ترجمة وتحرير نون بوست
سلّمت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الشهر الدفعة الأولى من المركبات الـ762 المدرعة المضادة للكمائن والألغام، اختصاراً (MRAP)، للجمهورية المصرية مجانًا، حيث حصلت مصر على هذه المركبات المجانية علاوة على مبلغ الـ1,3 مليار دولار التي خصصتها إدارة أوباما كمساعدات عسكرية لنظام عبد الفتاح السيسي هذا العام، علمًا بأن البيت الأبيض رفض بأن يربط تسليم هذه الهبات بشرط تحسّن السجل المروّع الذي تحوزه مصر في مجال حقوق الإنسان، وهنا ينبغي علينا أن نتساءل، ألا ينبغي على أوباما أن يطلب من السيسي أن يفسّر علنًا كيف يتلاءم تسليم هذه المركبات مع “حرب الجيل الرابع”؟
قد لا يدرك معظم الأشخاص معنى هذا المصطلح، ما لم يكونوا على بيّنة بخطاب القادة العسكريين في مصر منذ انقلاب عام 2013؛ فحروب الجيل الرابع، كما أوضح السيسي ذات مرة لطلاب الأكاديمية العسكرية المصرية، تحدث عندما “يتم تسخير قنوات الاتصال الحديثة وعلم النفس ووسائل الإعلام لخلق الانقسامات والإضرار بمصر من الداخل”، وذلك وفقًا لما نقله موقع مدى مصر.
ولكن من هو العدو في هذه الحرب؟ وفقًا للجيش المصري، إنها الولايات المتحدة الأمريكية، ذات الدولة التي تزوّد الجيش المصري بتلك المركبات المدرعة المجانية وبمليارات الدولارات بشكل مساعدات عسكرية؛ ففي مارس المنصرم، أطلعت أكاديمية ناصر العسكرية التابعة لوزارة الدفاع البرلمان المصري حول الجيل الرابع من الحروب، ووفقًا للمخلص الذي نشرته مدى مصر، شملت الموضوعات المطروحة “الإستراتيجية الدفاعية لمصر والخطط الغربية لتقسيم الشرق الأوسط”.
على الجانب الآخر، بدت الآلة الإعلامية المؤيدة للنظام المصري أشد وضوحًا في هذا المضمار، حيث أشار شارل فؤاد المصري في مقال له بصحيفة ديلي نيوز مصر بأن “معظم منظمات المجتمع المدني تعمل لهدم الدولة من خلال الجيل الرابع من الحروب من أجل حفنة من الدولارات”، كما شرح عمرو عمار، وهو ضيف متكرر على شاشات التلفزيون، كيف كانت ثورة مصر الشعبية لعام 2011 في الواقع مؤامرة أمريكية لتدمير مصر لصالح إسرائيل، حيث أطلق تسمية “الربيع العبري” على ثورات الربيع العربي.
قد يعتبر البعض هذا الضجيج المناهض للولايات المتحدة باعتباره خطاب غير مؤذٍ مخصص للاستهلاك الداخلي، ولكن في الواقع الأمر ليس كذلك، وهذا واضح من خلال تصرف المؤسسة العسكرية المصرية بناء على تلك النظريات المناهضة للولايات المتحدة؛ فمن بين خطوات أخرى، أطلقت مصر هجومًا ضد المنظمات غير الحكومية التي يُزعم دعمها بالدولارات الأمريكية، وفي مارس، أعادت النيابة العامة المصرية فتح قضية عام 2011 ضد عدد من جماعات حقوق الإنسان ومنعت قادتها من مغادرة البلاد وطلبت من القضاة تجميد أصولهم الشخصية.
خلال الجولة الأولى من هذه القضية، استهدف النظام المصري مباشرة المنظمات الأمريكية، كالمعهد الجمهوري الدولي ومؤسسة فريدوم هاوس، وأجبرهم على إيقاف عملياتهم في مصر وسحب موظفيهم من البلاد، والآن، باشر النظام بمحاكمة أشخاص مثل حسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والذي فتح مؤخرًا ملف اضطهاد النظام المصري لمثليي الجنس، جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وبهي الدين حسن، مؤسس معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
قد يتساءل المراقبون المصرون لماذا يكرّس السيسي، الذي يدعي أنه يحارب تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من التنظيمات الجهادية المتطرفة، نفسه ونظامه لملاحقة النشطاء العلمانيين لحقوق الإنسان وكذلك الصحفيين والسياسيين اليساريين الذين يحتقرون وينتقدون الجهادية؟ الجواب بسيط، الأمر جزء من حرب الجيل الرابع؛ وفي نهاية المطاف، العدو في هذه الحرب ليس التطرف السني، بل الليبرالية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
الأمر كما يراه الجنرالات المصريون هو أنهم يستخدم الدبابات، المركبات المضادة للألغام، وطائرات الإف 16، التي قدمتها واشنطن، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء، وفي الوقت عينه، يتم توجيه أجهزة الاستخبارات المصرية وأعضاء النيابة العامة لمهاجمة العناصر الأمريكية المخرّبة في القاهرة، والأمران ليسا متناقضان، طالما لم تعترض الإدارة الاميركية، لم تتوقف المساعدات العسكرية، ولم تنبس إدارة أوباما ببنت شفة، بل في الواقع، طلبت الأخيرة من الكونجرس رفع كافة الاشتراطات السياسية واشتراطات حقوق الإنسان على المساعدات العسكرية لمصر في ميزانية العام المقبل.
ولكن تكمن المشكلة في أن دعم الولايات المتحدة للجيش المصري يقوّض العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر؛ فأنصار العلمانية الديمقراطية وحقوق الإنسان، حلفاء أمريكا الطبيعيين، يتم سحقهم واعتقالهم بل وحتى قتلهم في مصر، وفي الوقت عينه، يتم شحن المصريين بالدعاية الإعلامية الرسمية التي تصف الولايات المتحدة كراعٍ لمؤامرة واسعة لتقسيم وتدمير البلاد، ومن وجهة نظر واشنطن، يبدو الأمر وكأنه ضعف في عائدات أحد أكبر برامج المساعدات العسكرية في العالم.
لهذا السبب اقتراح عليّ أحد الناشطين المصريين عرضًا وديًا مؤخرًا، حيث قال لي بأن نتوقف عن محاولة وقف الحملة الشعواء التي يشنها السيسي على المعارضة السلمية، ملاحقته للصحفيين، وإغلاقه للمنظمات غير الحكومية، ولكن على الأقل، فلننصح الجنرالات الأمريكيين أن يشرطوا المساعدات الأمريكية في المستقبل ببيان تذيعه أدوات السيسي الإعلامية باللغة العربية، يؤكد للمصريين بأن الولايات المتحدة لا تخطط لتدمير البلاد، وليس لها أي علاقة بـ”حرب الجيل الرابع”، وفي الواقع، لا يبدو هذا الطلب ثقيلًا مقابل تسليم 762 مركبة مدرّعة بالمجان!
المصدر: الواشنطن بوست