في الوقت الذي سارعت فيه كل الدول الخليجية بإرسال برقيات تهنئة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بذكرى الوحدة اليمنية السادسة والعشرين، تجاهلت دولة الإمارات المناسبة تمامًا، وامتنعت وسائل إعلامها المهتمة يوميًا بالشأن اليمني، عن تناول الأمر، حتى ولو بمجرد خبر صغير بنشرات أخبارها الكثيرة.
في المقابل يبدو أن المملكة العربية السعودية كانت تدرك الموقف الإماراتي وتتوقعه، فسارعت بإرسال ثلاث برقيات لتهنئة هادي من خادم الحرمين وولي العهد وولي ولي العهد، وهو الأمر الذي فعله أيضًا أمير قطر ونائبه ورئيس وزرائه، كما أرسل أمير الكويت رسالة مماثلة.
دلالات الموقف السعودي الاستباقي للموقف الإماراتي لا يمكن قراءتها في سياقها الخليجي فقط بعيدًا عن تداعياتها الإقليمية والدولية.
دعوة إماراتية للطلاق
ففي الوقت الذي كانت فيه قوى جنوبية تجهز لإحياء ذكرى الوحدة بطريقة مختلفة، تعبر عن نيتها في الإعلان عن فك الارتباط عن الشمال، تلقفت وسائل الإعلام الجنوبية تصريحات للفريق ضاحي خلفان تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، على حسابه في تويتر، دعا من خلالها العالم العربي إلى أن “ينصف الجنوب وألا يبقوه رهينة في يد القوى الغاشمة”، مؤكدًا أن الوحدة اليمنية أصبحت فاشلة وبسببها ترتكب جرائم حرب وسفك دماء، ولم يتبقَّ إلا الطلاق، في إشارة إلى فك الارتباط بين شمال اليمن وجنوبه، حتى إن بعض وسائل الإعلام الجنوبية توقعت أن تبادر الإمارات لإعلان مفاجأة في ذكرى الوحدة بالدعوة لانفصال الجنوب، بناء على تعليق من مذيع في تلفزيون أبوظبي، تحدث فيه عن “مفاجآت” في هذه المناسبة.
أزمة صامتة
التحركات الإماراتية في اتجاه فك الارتباط وردود الفعل المعاكسة من السعودية، تعني أن هناك أزمة صامتة بالتحالف العربي الذي تقوده المملكة في اليمن وتهيمن الإمارات على قوته في الجنوب، خصوصًا وأن أبو ظبي تعد اللاعب الأبرز في الجنوب، لاسيما في عدن والمكلا وحضرموت، كما أنها سعت لتعزيز نفوذها في مناطق أخرى، مثل جزيرة سقطرى، حتى إن البعض قرأ التفجيرات الأخيرة التي استهدفت بعض قوى المعارضة والقوات الإماراتية، من زاوية خطيرة تقول بأن من يقف وراءها هو تنظيم داعش بالاتفاق مع حزب “الإصلاح” الإخواني، وتقف خلفها السعودية، بهدف سحب بساط السيطرة العسكرية من تحت القوات الإماراتية، وبالتالي يصبح وجود الإمارات ضعيفًا إلى جانب وجود قوات سودانية لا دور حقيقيًا لها في المعادلة التي تريدها السعودية هناك.
هجوم إخواني
ما يدعم تلك الفرضية هو الحملة الكبيرة التي شنتها وسائل الإعلام التابعة للحزب خلال الأسابيع الماضية ضد الإمارات ومحاولتها تمييز الموقف الإماراتي عن موقف دول التحالف، خصوصًا وأن هناك خلاف فعلي بين الإمارات والمملكة حول دور “الإخوان” ونفوذهم بالجنوب، وجبهات المقاومة في مأرب وتعز، وكذلك حول وجودهم العسكري في الجنوب، وتحالفهم مع هادي والمجموعات المسلحة المدعومة سعوديًا، في مقابل بعض فصائل “الحراك الجنوبي” المدعومة إماراتيًا رفضًا لاستمرار الوحدة.
