منذ عشرين سنة والمستثمرون حول العالم ينظرون إلى صانع سياسة أوبك ومحركها علي النعيمي، ومنذ عشرين سنة والأسواق تترقب تصريحاته وتتلقفها لتنعكس على أسعار النفط بانخفاض أو ارتفاع، علي النعيمي صاحب التصريح: “لا أحد يمكنه أن يحدد سعر النفط، الأمر متروك لله فقط”.
فعلى مدى عشرين سنة ظلت السعودية أكبر منتج في أوبك والمتحكم الحقيقي لسياساتها تتبنى سياسة تتناسق مع الأسواق النفطية تخفض الإنتاج أو تعمل على زيادته عندما تجد ضعفًا في أسعار النفط العالمية.
لا أحد يمكنه أن يحدد سعر النفط، الأمر متروك لله فقط.
حتى جاءت التكنولوجيا المتطورة بالنفط الصخري في الولايات المتحدة وكندا وأصبح استخراجه مجديًا اقتصاديًا بسبب ارتفاع الأسعار وأدى هذا إلى زيادة الإنتاج بشكل كبير من دول خارج أوبك، ما جعل الرياض في السنتين الأخيرتين تتبنى استراتيجية الاعتماد على حصتها السوقية وعدم تخفيض الإنتاج، معتقدة أن ضخ المزيد من النفط في الأسواق بأسعار أقل أفضل من خفض الإنتاج، وهذا يتعارض مع رؤى الدول الأخرى في المنظمة والتي لا تشعر بأريحية في موزاناتها المالية ولا تملك مدخرات ضخمة كما في السعودية ما يجعلها تضغط باتجاه تخفيض الإنتاج لرفع الأسعار أكثر مما هي عليه الآن.
وقد تعود الناس والأسواق والمستثمرون على هندسة النعيمي لوزارة النفط وإدارته لأوبك والإمدادت وطريقة تعاطيه مع الأزمات، أما اليوم فالكل ينتظر وجهًا جديدًا، تصريحات جديدة، إدارة جديدة من قبل المهندس الجديد خالد الفالح.
استراتيجية جديدة أم استمرار للنهج السابق؟
خاب ظن الكثير من الصحفيين عند دخول الفالح يوم الإثنين في منتصف الليل إلى الفندق من الباب الجانبي ولم يعط أي تصريح للصحفيين الذين ينتظرونه على الباب الأمامي.
يهتم المراقبون والخبراء بكل التفاصيل التي تحيط بوزراء دول منظمة أوبك من مواعيد الوصول إلى فيينا والفندق الذي سيقيمون فيه والاجتماعات التي يعقدوها قبيل الاجتماع، فلو أتى المجتمعون نهار الاجتماع فإنهم لن يكونوا مهتمين كثيرًا لعقد تشاورات فيما بينهم والخروج بحلول للمشاكل التي تعاني منها أسواق النفط وأسعاره لذا فإنه من غير المتوقع أن يشهد الاجتماع وقتها أي تغيير في سياسة أوبك.
من المقرر غدًا الخميس انعقاد اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، وقد بدأ الوزارء بالتوافد إلى العاصمة فيينا مقر انعقاد الاجتماع، وقد وصل الوزير الفالح إلى العاصمة مساء يوم الإثنين أي قبل ثلاثة أيام على انعقاد الاجتماع؛ ما اعتبره متابعون علامة على جدية الفالح في التعامل مع أوبك على الرغم من أنه لن يحظى بفرصة كبيرة للقاء نظرائه قبيل الاجتماع، فلن يصل أغلبهم إلى فيينا قبل منتصف اليوم الأربعاء أو مساء يوم الغد الخميس ومن بينهم وزيرا إيران وفنزويلا.
لا وجود لمقترح محدد بشأن الإنتاج على برنامج الاجتماع غدًا.
وبرأي أحد المراقبين لشؤون أوبك، فإن المنظمة تدخل في حقبة جديدة ستغيب فيها إدارة السوق وهي تفقد أهميتها بدرجة كبيرة بسبب انعدام التوافق بين مسؤولي أوبك.
