يخوض تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في ليبيا، إحدى معارك التنظيم المصيرية بجانب معارك أخرى تدور رحاها في الفلوجة بالعراق، والرقة في سوريا، لتفتح جبهة لا تقل خطورة عن الجبهات الأخرى في مدينة سرت الليبية.
حيث تدور الآن معارك طاحنة بين قوات غرفة العمليات العسكرية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني المشكلة مؤخرًا، وعناصر من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في ضواحي منقطة سرت الليبية.
قوات الغرفة التي أطلقت عملية أسمتها “البنيان المرصوص” حققت تقدمًا فى اتجاه سرت، ووصلت إلى محطة الخليج البخارية لإنتاج الطاقة بالكيلومتر 21 (غرب سرت)، حيث تدور اشتباكات عنيفة الآن مع عناصر تنظيم الدولة.
كما سيطرت قوات “البنيان المرصوص” على منطقة الثلاثين والقبيبة (30 كم غرب سرت)، وذلك بإسناد جوي من مقاتلات حربية بمدينة مصراتة أغارت على تمركزات “داعش” بالبخارية والظهير، حيث قتلت وجرحت عددًا من عناصر التنظيم.
بينما رد تنظيم الدولة بسلاحه المفضل دائمًا وهو الأفراد والسيارات المفخخين، حيث صرح المكتب الإعلامي لعملية “البنيان المرصوص”، التي تشنها قوات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أن حصيلة الهجمات التي نفذها الفرع الليبي لتنظيم الدولة بسيارات مفخخة بين مصراتة وسرت، ارتفعت إلى 32 قتيلًا و50 جريحًا.
وكانت قوات حكومة الوفاق استعادت مؤخرًا مواقع سيطر عليها التنظيم في مناطق أبو قرين والوشكة والهيشة وزمزم وأبو نجيم (شرق مصراتة).
دعم دولي
وفي نفس السياق ذكر تقرير لشبكة “سي إن إن” أن قوات خاصة أمريكية تعمل على الأراضي الليبية، بالإضافة إلى عمليات جوية، إلى جانب قوات غربية أخرى أتت لتعزيز العمليات القتالية ضد تنظيم داعش.
وأشار التقرير إلى أن عمليات المراقبة الجوية تنطلق من جزيرة “بانتيليريا” بصقلية جنوب إيطاليا وتمتد على نحو 1240 ميلاً (2000 كيلومتر) أي على طول الساحل الليبي جنوب البحر الأبيض المتوسط، دون توضيح طبيعة العمليات التي تقوم بها القوات الخاصة المتواجدة على الأرض.
فيما نشرت صحيفة “تايمز” روايات شهود عيان عن تقديم قوات بريطانية خاصة المساعدة لمسلحين ليبيين لوقف تقدم مسلحي تنظيم الدولة، ويشير تقرير الصحيفة إلى أن القوات الخاصة البريطانية أطلقت صواريخ لإحباط هجوم انتحاري للتنظيم باستخدام شاحنة ملغومة بالقرب من مصراتة، وقد أكدت مصادر إعلامية أخرى أن عددًا صغيرًا من القوات الخاصة البريطانية يعمل في ليبيا منذ أكثر من عام، لكن الحكومة البريطانية تنفي أي وجود عسكري لها على الأرض في ليبيا.
في حين لم يخف رئيس الوزراء البريطاني “ديفيد كاميرون” عزم بلاده إرسال سفينة حربية للمساعدة في التصدي لتهريب البشر والأسلحة قبالة السواحل الليبية، كما أعرب في تصريحات سابقة له أن من مصلحة بريطانيا أن تبذل كل ما في وسعها لدعم الحكومة الليبية الوليدة، لأن ما يحدث في ليبيا خطر على الجميع في وضعها الراهن، بسبب تدفق المهاجرين عبر ليبيا وتزايد أعداد عصابات تهريب البشر وصعود تنظيم الدولة فيها، بحسب تصريحات كاميرون.
أهداف حكومة الوفاق من العملية
المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الموجود في العاصمة طرابلس، انبثق عن اتفاق المصالحة الليبي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر من العام الماضي 2015.
