شهدت تونس منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة حضارة تعاقب العديد من الثقافات والديانات بأرضها المتسمة منذ الأزل بالتسامح واحترام الآخر في كنف السلم والحوار بعيدًا عن التطرف والهمجية، ومن هنا شهدت أهم شوارع مدينة تونس وضواحيها وجود عدد غير قليل من الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية المتجاورة جنبًا إلى جنب مع المساجد والجوامع الإسلامية الداعية لتوحيد رب العالمين، ولم يتسبب هذا التجاور في أي خلاف على مدى تاريخ تونس بل كان على العكس مدعاة للفخر حول الاحترام الذي تحظى به الأقليات الدينية في تونس وحول مدى تقبل التونسي المسلم لغيره من الأديان، فرغم اختلاف الأديان يبقى التونسي تونسيًا وله كل الحق في ممارسة واجباته وحقوقه الدينية شريطة أن تكون تحت رعاية الدولة وفي نطاق القانون.
ويعتبر عدد المسيحيين في تونس حوالي خمس وعشرين ألف مواطن وهم الناطقون بالعربية وأيضًا من المنحدرين من أصول أوروبية وينتشرون في مختلف أنحاء البلاد، أغلبهم من المسيحيين الكاثوليك حيث يمثلون نحو 22 ألفًا من المسيحيين التونسيين فيما يمثل البروتستات نحو ألفي مواطن وصل الإحصائيات أن أغلبهم كانوا مسلمين تحولوا إلى المسيحية، أما بالنسبة لليهود المتواجدين في تونس فيستقر معظمهم في جزيرة جربة في أقصى الجنوب التونسي وضاحية حلق الوادي ولافيات في العاصمة، وحسب آخر الإحصائيات سنة 2003 فعددهم يقارب 1500 يهودي بعد أن كانوا سنة 1956م حوالي 57792 مواطن ويمثلون 1.5% من سكان تونس قبل هجرة أغلبهم إلى الكيان الصهيوني.
وسنعرض لكم في هذا التقرير أهم الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية التي توجد في تونس والتي بقيت إلى اليوم شاهدة على تعدد الحضارات والديانات التي مرت على تونس.
الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية
تقع هذه الكنيسة في وسط العاصمة التونسية تونس وبالتحديد في شارع روما، تم تشييدها في عهد محمد الصادق باي حوالي سنة 1279هـ/ 1862م، بمبادرة من وزيره الأول مصطفى خزندار حتى يكون مكان عبادة للجالية اليونانية الأرثوذكسية، وتسهر على إدارة هذه الكنيسة السفارة اليونانية بتونس، وتشهد سنويًا الاحتفال بعيد العنصرة بمشاركة العديد من الوجوه السياسية والحكومية، وهو عيد مسيحي يحتفل به بعد عيد الفصح بخمسين يومًا ويقصد به بحسب رواية سفر أعمال الرسل حلول الروح القدس على تلاميذ المسيح بعد صعود يسوع بعشرة أيام.
الكنيسة الأرثوذكسية الروسية
تقع هذه الكنيسة في شارع محمد الخامس بالعاصمة تونس وتم تشييدها بين سنتي 1954 و1957، بإشراف المهندس المعماري “كوسمين” ومهندس البناء “لاقودوفسكي”، وقد جاء تصميمها على شكل بناية ببلدة صغيرة تقع جنوب موسكو اسمها “فلاديميرو سوز دالسكي”، وتمتاز هذه الكنيسة بقباب مستديرة تبدو إلى جانب النخيل الموجود على طول شارع محمد الخامس.
وتقيم هذه الكنيسة الدليل على وجود جالية صغيرة من اللاجئين الروس البيض بتونس، وقد تعرضت الكنيسة بعد الثورة إلى تهديدات غير جدية من بعض المتشددين الذين تركوا رسالة لتحديد مرتادي الكنيسة، لكن التحريات الأمنية أثبتت أن تلك التهديدات لم تكن جدية ولم ينجر عنها أي تهديد صريح.
كاتدرائية القديس لويس
توجد هذه الكاتدرائية في ضاحية بيرصة قرطاج الضاحية الشمالية لتونس العاصمة تحديدًا ربوة بيرصة بقرطاج، تسمى كاتدرائية القديس لويس أو كاتدرائية قرطاج وتعرف أيضا بالأكروبليوم، وهي كاتدرائية كاثوليكية تقع على ربوة بيرصة في قرطاج، تم بناؤها بين 1884 و1890 زمن الحماية الفرنسية على تونس بجانب مصلى يرجع بناؤه إلى سنة 1840.
سميت الكاتدرائية باسم لويس التاسع ملك فرنسا، الملقب بالقديس لويس والذي توفي في قرطاج أثناء الحملة الصليبية الثامنة سنة 1270، وتبلغ مساحة الكاتدرائية، التي يطغى على طرازها المعماري، الطابع القوطي والبيزنطي، 1200 مترمربع.
