بعكس ما قد يتخيله أكثر الناس، فإن إنتاج الـ”بيوجاز” ليس اختراعًا جديدًا، حيث إن إنتاج الغاز من المخلفات أو من النفايات العضوية يعود إلى أكثر من 200 عام، فقد قام عالم إيطالي بالاستفادة من غاز المستنقعات، ولكن محاولة إنتاج الغاز من روث الحيوانات تمت قبل حوالي 130 عام على يد الكيميائي الفرنسي لويس باستور، الذي اخترع عملية “البسترة”، ولكن أزمة النفط في سبعينات القرن الماضي أدت إلى ما يسمى بـ Biogasboom، حيث لقيت فكرة البيوغاز رواجًا عالميًا لم تكن قد حظيت به من قبل.
منذ ذلك الحين والشعوب تتفنن في استخدام بقايا الطعام والنفايات العضوية في إنتاج البيوغاز، حتى إن بعض الإحصائيات تشير إلى وجود مليوني وحدة إنتاج بيوجاز منزلي في الهند وحدها، أما في الصين فهناك 25 مليون وحدة، بينما وللأسف في العالم العربي لا زالت الفكرة لم تنتشر كما يجب ولكنها تستخدم في سوريا، مصر وفلسطين كما سنرى في التقرير التالي.
في ريف إدلب… غاز “الثورة”
يؤكد الدكتور جهاد الإبراهيم أن فكرة إنتاج البيوغاز من المخلفات العضوية موجودة في العالم العربي، فهناك تجارب للاستفادة من هذه التقنية في الأردن، كما أن جامعة النجاح في نابلس قامت بتوزيع أكثر من 100 وحدة في داخل فلسطين، كما أنه يشير إلى أنه شاهد حوالي 40 وحدة من وحدات البيوغاز – الغاز الحيوي – في بعض المزارع في منطقة السويداء في سوريا، ويؤكد أن كل بقرة يمكنها أن تنتج “جرّة غاز”، حيث إن 100 بقرة يمكن أن تنتج 100 جرّة.
في تقرير للجزيرة نت، يروي خالد الحلاق من ريف إدلب الجنوبي كيف بدأ بإنتاج الغاز الحيوي من “الروث” بعد أن ارتفعت أسعار الغاز والمازوت خلال الثورة، والتي وصلت إلى 1700 ليرة سوريا (حوالي 7.7 دولار) للأسطوانة الواحدة، وهو مبلغ مُكلف بالنسبة للكثير من العائلات السورية في تلك المناطق، وبالتالي فقد لاقت الفكرة رواجًا لدى الكثير من الفلاحين حتى استغنوا تمامًا عن المحروقات وأسطوانات الغاز التقليدية.
الصعيدية… مُهندسة البيوغاز
في صعيد مصر، حيث يعاني الفلاح المصري من مشكلة الحصول على “أنابيب البيوغاز” قررت الصعيدية منى الخضيري أن تترك تخصصها في الهندسة المدنية لتتخصص في مجال الحصول على الطاقة المتجددة من وحدات البيوغاز المصغرة وقد حققت نجاحًا باهرًا واستطاعت بيع 90 وحدة في أقل من عام.
تُساعد شركة الخضيري للبيوغاز الفلاحين في صعيد مصر في الحصول على الغاز من روث المواشي، وبالنسبة لـ “منى” فإن فكرة إنتاج غاز من “الروث” هي أولى العقبات التي تواجهها في شركتها فهي تحتاج دائمًا إلى إقناع العملاء بأنه يمكنهم الحصول على الغاز من الروث.
تُقدّر كمية الغاز بحوالي أنبوبتين من أنابيب البيوغاز شهريًا إذا كان لدى الفلاح 3 رؤوس من الماشية، وهي أقل كميّة من الماشية يجب أن تتوفر كي يُصبح الاستثمار ناجعًا، والذي يمكن أن يصل إلى حوالي 1500 جنيه مصري، ثم بعدها يمكن للفلاح أن يستفيد من البيوغاز بشكل متواصل كما يمكن لهذه الكمية أن تزيد إذا ما زاد عدد الماشية وكبر حجم الهاضم الحيوي.
جدوى إنتاج الغاز الحيوي العائلي في فلسطين
في دراسة بعنوان “جدوى إنتاج الغاز الحيوي العائلي من النفايات العضوية الممزوجة في المناطق الريفية الفلسطينية”، أكدت الباحثة مدين حسن من جامعة النجاح في فلسطين، على ضرورة التشجيع على إقامة مشاريع الغاز الحيوي في الريف لتوفّر النفايات العضوية، ولأن التخلص من هذه النفايات يعود بأضرار سلبية على الفلاحين غالبًا، بيد أن التخلص من النفايات بواسطة الهواضم الحيوية له فوائد كثيرة.
بحسب الدراسة فإن بقايا الطعام أنتجت أكبر كمية من الغاز الحيوي مقارنة بروث الحيوانات وقش القمح الذي يعتبر مصدرًا سيئًا للغاز الحيوي، وبالنسبة لروث الحيوانات فإن روث الدجاج هو الأفضل ثم يأتي روث الأغنام والماعز في الدرجة الثانية وأخيرًا روث البقر.
وبحسب الدراسة فإنه “من المتوقع أن العائلة الريفية الفلسطينية سوف توفر شهريًا (23.07) دينارًا أردنيًا نتيجة استخدام الغاز الحيوي (بدلاً من الغاز الطبيعي) واستخدام المادة العضوية المهضومة كسماد عضوي فيما لو أقامت مشروع غاز حيوي حجم 9م³”.
وبعيدًا عن الدراسات الأكاديمية فإن “أم ثائر” لم تصدق نفسها كذلك في بداية الأمر عندما طُرحت عليها فكرة البيوغاز إلا أنها اليوم تعتبر من المروجين للتقنية بين جيرانها وأهل قريتها، حيث تسكن في قرية العوجا في الأغوار الفلسطينية وهي من المناطق المهمشة في فلسطين، حيث إنها تتبع إداريًا وعسكريًا لإسرائيل وهي معروفة بمناطق “جيم”.
بالنسبة لأم ثائر فإن وحدة البيوغاز لها فوائد جمّة، أبرزها أنها تريحها من جمع الخطب الذي كانت تسعى لجمعه كُل يوم كي تحصل على الطاقة الحرارية اللازمة للطبخ، ولكن مع وجود البيوغاز باتت تستفيد منه في إيقاد النار للطهي، وفوق ذلك فإن وحدة البيوغاز تزودها بالسماد وتوفّر عليها مبلغ أنبوبة الغاز التي يتراوح سعرها بين 62 و72 شيقلاً وهو مبلغ ليس بسيطًا بالنسبة لأم ثائر.
أما أحمد نوفل، من منطقة طول كرم في فلسطين، نشر من خلال حسابه على اليوتيوب