في الآوانة الأخيرة، بشكل أو آخر لا بد وأنه انتهي إلى مسامعك ذلك العنوان “لعبة العروش Game of thrones”.
إنها حمى لعبة العروش الآخذة في التنامي والإطراد منذ أن تم تحويل أول أجزاء السلسلة إلى مسلسل تلفزيوني في ربيع عام 2011م، وهي سلسلة روايات فانتازية من سبعة أجزاء تحمل عنوان “أغنية الجليد والنار” للكاتب جورج. آر. آر.مارتن، تم نشر أول أجزاءها في أغسطس من عام 1996 بعنوان لعبة العروش، وينتظر القراء بفارغ الصبر موعد صدور الجزء السادس الذي تم تأجيله عدة مرات بسبب تخلف مارتن عن موعد تسليم مخطوطته.
بعد عام واحد من صدور رواية مارتن لعبة العروش، وفي يوليو من عام 1997 أصدرت جي. كي. رولينج أول أجزاء سلسلة هاري بوتر لتكسب شعبية منقطعة النظير وتصبح حمى هاري بوتر هي المسيطرة على الجميع ومع تحويلها لسلسلة أفلام ازدادات شهرتها وشعبيتها أكثر لتضع بصمتها بجدارة على أدب الفانتازيا.
في نفس الوقت التي ظهرت أول الأفلام المقتبسة عن السلسلة بعنوان هاري بوتر وحجر الفيلسوف في عام 2001م يجد نفسه في مواجهة ومنافسة على صدارة شباك التذاكر مع أول أجزاء سلسلة سيد الخواتم الفانتازية وهي بدورها مستوحاة من أعمال كاتب فانتازي آخر، ولكنه ليس أي كاتب، إنه جون. آر. آر. تولكين، الأب الروحي لأدب الفانتازيا، الكاتب الذي يرفع له القبعة كل من كتب أو فكر أن يكتب فانتازيا، والذي يعود له الفضل في نشأة أدب الفانتازيا الحديث.
ما بين تلك الأعوام، نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة، وصل أدب الفانتازيا لأوج شهرته ووسعت دائرة انتشاره بفضل سلسلة هاري بوتر، لكن خلال تلك الفترة كانت سلسلة “أغنية الجليد والنار” لمارتن لم تقترب بعد من الشعبية الجارفة التي حققتها سلسلة هاري بوتر، بل كانت شعبيتها آخذة في التنامي ببطء شيئًا فشيء منذ بداية صدورها، وفي تلك الفترة ولنجاح سلسلة أفلام سيد الخواتم وهاري بوتر أخذت هوليوود تبحث عن شيء مشابه، شيء فانتازي، لتغرق الأسواق بأفلام ومسلسلات جديدة، بعضها حقق نجاحًا باهرًا مثل سلسلة الشفق Twilight، والبعض الآخر هوى وفشل فشلًا ذريعًا بسبب سوء الإخراج والسيناريو مثل سلسلة ERAGON، وسلسلة His Dark Materials لفيليب بولمان، أو يتم عدم التجديد لمواسم جديدة مثل سلسلة سيف الحقيقة Sword of truth لتيري جودكيند.
بدوره حصل مارتن على أحد تلك العروض مبكرًا مع نجاح سلسلة سيد الخواتم، ثم انهالت عليه فيما بعد ولكنه قام برفضها جميعًا، فهو كان مدرك جيدًا ولطبيعة عمله السابقة بهوليوود أن تحويل عمله لأفلام لن يخرج بصورة جيدة.
بين رومانسية مصاصي الدماء وفانتازيا البطل المختار
في تلك الفترة التي رفض خلالها مارتن تحويل رواياته للشاشة وتابع خلالها إصدار جزءًا كل بضعة أعوام، ومعه تحدث طفرة في مبيعات السلسلة ويقفز في قوائم نيويورك تايمز لأكثر الروايات مبيعًا مع إصدار الجزء الثاني “صدام الملوك”، لتصل مبيعاتها في أبريل 2015 إلى أكثر من 60 مليون نسخة، بالإضافة إلى ترجمتها لـ 45 لغة أخرى، ووصوله للقوائم القصيرة لأهم جائزتي في أدب الفانتازيا “هوجو” و”نيبولا” لأكثر من مرة.
لكن قبل أن تقوم شبكة HBO التلفزيونية بتحويل سلسلة الكتب لمسلسل في عام 2011م، كانت الفانتازيا في السينما أو التلفزيون على حد سواء تقتصر على أكثر التيمات شيوعًا في أدب الفانتازيا، وبدت سلسلة Twilight السينمائية كما لو أنها وضعت أسس المعادلة أو الخلطة التي تحقق نجاحًا تجاريًا سريعًا وانتشارًا منقطع النظير، ويعود ذلك لأن سلسلة الشفق قد سارت على نفس الدرب والمعادلة التي مهدت لها آن رايس في نهاية السبعينات برواية لقاء مع مصاص الدماء Interview with the Vampire، لتكسر الفكرة النمطية والخط العام لمصاصي الدماء منذ أن كتب برام ستوكر روايته دراكيولا، فالجميع يعرف أن مصاصي الدماء تحرقهم الشمس وتحولهم إلى رماد، أو قدرتهم على التحول إلى خفافيش، وكراهيتهم لرائحة الثوم مما يجعله سلاحًا فعالًا ضدهم، لتضيف صبغة الحداثة على مصاصي الدماء ويظهروا بطابع المآسي الشعرية بدلًا من كونهم وحوش شريرة.
