اختتم معارضون عراقيون بالأمس مؤتمرًا تأسيسيًا لما وصفوه بـ “المشروع الوطني العراقي” في العاصمة الفرنسية باريس، وأعلنوا عن تشكيل لجنة مركزية يترأسها جمال الضاري رئيس منظمة “سفراء من أجل السلام في العراق”.
كان المؤتمر مؤتمر المعارضة العراقية قد انطلق بحضور عدد من النخب العراقية من داخل العراق وخارجه الرافضة للعملية السياسية بشكلها الحالي في العراق، وذلك بهدف إعداد رؤية وطنية بديلة لإنقاذ العراق، بحسب تصريحات الحضور لوسائل الإعلام.
مثل هذه المؤتمرات تشهد لأول مرة اهتمامًا غربيًا خاصًا حيث حضر افتتاح المؤتمر رئيس وزراء فرنسا السابق دومينيك دو فيلبان، ومن الولايات المتحدة عسكريون متقاعدون ونواب في الكونغرس سابقون مثل ديفيد ولدن وبرلدلي بلاك مان ويرالد ويلر، وكذلك الأدميرال وليام فالون، وديفيد ريفيرا، وممثين كثر عن وسائل إعلام غربية.
افتتح الشيخ جمال الضاري المؤتمر بشرح مشكلات العراق الحالية، لا سيما الدور الإيراني وخطر الميليشيات الطائفية التابعة لطهران، مطالبًا المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه القضية العراقية، مع الإشارة إلى ضرورة إيجاد مشروع وطني عراقي يتخطى الوضع الراهن في العراق.
كذلك تحدث رئيس وزراء فرنسا السابق، دومينيك دو فيلبان، عن وضع العراق الحالي وضرورة الاهتمام بالمشكلة العراقية بالتحديد في هذا الوقت كبداية منطلق لحل مشاكل الشرق الأوسط، حيث انتقد دو فيلبان الدور الغربي في العراق وبالتحديد الأمريكي، لما أحدثه بالعراق منذ الإحتلال عام 2003، كما تحدث عن الدور الإيراني السلبي والخطر الطائفي، منوهًا عن أهمية العمل السريع لانقاذ الوضع في العراق.
في النهاية أعلن القائمون عن المؤتمر عن ولادة التنظيم الذي يقولون عنه إنه يتطلع إلى جمع القوى السياسية الرافضة للعملية السياسية الجارية في العراق الآن، حيث وصف جمال الضاري في مؤتمر صحفي الكيان السياسي الوليد بأنه “عابر للطوائف ومنفتح على الجميع”.
وأشار الضاري إلى أن أكثر من مئتي شخصية وطنية بينها رؤساء عشائر من مختلف مناطق العراق كان يفترض مشاركتهم في المؤتمر إلا أن ظروفًا تتعلق بمنح التأشيرات حالت دون وصولهم إلى فرنسا.
وأعلن البيان الختامي للمؤتمر عن الإعداد لمؤتمر أوسع في غضون الشهرين القادمين، ودعا التجمع الجديد إلى “تغيير العملية السياسية الفاشلة في العراق”، حسب البيان.
من يقف خلف هذا التجمع؟
الواقع يقول أن ثمة إرادة حقيقة لدى بعض الأطراف الإقليمية للتدخل في الملعب العراقي والحد من نفوذ لاعبين تقليديين كإيران والولايات المتحدة الأمريكية، يُرجح أن تكون فرنسا أبرز القوى التي تريد ذلك، لذلك قامت باستضافة مثل هذا المؤتمر لتغيير خريطة القوى في بغداد الخاضعة للنفوذ الإيراني في المقام الأول ثم الأمريكي في المرتبة الثانية بحكم الاحتلال السابق.
على جانب آخر يُشير البعض إلى وجود يد خليجية في هذا المؤتمر عملت على دعمه منذ البداية، بقيادة قطرية وبرضا سعودي أيضًا، حيث حاولت الدوحة منذ أشهر عقد مؤتمر مماثل لكنه لم ينجح بهذه الصورة.