أصبحت الكاتدرائية في أواخر القرن التاسع عشر مقرًا لجثليق إفريقيا “الكاردينال لافيجري” الذي أصبح راعيًا لأبرشية قرطاج عند إنشائها سنة 1881، والذي لعب دورًا كبيرًا في حملات التبشير الفرنسية في إفريقيا، واحتضنت الكاتدرائية سنة 1930 المؤتمر الأفخارستي بقرطاج، ولم تعد الكاتدرائية تحتضن أي مراسم للعبادة وقد أصبحت منذ سنة 1993 فضاءً ثقافيًا وسياحيًا تحت اسم “الأكروبوليوم”.
الكنيسة الأنغليكانية سان جورج :
يقع هذا المعبد المعروف باسم “الكنيسة الأنغليكانية” في ملتقى نهج أحمد بيرم ونهج باب قرطاجنة خارج سور المدينة، وقد أمر رمضان باي ببنائه حوالي سنة 1109هـ/ 1696م لدفن جثمان أمه “ماري” البروتستانتية والتي هي من أصل إيطالي، ثم تشكلت حول الكنيسة تدريجيًا مقبرة لدفن البروتستانت والقناصلة الإنجليز الذين كانوا يدينون بنفس المذهب.
وفي سنة 1265 هـ/1848م، أمر المشير أحمد باي الأول بإعادة بناء هذا المعبد وتوسيعه ليكون على هيئته الحالية، وقد تم نقل القبور إلى أماكن أخرى، وما زالت الطقوس الدينية تقام بهذه الكنيسة إلى يومنا هذا وتسهر على إدارته السفارة البريطانية بتونس.
الكنيسة القديمة سانت كروا :
تعتبر هذه الكنيسة أقدم كنيسة مسيحية في البلاد، شيدت سنة 1073هـ/ 1662م من قبل أفراد الجالية المسيحية الأجنبية، وكانت تشتمل إضافة إلى قاعة العبادة، على مستشفى مجاور للبناية معد لعلاج المساجين الذين يدينون بنفس الديانة.
وفي سنة 1265هـ/ 1848م، أمر أحمد باشا الأول بترميمها وبتخصيص قطعة أرض متاخمة لها قصد توسيعها (كنيسة ودير)، وعلى إثر بناء كاتدرائية تونس سنة 1897، فقدت الكنيسة القديمة وظيفتها الأساسية المتمثلة في إحياء مراسم العبادة، وبأمر من الكردينال “لافيجري” تم إبطال قداستها.
كنيس الغريبة أو معبد الغريبة اليهودي
يقع هذا الكنيس اليهودي في جزيرة جربة جنوب تونس وبالتحديد في قرية صغيرة كانت ذات غالبية يهودية في الماضي وتسمي “الحارة الصغيرة”، حاليًا يطلق عليها “الرياض”، وهي تبعد عدة كيلومترات جنوب غرب حومة السوق وهي عاصمة جربة وقد تعرض هذا الكنيس لهجوم إرهابي في سنة 2002.
ويعود تاريخ هذا الكنيس إلى ما يزيد عن 2500 عام، وهو أقدم كنيس في إفريقيا وأحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، ويعتبر الكنيس مزارًا سياحيًا يزوره مئات اليهود كل سنة للتبرك بالتوراة الموجودة فيه والتي تعتبر أيضًا الأقدم في العالم والمشاركة في طقوس دينية نادرة الحدوث في بلد عربي، وتم تسمية هذا المعبد بالغريبة بحسب الروايات على علاقة بحكاية بامرأة كانت غريبة على أهل الجزيرة نجت بأعجوبة من حريق، وأصبح الناس فيما بعد يتباركون بها ويتوجهون إليها طلبًا للشفاء من العقم.
ويتسم المبنى من حيث الهيكل والألوان بطابع عربي، ولدى دخوله يطلب من النساء تغطية رؤوسهن ومن الرجال وضع القبعة السوداء الصغيرة التي يرتديها اليهود، كما يطلب من الجميع نزع أحذيتهم.
البيعة اليهودية أو كنيس تونس
ويعتبر هذا الكنيس أكبر كنيس يهودي يقع في العاصمة التونسية، وقع تصميمه من طرف المهندس فيكتور فالنزي على أرض تقع على شارع الحرية بالعاصمة تونس وقد استغرق بناءه أكثر من خمس سنوات بين يونيو 1933 وديسمبر 1938 لتعويض البيعة القديمة بحارة الحفصية، وهو من إنجاز المهندس المعماري فيكتور فالنزي.
أصبح الكنيس المعبد الرئيسي ليهود تونس في العاصمة عوضًا عن كنيس الدروج الذي كان يقع في حي الحفصية، وقع إضرام النار في مبنى الكنيس من طرف متظاهرين غاضبين في 5 يونيو 1967 في بداية حرب الستة أيام، وشهد الكنيس أشغال ترميم في 1966 و2007، وتقوم الشرطة التونسية بحراسة الكنيس وقد ازدادت التدابير الأمنية حول المبنى في السنوات الأخيرة خصوصًا بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 وتفجير كنيس الغريبة في جزيرة جربة عام 2002.