كانت تلك الرسالة التي دعاني والدي بإلحاح لأقرأها بلا تأخير أو تأجيل: رسالة مانديلا إلى الثوار العرب. الرسالة التي ختمت بعبارة ملهمة: (واستحضروا قول نبيكم: اذهبوا فأنتم الطلقاء) بدت مهدئة ومقنعة ولكني لم أتوقع أن يصغي لها أحد يومها فنفس التسامح فيها لا يشفى غليل الشباب الثائر.
وفعلاً لم يصغي لها أحد ولا حتى أنا التي غضبت -قليلاً- للطريقة التي قتل فيها ثوار ليبيا القذافي، ولكني قلت في نفسي: ذلك أفضل، فقد أخذوا بثأرهم !
حين نشرت الرسالة في يوليو ٢٠١١ اهتمت كثير من الصحف العربية بإعادة نشرها والاحتفاء بها، وبعد وفاة الرجل قبل يومين أعادت صحف كبيرة نشرها مرة أخرى احتفاء بفكر الرجل في يوم وفاته. قد يكون ذلك من باب ذكر محاسن الموتى! وأذكر من هذا الصحف: الوفد
https://bit.ly/1geiJlr والقدس العربي https://bit.ly/1bmORLI وإيلاف https://shar.es/DFTiz وحتى العربية.ونت https://bit.ly/1ghn6wb التي نشرته نقلاً عن الدستور الأردنية.
المفارقة أني بعد شهور من تلك الحادثة اكتشفت أن الرسالة متخيلة ومختلقة من قبل مذيع ومراسل الجزيرة: أحمد فال الدين وقد كتبها مستعيناً بفكر مانديلا ومتخيلاً موقفه من الربيع العربي.
لم يكن التثبت من ذلك مهمة صعبة، احتجت فقط إلى تتبع أول مصدر نشر الرسالة عن طريق جوجل ووصلت إلى مدونة فال الدين https://bit.ly/IwLT0J.
وهذا يعني أن الرسالة لا يمكن أن يكون لها وجود بالإنجليزية أو أي لغة أخرى كما ادعت كثير من الصحف العربية التي ما زالت تنشر الرسالة على أنها من رسائل مانديلا وتقول ببجاحة أن هذا هو نص الرسالة المترجمة عن الإنجليزية.
تبرز هنا أسئلة مهمة جداً: أين هي أخلاقيات المهنة في التثبت من المصادر وحفظ حقوق النشر والاقتباس؟ أعني حق فال الدين الذي نقلت مقالته بحذافيرها بدون إشارة له وحق آلاف القراء الذين تم تضليلهم من قبل صحف تدعي ممارسة الصحافة وهي منها براء!؟ وأين هي المؤسسات المستقلة من رصد أخطاء الإعلام العربي الكارثية؟ ثم أخيراً والسؤال لكم: إذا كان هذا الخطأ هفوة من هفوات إعلامنا العربي فما شكل الأخطاء يا ترى وما تأثيرها على حياتنا ووعينا؟!