كثيرة هي المواضيع التي تستحق الكتابة في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها العالم بأسره وخاصة منطقتنا العربية التي أضحت بركانًا يغلي ليل نهار وقابلاً للانفجار في أي وقت.
من هذه المواضيع التي تستحق الغوص في تحليلها ما أعلن عنه وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، الإثنين، أن أنقرة تعرض على واشنطن القيام بـ”عملية مشتركة” ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لا تشارك فيها القوات الكردية التي تعتبرها “إرهابية” في حين تعتبرها واشنطن حليفة لها.
تصريحات وزير الخارجية التركي التي تهدف أساسًا إلى تخفيف حجم التوتر بين البلدين على خلفية دعم واشنطن للأكراد في سوريا خاصة بعد نشر وكالة الأنباء الفرنسية “أ. ف. ب” الأسبوع الماضي، صورًا تظهر عددًا من عناصر من القوات الأمريكية الخاصة يرتدون شارات وحدات حماية الشعب الكردي، لم تلق أي اهتمام يذكر من قبل المسؤولين الأمريكيين الذين يتخبطون في سياستهم الخارجية في كل من العراق وسوريا وفق ما أكد ذلك مراقبون.
فبعد أن وصلت حدة التصريحات التركية إلى مستوى غير مسبوق بسبب الدعم الأمريكي للأكراد المعادين لتركيا، عادت الأخيرة لدغدغة المشاعر الأمريكية في محاولة منها لكسب دعم جديد هي في أمس الحاجة إليه، وذلك بعد أن توترت علاقاتها مع روسيا بسبب الأزمة السورية، ناهيك عن استئنافها الحرب مع حزب العمال الكردستاني بعد سنوات من توقفها بالإضافة إلى دخول لاعب جديد أرق العالم وأتعب تركيا بالدرجة الأولى وهو تنظيم الدولة الإسلامية.
جاوش أوغلو صرح لمجموعة صغيرة من الصحافيين قائلاً “إذا جمعنا قواتنا، لديهم (الأمريكيين) قواتهم الخاصة ولدينا قواتنا الخاصة فيمكن لهذا التحالف بسهولة السيطرة على مدينة الرقة”، ولا نعلم عن أي سهولة يتحدث وزير الخارجية التركي في حين أن استعادة الرقة وإن كان ممكنًا على أرض الواقع إلا أنه ليس سهلاً بالمرة ويبدو مأمورية صعبة في الوقت الراهن لعدة اعتبارات.
مدينة الرقة التي تعتبر عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وبعد أن سقطت في قبضته قبل 3 سنوات تبدو شبه محصنة وفق ما أكده ناشطون من المدينة وإعلاميون زاروها في أزمنة مختلفة، فرغم أن القصف الجوي للتحالف الدولي رفقة نظيره الروسي لم يتوقف طيلة 3 سنوات إلا أن المدينة إلى الآن في قبضة التنظيم.
تصريح وزير الخارجية التركي الذي يراه البعض محاولة لسحب البساط من الأكراد الذين يتلقون الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الروس وغيرهما، لم يلق أي رد فعل إيجابي من قبل واشنطن وهو ما أثار عديد من نقاط الاستفهام وخاصة مدى جدية واشنطن في التعاون مع الأتراك في حربها ضد تنظيم الدولة والتي ستدخل عامها الثاني بعد أشهر قليلة.
من المؤكد أن الخطر الكبير على تركيا هو قوات سوريا الديمقراطية التي لا تزال تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردي، حيث تعتبرها تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ولهذا فإن أمريكا بين نارين، فإما دعم للأكراد ومساعدتهم على قيام الدولة الكردية القومية والتي بدأت فعليًا خطواتها الأولى بإعلان النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم شمال سوريا في شهر مارس الماضي، وإلا محاربتهم من أجل عيون القيادة التركية وهو أمر يستحيل على القيادة الأمريكية أن تقبل به وذلك لكي يظل الأكراد ورقة ضغط تستخدمها متى شاءت.
أمر آخر بالغ الأهمية ولا يقل خطورة عن السابق، وهو أن القوات البرية التركية والأمريكية والدولية عامة مازال لم يحن وقت نزولها إلى الميدان بعد، فمادام هناك “صحوات” و”ميليشيات” فلماذا تضحي الدول المتداخلة في الشأن السوري بقواتها النظامية خاصة وأنها بذلك ستقدم هدية ثمينة لتنظيم الدولة الإسلامية الذي ينتظر الفرصة بفارغ الصبر، فهو في كل مرة يعلن التحدي ويطلب من جيوش دول التحالف النزول على الأرض لقتاله.
الحرب السورية مازالت لم تكشف بعد عن كل أوراقها، ولا نعلم ماذا تخفي الأيام المقبلة لتركيا “أردوغان” ولسوريا المدمرة والمقسمة، لكننا متأكدون أن الحرب لن تقف وأن الخسائر ستكون أكبر مادامت المؤامرات تنسج خيوطها في أقبية المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والعرب ينفذونها بعلمهم وبدون علمهم.