لتتحول قصص مصاصي الدماء منذ ذلك الوقت إلى ملاحم تضم أكثر من جزء، يصبح فيها مصاصي الدماء أبطال وسماء، فنكتشف في سلسلة الشفق أن بمقدور مصاصي الدماء السير تحت شمس النهار، وبدلًا من التحول إلى خفافيش جعلت كل مصاص دماء يتميز بقدرة خارقة، لكن أكثر ما كان يميز هذه السلسلة وهو ما ساهم في إنجاحها هو أنها بالأساس تركز عن قصة الحب الناشئة بين فتاة بشرية ومصاص دماء.
ولنجاح السلسلة أخذت هوليوود تبحث عن تلك المعادلة الرابحة في أعمال أخرى، فظهرت على شاشة التلفاز مسلسلات مثل “يوميات مصاص دماء The Vampire Diaries” و”الدائرة السرية The secret circle”، فكان السعي ناحية اجتذاب الشريحة الأكبر من جمهور المراهقين هو تقديم جرعة رومانسية مكثفة خلال إطار فانتازي عام، والعمل على إرضاء رغبات جمهور المتابعين للدرجة التي جعلت ناشري سلسلة يوميات مصاص دماء القيام بطرد المؤلفة الرئيسية لسلسلة الكتب والاستعانة بكتاب آخرين لتتمة السلسلة على حسب رغباتهم خوفًا على مبيعات السلسلة.
بالإضافة إلى الأعمال الفانتازية التي تمتاز بنكهة رومانسية قوية، وجدت أعمال أخرى طريقها في الوصول إلى الشاشة وهي تشكل نسبة كبيرة من أدب الفانتازيا للدرجة التي صنعت نمط وتيمة خاصة له وهو ما يعرف بفانتازيا البطل المختار، وفكرة البطل المختار أو المخلص دومًا ما تكون مغرية، فتجد هاري بوتر هو الفتى المختار الذي سوف ينهي كل شرور الساحر الشرير لورد فولدمورت، وفي سلسلة سجلات شانارا لتيري بروكس، فنجد أن الأميرة الجنية أمبرلي قد تم اختيارها لتصبح أول امرأة تنضم لمجموعة المختارون The Chosen، وهم مجموعة من الجان تم اختيارهم لحماية ورعاية شجرة الإلكيريس المقدسة ثم ينتهي بها الأمر في مسعى لإنقاذ شجرة الإلكيريس.
يمكن القول أن أدب الفانتازيا بصفة عامة أصبح يتمحور حول ثلاث تيمات عامة ورئيسية وهي “فانتازيا البطل Heroic Fantasy” وتعرف أيضًا بفانتازيا السيف والسحر Sword and Sorcery، مثل سلسلة كونان لروبرت هاورد، والفانتازيا الملحمية Epic fantasy والتي بدأت مع تولكين بسلسلة سيد الخواتم ومنذ ذلك الوقت والعديد من الكتاب يسيرون على نفس الخطى، بالإضافة إلى فانتازيا مصاصي الدماء والفانتازيا الرومانسية والتي تتوجه في الغالبية للقراء من الإناث والتي أصبحت جنس فرعي مع بداية عام 2004 إذ قامت مؤسسة هارلكوين Harlequin – وهي إحدى الدور الرائدة المخصصة لنشر الكتب للإناث – بوضع قائمة لكتابات الرومانس أطلقت عليها اسم Luna.
بالطبع لعبت سلسلتي هاري بوتر وسيد الخواتم في جذب جمهور عريض لأدب الفانتازيا من خلال شاشات السينما ولكن بانتهاء عرضهم والفشل الذي لاحق كلًا من سلسلة إيراجون Eragon، وسلسلة The Sword of truth اللذين عكسا كلًا من تيمة البطل المختار وفانتازيا المسعى، زاد من صعوبة إمكانية ظهور أعمال فانتازية ملحمية أخرى تتحول للشاشة إلى أن وافق جورج مارتن أخيرًا على تحويل سلسلة رواياته لمسلسل ليعيد لأدب الفانتازيا بريقه اللامع مجددًا، وتتحول السلسلة التلفزيونية المقتبسة عن أعماله إلى حمى غطت العالم بأكمله.
في المقال القادم سنعرف كيف أسهمت لعبة العروش في إضافة منظور جديد لأدب الفانتازيا وكيف تحولت إلى علامة مميزة لتصبح واحدة من أهم السلاسل الفانتازية منذ صدور سلسلة سيد الخواتم لتولكين.