وفيما يبدو أن مسألة الشرعية العسكرية ضرورة لخوض غمار صراع الشرعية في ليبيا بين الفصائل المتنازعة التي ترفض الاعتراف بالحكومة الجديد “الوفاق”، حيث إن الفرصة الآن كبيرة وسانحة لتحجيم التنظيم في ليبيا إلى أن يتم القضاء عليه، وذلك من خلال وضعه في حالة دفاع، وهو ما فشلت فيه أطراف النزاع قبل ذلك في ليبيا سواء في طرابلس أو طبرق.
كما قرأ مراقبون قرار تكليف غرفة العمليات من قبل المجلس الرئاسي بأنه الاستعداد والمبادرة لتشكيل قوة ردع وحماية في المنطقة الغربية لمنع تهديد قادم من الشرق، سواء من تنظيم الدولة أو من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الرافض لحكومة الوفاق الوطني هذه، خاصة بعد ورود أنباء عن استعدادات من قوات حفتر للتحرك نحو سرت، وهو ما دعا حكومة الوفاق لأخذ زمام المبادرة.
كذلك تحاول حكومة الوفاق احتواء أهم قوى مسلحة في غرب ليبيا بمحاربة تنظيم الدولة بين سرت ومصراتة، مع محاولة احتواء التشكيلات الأخرى الرافضة للاتفاق السياسي، حيث لا زالت الكتائب التي تقاتل تنظيم الدولة شرق مصراتة، ترفض الاعتراف بالحكومة الجديدة، وما زالت موالية للمؤتمر الوطني العام برئاسة نوري أبو سهمين وحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل.
تحديات أمام البنيان المرصوص
يخشى الجميع الآن أن تتحول الحرب على التنظيم بمدينة سرت إلى تنافس على الشرعية العسكرية لفرض السيطرة على الأرض، نظرًا لاختلاف المشاريع السياسية بين مشروع الوفاق السياسي الموقع بالصخيرات المغربية، والمشروع الذي يقوده حفتر المدعوم إماراتيًا ومصريًا للحسم بالقوة العسكرية أمام الفصائل الليبية الأخرى، لكن حتى الآن الدعم الدولي لحكومة الوفاق الوطني يوقف مشروع حفتر.
ومن أبرز التحديات التي ستواجه قوات حكومة الوفاق محاولة تنظيم الدولة استغلال الفراغين السياسي والعسكري بالتمدد من معقله في سرت وسط ليبيا إلى غربها، وهو ما يجيده تنظيم الدولة جيدًا باستراتيجيته العسكرية التي تمكنه من التفوق أثناء الفوضى، التي يمكن أن تنتج إذا ما اشتبكت قوات حفتر مع قوات الوفاق الوطني في أي لحظة قادمة.
كذلك ستواجه حكومة الوفاق الوطني معضلة التنسيق بين الكتائب المسلحة الموالية لها وغيرها من الكتائب التي لا تزال ترفض الاعتراف بها لكنها تقاتل التنظيم بشراسة لذا لا يمكن الاستغناء عنها، وستبقى محاولة دمجها في المشروع السياسي الجديد.
مع ضرورة الحفاظ على المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى من قبل مجلس رئاسة الحكومة أثناء محاربة تنظيم الدولة وهو تحدي آخر أكبر.
كل هذه التحديات إذا تخطتها حكومة الوفاق الوطني في معاركها الحالية فإنه من شأنه أن يسرع تفعيل قرار رفع ليبيا من قائمة الدول المحظور تسليحها، إذ أعلنت الولايات المتحدة ودول أخرى استعدادها لإمداد الحكومة بالعتاد العسكري لمواجهة التهديد المتنامي لتنظيم الدولة في الفترة المقبلة، وهو ما تسعى إليه حكومة الوفاق والقوات الموالية انتظارًا لتنفيذ هذا القرار الذي سيعطيها تفوقًا عسكريًا على الأرض أمام كل الفصائل، وهو ما سيساعد إلى حد كبير لإنفاذ مشروعها السياسي.