ترجمة حفصة جودة
بعد هبوط حاد، بدأت أسعار النفط بالارتفاع مرة أخرى على خلفية عودة الطلب من الصين والهند على وجه الخصوص، بينما يلوح في الأفق نقص الاحتياطي من نيجيريا وحتى فنزويلا، إلا أن أسواق النفط تسير في طريق وعرة، مع تزايد الشكوك بشأن هيمنة النفط المستمرة في العقود المقبلة، كما هو الحال في وقود وسائل النقل.
يؤدي هذا الاعتماد المتسارع على السيارات الكهربائية إلى سرعة انتهاء عصر النفط، وقد يتسبب في اضطرابات جيوسياسية كبيرة، حيث ستعاني البلدان المنتجة والتي تعتمد على عائدات النفط بشكل كبير من أجل تنويع اقتصاداتها، ونحن نشهد بالفعل آثار هذا الانخفاض في أسعار النفط على منطقة الشرق الأوسط، كما أن سلوك روسيا العدواني يمكن تفسيره جزئيًا بأنه مخاوف اقتصادية محلية.
للوهلة الأولى يجب على منتجي النفط أن يكونوا غير قلقين، حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه قبل نهاية هذا العقد، سوف ترتفع أسعار النفط بزيادة 80 دولارًا مع استمرار ارتفاع الطلب، وحاجة مصادر الإمدادات الجديدة إلى تقديم إنتاج يحل محل المصادر المستنفدة.
وبحلول عام 2030، سوف نحتاج إلى 40 برميلاً يوميًا من إنتاج النفط الخام الجديد، لتعويض الانخفاضات وتلبية الطلبات الجديدة، ووفقًا لشركة الاستشارات “IHS”، هناك الكثير من المساحة للطلب على النفط بالنسبة لنمو الاقتصادات الناشئة، فالهند لديها فقط 17 سيارة ركاب لكل 1000 شخص مقارنة مع 540 في ألمانيا.
لكن ماذا لو كان الانتقال من محرك الاحتراق الداخلي – أساس الطلب العالمي من النفط – إلى السيارات الكهربائية، أسرع من المتوقع؟ ماذا لو انتشرت المركبات الكهربائية بنفس سرعة انتشار الهواتف الذكية وتغلغت في سوق المركبات بشكل سريع وعميق؟ ما تأثير ذلك على طلب النفط والدول المنتجة؟ وكيف سيؤثر ذلك على استقرار الاقتصاد المحلي في الدول التي تعتمد على عائدات النفط مثل السعودية وروسيا؟
تمثل السيارات الكهربائية ما يقل عن 1% من سوق السيارات العالمي اليوم، وتؤمن “أوبك” أنها لن تمثل أكثر من 1% من جميع السيارات حتى عام 2040، لكن يبدو أن الأمر لن يكون كذلك، حيث تعتقد شركة “Bloomberg New Energy Finance” (BNEF) بأن عام 2020 سوف يكون بداية عصر السيارة الكهربائية.
وإزاحة الستار عن سيارة تيسلا موديل 3؛ يبشر بعهد جديد من السيارات الكهربائية بأسعار معقولة للطبقة المتوسطة، وطبقًا لـ “BNEF” فمن الممكن أن تحل السيارات الكهربائية محل الطلب على النفط بمعدل 2 مليون برميل مبكرًا في 2023 (على افتراض تحقق زيادة مطردة بنسبة 60% في انتشار السيارات الكهربائية)، أو 2028 (بمعدل 45%) وهذا من شأنه أن يخلق وفرة في المعروض من النفط، مماثلة لتلك التي دفعت لانهيار أسعار النفط عام 2014.
علاوة على ذلك، قدرّت دراسة أجرتها كامبريدج إيكنوميتركس حول مستقبل أسواق النفط بأن مناخ العمل، مثل تحسين معايير الكفاءة في استهلاك الوقود واتخاذ تدابير لتسهيل انتشار المركبات الكهربائية، قد يقلل من الطلب على الوقود بمعدل 11 مليون برميل يوميًا عام 2030، و60 مليون برميل عام 2050، مقارنة مع سيناريو العمل المعتاد بالنمو من 94 مليون برميل يوميًا عام 2015 و112 مليون برميل عام 2030، و151 مليون برميل بحلول عام 2050، الانخفاض الحاد في الطلب سوف يؤدي إلى انخفاض الأسعار (بنسبة 24% ثم 33% على التوالي).
ينبئ الأمر بصعوبات جمة لمنتجي النفط، الذين وقع بعضهم بالفعل في ضائقة مالية شديدة نتيجة الركود الحالي، حيث يبلغ سعر التعادل لدى بعض المنتجين حوالي 100 دولار أو أكثر للبرميل، كما حذر وزير المالية الروسي من استنفاد صندوق الاحتياط عام 2016 إذا ظلت أسعار النفط عند مستواها الحالي، حيث تشكل المنتجات البترولية 54% من صادرات روسيا و21.3% من إجمالي الناتج المحلي، وبلغت نسبة العجز في موازنة السعودية 21% عام 2015، وفي فنزويلا وصل العجز إلى 24% من إجمالي الناتج المحلي، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العام بينما تترنح البلاد على حافة الانهيار.
وبالرغم من معاناة الدول المنتجة فيما يتعلق بالأهمية الشاملة للنفط في اقتصادها، فأكثر الدول تعرضًا لذلك هي دول الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يمثل النفط 56.8% من إجمالي الناتج المحلي في السعودية، 55.6% في العراق، 45.7% في ليبيا، 29.6 في إيران، وتعتمد أنغولا وغينيا الاستوائية والغابون وجمهورية الكونغو على النفط بأكثر من 50% من إجمالي الناتج المحلي.
وبينما بدأت بعض الدول في التفكير بشكل جدي في تنويع اقتصادها مثل رؤية السعودية الطموحة لعام 2030، تفتقر معظم الدول الأخرى إلى الإرادة السياسية والقدرة على النهوض وتقديم خطة طويلة المدى للإصلاح الاقتصادي، ونظرًا للأهمية المحورية للعديد من تلك الدول وتداعيات عدم استقرارها لفترة طويلة، فيجب على المجتمع الدولي المشاركة بنشاط في تحديد وتنفيذ سياسات التنويع، كما أن صندوق النقد الدولي في وضع جيد لتقييم وتقديم الطرق المؤدية لنماذج أكثر استدامة في النمو الاقتصادي، كما ينبغي أيضًا بحث أهمية وضع مفهوم دولي للاستقرار وإنشاء صندوق مساعدة للدول التي يعتمد اقتصادها على النفط بشكل كبير.
يعتبر الحد من الطلب على النفط من خلال تسريع انتشار السيارات الكهربائية عالميًا عنصرًا رئيسيًا في جهود الحد من تغير المناخ، الحد من الطلب على النفط قد يكون أيضًا هدية للاقتصاد العالمي ولكبار المستهلكين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، وعليه فنحن بحاجة لتوقع التداعيات الجيوسياسية لانهيار أسواق النفط، ويجب أن تتضافر الجهود المبذولة للتخفيف من آثار ذلك المزعزعة للاستقرار.
المصدر: ناشونال إنترست