تُحلق على مدار الساعة في سماء قطاع غزة، طائرات تجسس إسرائيلية بيضاء اللون وكبيرة الحجم، تسمى “مناطيد” أو”طائرات الموت”، التي لطالما ارتبط اسمها بعمليات القصف والتسبب باغتيال وقتل المقاومين والفلسطينيين في قطاع غزة، دون رحمة.
طائرات الموت تنتشر على الحدود البرية الشرقية والشمالية لقطاع غزة وتحلق بعيدًا في السماء، ومثبتة بحبال قوية في الأرض، تعمل ضمن منظومة أمنية إسرائيلية تهدف إلى التشديد على قطاع غزة، ومراقبة الحدود بشكل كبير، وتقديم المعلومات والتقنيات الإلكترونية لتسديد الضربات العسكرية.
ووفقًا لما نشره موقع “المجد الأمني”، المقرب من الجناح المسلح لحركة حماس كتائب الشهيد عز الدين القسام، حول عمل هذه المناطيد المختصة بأمور المراقبة، أكد أن جيش الاحتلال ينشر على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة العشرات منها بهدف التجسس، حيث تمتلك تقنيات فائقة في عملية تعقب الأهداف.
ويشير الموقع ضمن المعلومات التي قدمها عن هذا السلاح الإسرائيلي، أنه لا يقل خطورة عن الرادارات والطائرات بدون طيار، وذكر أن البعض يستهين بها وبقدرتها الفائقة على التجسس وتعقب الأهداف، وأوضح أن حاجة الاحتلال الملحة لتأمين الحدود مع قطاع غزة، منع عمليات المقاومة قبل حدوثها، والحصول على المعلومات الأمنية وتحديثها، دفعها لاستخدام المناطيد، حيث تستطيع تغطية منطقة محددة على مدار 24 ساعة.
عيون إسرائيل على غزة
خلال شرحه لكيفية عملها قال الموقع الأمني، “يتم تحميل المنطاد على ظهر شاحنة ويؤخذ إلى المكان المناسب ويُرفع في خلال ساعتين، ويتم تثبيته بأسلاك سميكة في بعض الأحيان“.
بحسب المعلومات التي قدمها الموقع، ذكر أن البعض يعتقد أنه بكل سهولة يمكن إسقاط هذا المنطاد من خلال إصابته بإطلاق النار عليه وغيره، لكنه قال إن “هذا أمر صعب لأن غاز الهيليوم الذي يساعده على التحليق غير قابل للاشتعال، وحتى وإن حدث ثقب فيه لا يسقط لأن ضغط الهليوم داخل المنطاد هو ضغط الهواء نفسه في الخارج ولهذا فالغاز لا يندفع إلى الخارج”، وعن استخدامات هذه المناطيد ذكر أنها عديدة، وأنها تُستخدم للمراقبة المعقدة، وتصوير الأهداف بشكل دقيق جدًا يفوق قدرة الأقمار الصناعية في هذا المجال، بالإضافة إلى إمكانية التجسس على الاتصالات في المنطقة المستهدفة.
بالإضافة إلى ذلك، ذكر مميزاتها بأنها لا تصدر ضجيجًا مثل طائرات الاستطلاع، وأنها فعالة جدًا وخاصة في الأماكن التي لا يمكن فيها استخدام الطائرات، وأنه يمكنها البقاء في الجو لفترات طويلة تصل لأسابيع، وأنها أيضًا إضافة لذلك مزودة بكاميرات عالية الدقة تعمل بتقنية الجيجا بكسل ذات الوضوح الفائق.
ومن ضمن المميزات أن بعضها يعمل بنظام التصوير المباشر؛ حيث يتم نقل صورة حية للمنطقة والتعامل مع أي تهديد، وأنها أيضًا تعتبر مثل “الروبوتات” حيث تكون قادرة على العمل بنفسها إذا تطلب الأمر، إضافة إلى قدرتها على مساعدة قوات الاحتلال على تصويب الليزر الذي يوجه الصواريخ.
متابعًا، “أيضًا تكلفتها قليلة مقارنة بتكلفة عمل الطائرات، وأنها تستطيع العمل في ظل الغيوم الكثيفة”، لكنه قال إن “من بين عيوبها أنها تتأثر بهبوب العواصف الترابية والرياح القوية، إذ يصبح من الصعب إنزالها بسبب شدة الرياح وسرعة حركة السلك الذي يربطها، فضلًا عن احتمال اقتلاعها من مكانها“.
يشار إلى أن قوات الاحتلال تؤمن حدود غزة أيضًا بمنظومة رادار وكاميرات مراقبة إضافة إلى أبراج عسكرية، وطائرات استطلاع “بدون طيار”، وبعض تقنيات التصوير والمراقبة الأخرى غير المعلنة.
وتستخدم قوات الاحتلال تقنياتها هذه أيضًا في الحروب والهجمات على غزة، حيث توكل لأجهزة التعقب والمتابعة بما فيها الطائرات الاستطلاعية توجيه الصواريخ أو حتى ضربها، بعد أن زودت بعض طائرات الاستطلاع بالصواريخ المدمرة، وفي الحرب الأخيرة على غزة صيف عام 2014 التي شنتها قوات الاحتلال، استخدمت كل تقنياتها العسكرية في ضرب القطاع على مدار 51 يومًا.