بينما حاولت الحكومة العراقية منع المؤتمر من الانعقاد، حيث نقلت مصادر إعلامية أن بغداد بعثت مسؤولين رسميين على رأسهم فالح الفياض مستشار الأمن الوطني العراقي وعدد من القادة الأمنيين إلى باريس قبل نحو أسبوعين، حيث عقدوا اجتماعًا مع الجانب الفرنسي لمنع إقامة مؤتمر للمعارضة العراقية على الأراضي الفرنسية.
لكن الحكومة الفرنسية رفضت طلبهم، بعدما صرح لهم وزير الخارجية الفرنسي بقوله : نحن دولة ديمقراطية ونسمح بالآراء المتعددة، كما أضاف: (أيام النظام السابق أعطيناكم فرصتكم كمعارضة لإقامة مؤتمرات ضد نظام صدام حسين، وأخذتم فرصتكم في الحكم بما فيه الكفاية، فأوصلتم العراق إلى ما أوصلتموه إليه، دعوا المعارضة تأخذ فرصتها اليوم).
كما أضافت نفس المصادر أن الوفد العراقي طلب من السلطات الفرنسية تقديم إيضاحات عن مؤتمر المعارضة العراقية المقرر عقده في باريس ومنع إقامة هذا المؤتمر، وأبلغ الجانب الفرنسي أن مثل هذه المؤتمرات ستؤدي إلى إضعاف الجبهة الداخلية في العراق الذي يخوض حربا ضد تنظيم الدولة الاسلامية “داعش”.
لكن السلطات الفرنسية لم تستجب إلى طلبات الفياض ووفده، وذكرت أن المؤتمر الذي ستحتضنه باريس سيسعى إلى إيجاد صيغة مناسبة لخروج البلاد من أزمتها.
مآرب الداعمين
يرى مراقبون الدعم الفرنسي لهذا المؤتمر يأتي في إطار الغضب من سياسة واشنطن في العراق وسوريا، وهي محاولة لإيجاد مساحات فرنسية في القضية العراقية عبر إعادة تنظيم تيار معارض خارج الكتل الموالية للمعسكر الأمريكي والإيراني.
لا يبتعد هذا الهدف عن الهدف الخليجي وبالتحديد السعودي الذي يسعى لكسب نفوذ في مناطق الغريمة إيران، حيث تحاول السعودية زراعة نفوذ في العراق بصورة تعكر صفو الإيرانيين هناك، باستخدام نفس السلاح المذهبي، إذا يحتضن هذا المؤتمر بجانب المعارضين من سنة العراق وهم القوام الأساسي للحضور، بعض المراجع الدينية الشيعية المختلفة مع ولاية الفقيه في إيران.
حيث كان من بينهم السيد محمد الحسيني، المرجع الديني اللبناني الذي أكد أن “العراق يعيش احتلال نظام ولاية الفقيه ويعاني من الفتنة بسببه”
كما أكد أيضًا “أن لبنان بلا رئيس والعراق وسوريا تحت مبضع التقسيم، والنظام الإيراني يستفيد من الفوضى والمطلوبون للعدالة في لبنان إرهابيون”.
كذلك شهد المؤتمر حضورالأمير أنور معاوية زعيم طائفة الأيزيديين وهي رسالة فرنسية بالطبع أن المؤتمر يدعو إلى التعددية ولا يستخدم السلاح الطائفي.
أما عن المقاطعين فكان أبرزهم حزب البعث الذي حكم العراق قبل غزوه، ، كما قاطعت المؤتمر “هيئة علماء المسلمين” المعروفة بمواقفها المتشددة من الاحتلال الأمريكي، ومن العملية السياسية برمتها في العراق، كذلك قاطع المؤتمر جيش رجال الطريقة النقشبندية.
هذا الإطار الذي تتحرك فيه بعض أطياف المعارضة العراقية بدعم أوروبي فرنسي بالتحديد وكذلك خليجي متمثل في قطر والسعودية يهدف إلى اكتساب مساحة بعيدة عن نظام المحاصصة الطائفية المسيطر على العراق، لكن حتى الآن غير معروف مصير هذه المحاولات التي تسعى لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق وإعادة تشكيل النظام السياسي هناك، خاصة في ظل المعارك التي تخوضها حكومة بغداد على أكثر من جبهة أمام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وهو ما ربما سيجعل التعاطي الدولي مع هذه المبادرات بطئ للغاية خشية تمدد التنظيم على حساب الفوضى السياسية.