يشتعل العالم حاليًا بالعديد من الأزمات التي أوشكت على تحديد مصيره سواء بالاستمرار أو بالجمود والانهيار في ظل التغيرات المتلاحقة في البيئة الدولية، من أبرز هذه الأزمات المعضلة السورية والتي تمخضت عن المظاهرات الشعبية أسوة بدول الربيع العربي لتنقلب التظاهرات السلمية إلى حرب أهلية أوشك عامها السابع على البداية.
لكن ليست الأزمة السورية وحدها الموجوده حاليًا بالرغم من ارتفاع وتيرة أحداثها، فهناك الأزمة اليمنية والأزمة الليبية والمشكلة الأوكرانية وغيرها، لذلك يدور التساؤل لماذا تتصدر الأزمة السورية المشهد العالمي؟ أو بمعني آخر لماذا تستضيف سوريا كأس العالم؟ وللإجابة على هذا التساؤل سنتعرض له من عدة زوايا متباينة:
- الجغرافيا السورية
لا تضم سوريا أراضي صحراوية أو جبال شاهقة أو مرتفعات تسمح بحرب العصابات مثل ما حدث في أفغانستان أو ما يحدث في اليمن، وتقتصر الحرب في سوريا على حرب المدن أو المثل القائل “اضرب واهرب”، ورغم ذلك يوجد في سوريا مجموعة من الجبال الواقعة على الساحل السوري مثل جبال اللاذقية وجبال الزاوية في الشرق، وهذه الجبال مكسوة بالعشب الأخضر وبالتفاحيات وأشجار الزيتون أي أنها تمنح من يلجأ إليها أسبابًا للبقاء.
- اللاجئين
منذ بدايات الأزمة السورية انفجرت العديد من المشاكل التي صاحبتها أبرزها على الإطلاق مشكلة اللاجيئن السوريين الذين تدفقوا إلى دول الجوار مثل تركيا ولبنان ومصر، والتي أفضت إلى مشكلة أخرى وهي الهجرة إلى الدول الأوربية عبر تركيا، وبالتالي كانت قناة مهمة لنقل الأزمة السورية إلى العالم ومخاطبة المؤسسات الدولية من هناك، على العكس تمامًا اليمن لا تجد أي أصداء للاجئين يمنيين خارج حدود دولتهم، وبالتالي تبقى الأزمة اليمنية حبيسة أشبة بأزمة محلية وليست دولية.
- الموقع الجيوسياسي
تحتل سوريا موقعًا مميزًا في قلب العالم القديم إضافة إلى تجاورها مع إسرائيل وهو ما يعطي أبعادًا أكثر لسوريا وأزمتها الحالية ويفسر تصدرها للمشهد العالمي، بالإضافة إلى العوامل التاريخية والحضارية في الدولة السورية التي مر عليها ما يقرب من 20 حضارة منذ نشأتها.
- التوازنات الدولية
لعبت الأزمة السورية دورًا كبيرًا في إعادة صياغة النظام الدولي وأنهت نظام أحادية القطبية التي تمتعت به الولايات المتحده منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، ودخل العالم نظام ثنائية القطبية وقريبًا نهائية القطبية؛ فتشكلت قوى جديدة: أ- إقليمية: ومن أبرز الدول التي صعدت على رأس القائمة المملكة العربية السعودية التي أصبحت جزءًا من حل الأزمة بحسب سيطرتها ودعمها للمعارضة السورية، وقامت بتشكيل التحالف العربي ثم التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب وهو ما يبرز حالة الانفتاح التي تعيشها السياسية الخارجية للملكة واستعدادها لاختبار قدرة ميزانيتها الدفاعية الثالثة عالميًا، ب- دولية: تصدرت روسيا المشهد العالمي كطرف مؤثر في الأزمة لتحقيق بعض من أهدافها المعلنة والخفية وكسرت جمود ورتابة النظام العالمي للحصول على بعض الأهداف من أبرزها:
1- عند سؤال أوباما عن الوجود الروسي في شبة جزيرة القرم صرح بأن القرم ستبقي معرضة للهيمنة الروسية وهو ما يعطي اعتراف ضمني بقبول أمريكا للوضع الراهن في القرم وشرعيته، بالتالي كانت الأزمة السورية الأداة لقتل الأزمة الأوكرانية.
2- مثلت سوريا نموذجًا جيدًا ورخيصًا لمحاكاة الحرب للقوات الروسية واكتسابهم للخبرات الميدانية كما صرح بوتين لصحيفة أتلانتك.
3- أصبحت سوريا النافذة التي أطل منها الدب الروسي على المنطقة لعرض منظوماته وقدراته الدفاعية من أبرزها منظومة s400 وطائرات سو 35 التي اصطفت لها الدول الأوربية للحصول عليها على حد تصريح وزارة الدفاع الروسية.
مستقبل الأزمة ومستقبل العالم
لا توجد مبالغة في ربط مستقبل العالم بما يحدث في سوريا، فالهجمات الإرهابية التي تقع في أوروبا مثل هجمات بروكسل في بلجيكا هي انعكاس لتناول بروكسل للأزمة وذكرى مرور سنة على زيارة الوفد البرلماني البلجيكي لدمشق ومطالبته برفع العقوبات عن نظام الأسد وكذلك التمييز في استقبال لاجئين مسيحيين على قدر كبير من التعليم والثقافة.
ولعل من أبرز السيناريوهات المطروحة للأزمة مستقبلاً:
1- اتجاة كل الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات ومحاولة الوصول إلى نهاية درامية لحفظ ما تبقي من الدولة السورية ومن شعبها، وهذا السيناريو مستبعد تمامًا للحدوث جراء تمسك كل طرف بشروطه.
2- الضغط الدولي على الرئيس السوري بشار الأسد للتخلي عن السلطة كما حدث مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وهذا السيناريو لن يتم إلا باقتناع روسيا بتساوي المكاسب في حالة وجود الرئيس السوري أو بعد رحيله وهي مهمة شاقة للمجتمع الدولي.
3- اجتماع المعارضة تحت راية واحدة لكسب المزيد من الدعم اللوجيستي من كل الأطراف والتركيز على جبهة واحدة لإنهاء الحرب وهذا السيناريو هو أقرب للحدوث لإنهاء الحرب اللامتماثلة لصالح أي من الطرفين.
تتوقف حدوث هذه السيناريوهات على رغبة المجتمع الدولي في حل الأزمة وإدراكه ضرورة المشاركة بإيجابية وفاعلية للوصول إلى تسوية ترضي جميع الأطراف وخاصة الشعب السوري الممزق.