كما أن الناظر في تاريخ أوبك وسياساتها وكيف كان أداء الوزراء، فإنه يجد أن المنظمة غيرت من سياساتها في الفترة الممتدة بين 1998 و2008 ما يقرب من 27 مرة، في حين غيرت سياساتها مرة واحدة فقط في ديسمبر/ كانون الأول 2008 عندما خفضت الإمدادات في ظل تباطؤ الطلب بسبب الأزمة المالية العالمية.
هل يغير الفالح شيئًا في سياسة أوبك؟
زار الفالح بعد يوم من وصوله فيينا مقر أوبك يوم أمس الثلاثاء ومكث فيه ما يناهز الساعة والنصف واجتمع مع الأمين العام للمنظمة عبد الله البدري، وهذه بادرة من الفالح تدل على اهتمامه بالمنظمة رغم مشاغله.
إلا أنه من غير المتوقع تغيير استراتيجية أوبك بتقليص الإنتاج خلال الاجتماع المزمع عقده مع بقاء شيء من الغموض يكتنف حول أول اجتماعات الفالح مع المنظمة وتصريحاته الأولية التي سيدلي بها.
لا يجدر المقارنة بين الفالح وسابقه النعيمي بعد التغيير الهيكلي الذي جرى للوزارة وتولى الفالح على إثره مسؤوليات كبيرة تتمثل بالطاقة والصناعة والثروة المعدنية، كما أن رؤية السعودية 2030 تقتضي تخفيف اعتماد المملكة على النفط على خلاف السنوات الماضية.
وفضلًا عن الخلافات الحادة بين أعضاء أوبك بخصوص الاستراتيجية المتبعة والتوفيق بينهم والإصلاحات الاقتصادية الداخلية المطلوبة منه، يواجه الفالح أيضًا خلاف المملكة مع طهران والذي تزداد ضراوته يومًا بعد يوم.
كما أن الفالح لا يملك مرونة كافية لتخفيض الإنتاج والاستجابة للأصوات التي تنادي بذلك خصوصًا مع إقبال فصل الصيف بسبب ارتفاع الطلب على الكهرباء في أيام الصيف الشديدة الحرارة، فالمملكة تستهلك ما يقرب من مليون برميل يوميًا لتوليد ربع طاقتها الكهربائية، وأثناء كون الفالح رئيسًا لمجلس إدارة أرامكو دافع عن قرار المملكة المتعلق بعدم خفض الإنتاج.
الفترة المقبلة لأوبك مع الإدارة الجديدة للفالح ستكون مثار ترقب واختبار لأوبك ومهندسها الجديد فيما إذا ستبقى على قيد الحياة أم لا.
مع كل هذا فإن الفالح لا يقل قوة عمّن سبقه في إدارة صناعة النفط في السعودية، ففي فترة إدارته لأرامكو ساهم في توسيع قدرة البلاد على إنتاج وتكرير النفط وتحويله إلى منتجات عالية الجودة، وشهدت أرامكو كذلك توسعًا في إنتاج البتروكيماويات، وأنشأت مصافي للنفط جديدة في البلاد وفي خارجها في الصين والولايات المتحدة لرفع قدرتها الاستيعابية إلى 4.5 مليون برميل بدلًا من 4.2 مليون برميل عام 2009، كما تتفاوض المملكة حاليًا على إنشاء مصفاة في الهند – القوة الصاعدة في السنوات المقبلة برأي اقتصاديين كثر -.
الاجتماع غدًا سيعقد بقليل من الضغط بعد ارتفاع أسعار النفط قليلاً إلى مستوى 50 دولارًا للبرميل بعد انخفاض وصل إلى 30 دولارًا للبرميل استدعى اجتماعات ماراثونية في أوبك وخارجها للضغط على الدول بتغيير الاستراتيجية المتبعة.
وبحسب مندوب العراق في أوبك فإنه لا وجود لمقترح محدد بشأن الإنتاج على برنامج الاجتماع غدًا وذكر هذا عدة ممثلين آخرين التقوا في فيينا قبيل الاجتماع.
ولا يشكك مراقبون بأن الفترة المقبلة لأوبك مع الإدارة الجديدة للفالح ستكون مثار ترقب واختبار لأوبك ومهندسها الجديد فيما إذا “ستبقى على قيد الحياة أم لا”.