وفي العادة تستخدم الطائرات بدون طيار في عمليات الاغتيال أو تدمير مبان صغيرة، في حين تلجأ لاستخدام الطائرات النفاذة في إحداث عمليات تدمير وقتل كبيرة، حيث استخدمتها في تدمير بعض الأبراج السكنية.
تخوف وقلق إسرائيلي
المختص في الشأن الإسرائيلي، وديع أبو نصار، رأى أن الحكومة الإسرائيلية الراهنة تواجه مخاطر ومخاوف حقيقية من تفاقم ظاهرة الأنفاق العسكرية الخاصة بالمقاومة الفلسطينية على حدود غزة أو أسفل المستوطنات المحاذية للقطاع، الأمر الذي يجبرها على تكثيف عملها الأمني على حدود غزة.
أبو نصار قال، “الحرب الأخيرة فاجأت إسرائيل وصدمت الشارع الإسرائيلي وكافة مستوياته الأمنية والسياسية، بعد أن تبين أن هناك عشرات الأنفاق وليس واحد أو اثنان، وبعد أن شكلت هذه الأنفاق ضربة موجعة للجهات الاستخباراتية الإسرائيلية قررت الحكومة اتخاذ مسار آخر في التعامل مع هذه الأنفاق، من خلال تشغيل كافة وسائلها التكنولوجية من أجل جمع المعلومات“.
علاوة على ذلك أضاف، “اتخذت إسرائيل قرارات كثيرة وعملت على إحداث تغيرات كبيرة في وسائلها الدفاعية ومنظوماتها التجسسية، بهدف الكشف المبكر عن أي محاولة جديدة لاختراق الأجواء أو تنفيذ عملية نوعية، وهذا يدلل على استنفارها المستمر“.
وأوضح أن المناطيد العسكرية كانت إحدى هذه الوسائل والأساليب التكنولوجية من أجل مواجهة الأنفاق، إلى جانب استمرار عمليات الحفر والتنقيب عن هذه الأنفاق، ولكنه قلل من فعالية هذه المناطيد لمحدودية عملها وقدرتها على التصوير في الوقت الذي تخطت فيه بعض الأنفاق أماكن وجودها وباتت تسبح أسفل الكيان الصهيوني.
وبيّن الخبير في الشأن الإسرائيلي أن نتنياهو يحاول إلقاء العجز والتقصير على الجهات والمؤسسات الأمنية في إخفاقاته المتواصلة في التعامل مع الأنفاق، الأمر الذي دفع هذه المؤسسات إلى توجيه كافة مواردها من أجل دفع الاتهامات عنها تجاه الجانب السياسي الإسرائيلي.
تطور القدرة العسكرية
في هذا الصدد، قالت صحيفة “وورلد تريبيون” الأمريكية في تقرير لها على موقعها الإلكتروني، إن قوات الاحتلال عززت من قدراته العسكرية مثل المناطيد والردارات لرصد قطاع غزة، وذكرت الصحيفة أن القيادة الجنوبية للجيش طورت عمليات التدريب ومعدات المراقبة المستخدمة لرصد قطاع غزة وقد استخدمت القيادة كتيبة “نيشير” لجمع المعلومات الاستخباراتية عن قطاع غزة الذي يبلغ مساحته 360 كيلو مترًا مربعًا، وأوضحت الصحيفة أن قوات الاستخبارات العسكرية طورت بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية أنظمة للرصد والاستكشاف.
جيش الاحتلال صرح، في وقت سابق، بأن كتيبة نيشير ضمت إليها مجموعة من الأجهزة الاستخبارية المتطورة المستخدمة في قطاع غزة، وتضم الأجهزة ردارات وأسلحة يتم التحكم بها عن بعد والمناطيد التي تحلق على ارتفاع يصل إلى 300 متر.
الصحيفة الأمريكية، نقلت عن نائب قائد الكتيبة ماجور شاي باردا قوله، “لهذه المناطيد مهمتان؛ الأولى مساندة قوات المشاة في رصد كل شبر على الحدود مع غزة، والثانية لجمع معلومات استخبارية ميدانية مطلوبة منا على مساحات واسعة”.
وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن المنطاد يحتوي على كاميرات ذات قدرات عالية تعد الأفضل في العالم يمكنها التقاط صور في محيط دائري بقطر 5 كيلومترات، حيث يتم ارسال هذه الصور لمركز المراقبة وتكون الصور دقيقة جدًا وتفوق قدرات الأقمار الصناعية.
ومن أبرز المناطيد التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، منطاد مراقبة النظام التكتيكيTAOS، الذي ينشر الاحتلال 3 منه على حدود قطاع غزة، وينشر الاحتلال مناطيد أخرى للتجسس من نوع “بومباردير” التي تحلق على علو ما بين 75 مترًا و300 متر، ويحمل في تركيبته جهازًا للتدمير الذاتي، فلا يمكن للعدو في حالة إسقاطه الاستفادة من المواد التي جمعها.