفض العجز في الموازنة، كما اشترط الصندوق على الحكومة إعادة النظر في سياسات تسعير المياه والكهرباء باتجاه رفع الدعم الحكومي عنها بشكل كامل، ويشترط صندوق النقد إعادة النظر في قانون ضريبة الدخل وتخفيض الشرائح المشمولة بالإعفاءات الضريبية والتقدم باتجاه فرض الضريبة التصاعدية وحوكمة الإدارة العامة وتوسيع مشاركة المرأة في النشاطات الاقتصادية المختلفة والتي لا تزيد حاليًا عن 14% من قوة العمل حسب الإحصائيات الرسمية.
الآثار الاجتماعية والاقتصادية على الاقتصاد الأردني
يجمع العديد من الاقتصاديين والخبراء من المطلعين على الأوضاع الاقتصادية في الأردن أن الشروط سواء السابقة وحتى الجديدة المفروضة من قبل بعثة صندوق النقد الدولي سيكون لها آثارًا اجتماعية بالغة الأثر ستظهر تباعًا مع الوقت في حال تم تطبيقها، فنسبة البطالة في الأردن تبلغ نحو 14.6% ولا توجد أرقام رسمية عن نسبة الفقر صادرة عن الحكومة ولكن تشير المؤشرات الاقتصادية أنها مرتفعة كثيرًا.
وبينما فشلت الحكومة في خفض الدين العام وعجز الموازنة حسب شروط صندوق النقد، نجحت فقط في رفع الدعم عن المواد الأساسية كما تريد البعثة، والشروط الجديدة تنبأ بازدياد رفع الدعم أكثر على تلك المواد لتحريرها بشكل كامل، ويحذر خبراء أن الأوضاع الاجتماعية ستزداد سوءًا بعد تطبيق شروط البعثة، واتهم بعضهم صندوق النقد أنه يحاول إغراق الأردن بالديون، فالدين الخارجي زاد بسبب القروض التي استلمتها الحكومة من الصندوق تبعًا للبرنامج الماضي وسيزيد الدين الخارجي أكثر مادام الحكومة تتعامل مع الصندوق وتستلم منه القروض.
وكان وزير المالية الأردني في وقت سابق من العام الجاري كشف اعتراضات الصندوق على تخفيضات ضريبية وجمركية أجرتها الحكومة على بعض السلع ومطالبته الحكومة بإلغاء تلك القرارات لزيادة الإيرادات.
وتأتي أغلب الإيرادات الحكومية من الضرائب التي يدفعها المواطنون والقطاعات الاقتصادية المختلفة ممثلة بضريبة الدخل والمبيعات فضلًا عن بعض المنح المالية التي تتلقاها الدولة بين الحين والآخر من المؤسسات المالية والدول العربية والأجنبية.
وقد بلغت الإيرادات الضريبية خلال الـ 11 شهرًا الماضية من العام الماضي 2015 نحو 5.33 مليار دولار ما نسبته 71.6% من الإجمالي الإيرادات المحلية المتحققة في تلك الفترة.
ولا يخف أرباب الصناعات من تحمل العبء الأكبر من إملاءات صندوق النقد من خلال رفع نسبة الضرائب، علمًا أن القطاع الصناعي يطالب بتخفيض الضرائب لمواجهة الظروف الراهنة التي تحيط به في سوريا والعراق والتي انخفضت بسببها نسبة التصدير بشكل كبير.
أما المواطن هو الآخر يخشى مما ستحمله الأيام القادمة على الاقتصاد، فالحكومة الأدرنية لا تأل جهدًا في تطبيق شروط الصندوق وإملاءاته، من خلال زيادة الضرائب ورفع الدعم بشكل كامل على السلع الأساسية ما سيثقل كاهل المواطن فضلًا عن صعوبات الحياة التي يواجهها.
ماذا يقول صندوق النقد عن الاقتصاد الأردني؟
في التقرير الذي صدر في أبريل/ نيسان الماضي، ذكر صندوق النقد أن الاقتصاد الأردني واصل أداءه الإيجابي على الرغم من البيئة الإقليمية الصعبة، حيث مازالت الصراعات الدائرة في سوريا والعراق تؤثر سلبًا على التصدير والسياحة والأداء الاقتصادي الكلي وبلغ نمو الناتج الإجمالي المحلي في العام 2015 نحو 2.4% بينما بلغ معدل التضخم العام 2% وبلغ عجز الحساب الجاري نحو 11.7% من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي 2015 بينما بلغ إجمالي الدين العام الحكومي نحو 93.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوقع الصندوق أن يسجل الاقتصاد نموًا بين 2.3% في العام الجاري مستفيدًا من دعم أسعار النفط المنخفضة.
ما لا تتمناه الحكومة الأردنية
عاش الأردن أحداثًا عصيبة في أواخر العام 2012 بعد أن قررت الحكومة وقتها تحرير أسعار المحروقات التزامًا بشروط صندوق النقد الدولي، فارتفعت أسعار المشتقات النفطية بنسب تتراوح بين 14-45%؛ فثارت ثائرة الشعب الأردني وخرج في مظاهرات يطالب الحكومة بالعدول عن القرار، تطورت فيما بعد إلى إسقاط الحكومة ومن ثم النظام وتعاملت معها القوات الأمنية بحزم ولم تتراجع عن تنفيذ طلبات صندوق النقد.
فهل تشهد الأردن موجة احتجاجات أخرى في حال طبقت شروط صندوق النقد؟