وسائل الإعلام الإخوانية باليمن لم تفوت بالطبع فرصة سحب الإمارات لعدد كبير من جنودها بعد الخسائر التي منيت بها، وأصدر الحزب بيانًا شديد اللهجة يغازل فيه المملكة العربية السعودية جاء تحت عنوان “حزم المملكة يصطدم بمشاريع محلية وإقليمية لا ترتقي إلى طموحات الشعب اليمني”، ولم يكن العنوان وحده هو المثير للأزمة، بل صراحة الهجوم على الإمارات واستغلال أزمتها الأخيرة مع المملكة كانت واضحة تمامًا، حيث جاء في البيان “اليوم نجد أن دولًا وأنظمة تعمل على إفشال المملكة من داخل منظومة التحالف العربي وذلك من خلال تنفيذ أجندة أقل ما يمكن وصفها بالمشبوهة والتي تهدف إلي إدخال المملكة في قضايا جانبية لا تخدم الهدف العام”.
ولم يشأ الحزب أن تمر الأزمة بين المملكة والإمارات دون أن يستفيد منها بأقصى استفادة فأكمل يقول في بيانه “إنهم – يقصد الإماراتيين – يدفعون بالأمور إلى الفشل الذريع، تارةً تحت مبرر الخشية من التيار الإسلامي! وطورًا تحت مبرر الحفاظ على التوازن، ولو على حساب بقاء الحوثي ونفوذه”، في إشارة واضحة إلى الإمارات، وموقفها من تيار الإخوان المسلمين الذي يمثله “الإصلاح” في اليمن.
اتهامات صريحة
الأغرب في بيان “الإصلاح” كان الاتهام الصريح للإمارات بالوقوف خلف عمليات الاغتيالات والتصفيات في عدن في محاولة لخلط الأوراق! على الرغم من أن الوقائع تشير إلى أن الشخصيات التي تمت تصفيتها ليست محسوبة على “الإصلاح”، ولا على التيار الموالي لهادي والسعودية، بل العكس تمامًا.
بيان الإصلاح حول الدور الإماراتي المشبوه في الجنوب أيضًا له ما يبرره، خصوصًا بعد تغير لهجة الإمارات تمامًا من الحملة العسكرية على صنعاء بعد زيارة نائب الرئيس اليمني المقال بحاح للإمارات في أغسطس من العام الماضي، وهو الموقف الذي عبر عنه المغرد السعودي الشهير “مجتهد”، حيث كشف في 24 يوليو الماضي، أي عقب تحرير عدن عن اتجاهات سعودية إماراتية لإعادة تقسيم اليمن، قائلا:ً “رغم وجود تصرفات مريبة من قبل الإمارات تجاه اليمن وقضايا أخرى فإن السعودية تغض الطرف بسبب العلاقة الخاصة بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان”.
فيما رصدت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في تقرير لها بوادر انفصال جنوب اليمن وانقلابه على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والتحالف الذي تقوده السعودية، وأشارت إلى انتشار الفوضى وانعدام القانون في المناطق الجديدة المحررة، في ظل صعود نجم تنظيم القاعدة مجددًا، مستفيدًا من فراغ السلطة في محافظات الجنوب بعد انسحاب الحوثيين.
خطة مكشوفة
الأمر إذًا بات مكشوفًا ، فالإمارات مارست ضغوطًا قوية على هادي وقت تشكيل الحكومة، لإجباره على إجراء تعديلات وزارية، لإعادة رسم خارطة النفوذ في الحكومة، حيث تم تسليم المناصب الرئيسية لممثلي أحزاب أقل شأنًا وتمثيلًا في البرلمان من حزب الإصلاح، المعبر عن التيار الإخواني، الذي تعاديه في كل المنطقة، وبادرت أبوظبي في خضم المواجهة العسكرية بالتنسيق مع واشنطن، لتغيير مسار المعركة باتجاه محاربة الإرهاب، وليس التحرير من الانقلاب الحوثي وإعادة الشرعية، بل أنها غضت الطرف عمدًا عن تورط عناصر حراكية متطرفة ومرتبطة بإيران، في عملية تفريغ شاملة لمدينة عدن، من سكانها المنحدرين من أصول شمالية، وبالأخص من محافظة تعز المجاورة، كتوطئة وتمهيد للانفصال، ليس حفاظًا على المصلحة الجنوبية كما قال “خلفان”، ولكن لتفريغ هذا الجزء الجنوبي من أي تواجد لتيارات الإسلام السياسي خصوصًا إخوان الإصلاح، مع ضمان عدم السماح بإنشاء منطقة حرة وميناء، قد يؤدي إلى تعطيل المصالح التجارية لمناطقها الحرة، والتأثير على كونها مركز ترانزيت عالمي.