أصبحت الأخبار اليومية تحمل بشكل شبه يومي أنباء تجدد القصف على المدن السورية المختلفة من جهات عدة، فالطيران الروسي لا يكف عن التحليق في سماء المدن منذرًا المدنيين بصب حممه فوق رؤوسهم، وكذا يفعل طيران النظام السوري، ناهيك عن القصف المدفعي العشوائي المتواصل على المدن والبلدات التي تقع تحت سيطرة المعارضة.
فقد قُتل العشرات من المدنيين السوريين منذ الأمس إثر تواصل القصف الجوي للطيران الروسي والسوري على مناطق عدة بمحافظي حلب (شمال البلاد) وإدلب (شمال غرب)، في وقت شنت قوات النظام قصفًا مدفعيًا على أحياء سكنية بمدينة داريا بالغوطة الغربية في ريف دمشق، فيما تبادل النظام السوري والطيران الروسي الأدوار في قصف حريتان بريف حلب الشمالي ومناطق أخرى في الريف الغربي والجنوبي.
حتى طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة شنت غارات جديدة عدة على مواقع قالت إنها لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في أطراف مدينة منبج شمال شرق حلب، وهو ما أدى لمقتل 5 أشخاص على الأقل وجرح آخرين.
القصف يحرق المدنيين في إدلب
أخبار القصف اليومية على مختلف بلدات المدن السورية لم تعد تحدث أي ضجيج أو تحرك ساكنًا من كثرتها، لكن حدة القصف على مدينة إدلب القرى والبلدات المحيطة بها، أدت إلى حركة نزوح واسعة من المدينة.
حيث تعرضت المدينة بحسب ناشطين لأكثر من 200 غارة في أوقات متقاربة عبر سلاح جو النظام الأسدي والطائرات الروسية، استخدمت باثنتين من تلك الغارات ذخائر عنقودية، واستهدفت موقعًا قرب مدرسة في المدينة، وغارتين على الطرفين الغربي والشرقي للمدينة، وقصفت كذلك سوق الخضار والسوق المغلقة في المدينة.
القصف طال مدينة معرة مصرين، شمال إدلب، ونتج عنه مقتل مدني وإصابة ما لا يقل عن عشرة آخرين، فيما قضى أحد أفراد الدفاع المدني، وسقط جريحان بينهم طفل، بغارة لطائرات النظام على محيط قرية البارة جنوب إدلب، استهدفتها بذخائر عنقودية.
وكذلك استهدف القصف معرة النعمان وسراقب شرق وشمال إدلب، ومن جراء القصف اندلع حريق كبير في مدينة سراقب، التهم العديد من المحال التجارية والمنازل المجاورة.
هذه الغارات المميتة دفعت بمئات المدنيين من إدلب والبلدات المحيطة بها للجوء نحو الحدود السورية – التركية باعتبارها أكثر أمنًا، وهو ما أدى إلى حالة من التكدس البشري، تنذر بوضع إنساني سيء.
كل هذه الاعتداءات على المدنيين تحدث رغم الحديث عن افتراض وجود هدنة، بينما كانت الذريعة الأساسية المعتادة لهذا القصف والخروقات وقوع هذه المناطق تحت سيطرة جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
هذا القصف الذي يستهدف “جبهة النصرة” كما يدعي النظام السوري وحلفاؤه الروس طال أحياء القصور والشمالي والبيطرة، وأدى إلى تدمير المستشفى الوطني بعد استهدافه بصواريخ فراغية روسية، وسط الحديث عن مجزرة قتل فيها أكثر من 50 شخصًا وأصيب آخرون جراء هذا القصف الكثيف، وهو ما دفع الأطباء العاملون في المستشفى الوطني إلى الإعلان عن خروجه عن الخدمة نهائيًا.
وعلى صعيد حلب تتعرض المدينة وريفها لهجمة عنيفة منذ أيام من قبل الطيران الروسي الذي قصف المدينة بالتعاون مع النظام بأكثر من 700 من البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والألغام البحرية والقنابل العنقودية وصواريخ أرض – أرض وقذائف المدفعية.
العالم لا يكترث
لا تحل هذه الأرقام ولا أعداد الضحايا على طاولة المفاوضات الدولية أو التحركات الإقليمية حيث هيمنت مشاهد أخرى متعلقة بالحل السياسي وفتح جبهات عسكرية أخرى أمام داعش على الأرض، وسط تجاهل لكل هذه الدماء التي تسيل على أراضي المدن السورية على يد النظام السوري وآلة الحرب الروسية.
حيث أطلقت قوات سوريا الديمقراطية، المؤلفة من فصائل كردية وعربية، معركة جديدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بهدف طرده من مدينة منبج، إحدى أبرز معاقله شمال سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
الولايات المتحدة مشغولة بدعم هذه المعارك أكثر من انشغالها بوقف نزيف الدماء جراء القصف على المدنيين، بل تشارك طائرات التحالف الدولي في إزهاق أرواح المدنيين هي الأخرى، إذ قتل – بحسب المرصد – 15 مدنيًا، بينهم 3 أطفال، جراء غارات شنتها طائرات التحالف على مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي خلال الساعات الـ 24 الأخيرة.
وإلى جانب الغطاء الجوي، تدعم قوات خاصة أمريكية المقاتلين الأكراد على الأرض في شمال الرقة، شرق نهر الفرات، حيث أرسلت واشنطن خلال الفترة الماضية نحو 200 عنصر من القوات الخاصة إلى سوريا لتقديم الدعم والاستشارة للمقاتلين الكرد خلال معاركهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
هذا وقد تجدد التوتر التركي الروسي بعد تراشق الاتهامات بين البلدين على خلفية قصف المستشفى الوطني في مدينة إدلب السورية الليلة الماضية، حيث ردت روسيا على اتهامات تركيا لها بقصف المستشفى بمطالبتها بسحب قواتها من العراق.
في حين تنظر تركيا بعين القلق إلى المعارك التي تخوضها قوات الحماية الكردية ضد داعش بالقرب من منبج، بعدما عبرت القوات الكردية والتشكيلات المنضوية تحت لوائها أول أمس، الإثنين، نهر الفرات، الذي يفصل مناطق سيطرتها في عين العرب شرقًا، عن مناطق سيطرة داعش في منبج وجرابلس والباب، في ريف حلب غربًا، وهو ما يعني الاقتراب من عفرين التي تعتبرها تركيا خطًا أحمرًا.
أما في جنيف فتتواصل المشاورات حول مصير الحل السياسي بعد انسحاب عضو مفاوض رئيسي من وفد المعارضة وهو محمد علوش، بينما لا يُعرف حتى الآن مصير الوفد المعارض، وسط تكهنات باقتراب إعادة تشكيله.
هذه الأوضاع الإقليمية والترتيبات الدولية باتت لا تكترث بأخبار القصف اليومي الذي يطال المدنيين في مختلف أنحاء سوريا، وباتت تُعامل هذه الأخبار معاملة الحدث العارض، وسط ازدياد توحش آلة حرب النظام السوري بالتعاون مع موسكو في ظل الصمت الأمريكي.