خطوة جريئة تلك التي أقدم عليها باراك أوباما، كأول رئيس أمريكي يزور مدينة “هيروشيما” اليابانية، والتي كانت أولى ضحايا أمريكا النووية، وخلفت ما يزيد عن 140 ألف قتيل، فضلًا عن آلاف المصابين، في كارثة إنسانية ما زال التاريخ شاهدًا عليها حتى الآن خلال الحرب العالمية الثانية.
تناولت وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية زيارة الرئيس الأمريكي لليابان، واصفة إياها بأنها تطور جديد في السياسة الخارجية الأمريكية، وقدم أوباما نفسه بأنه يحمل السلام للعالم، وأن جميع الشعوب يمكنها العيش بلا نزاعات أو حروب، في مشهد جعل البعض يتساءل عن الهدف الحقيقي لتلك الزيارة، خاصة في هذا التوقيت الذي يستعد فيه أوباما لمغادرة البيت الأبيض بعد انتهاء فترة ولايته الثانية، وإذا ما كان يريد تحسين صورته الشخصية أو تجميل صورة أمريكا أمام العالم، ولماذا تذكر أوباما الاعتذار لشعب هيروشيما عن خطيئة أمريكا الكبرى، والتي لن تستطيع زيارة أوباما محو عارها ولن تتمكن باقات الورود من إخفاء دموع هذه الشعوب حزنًا على فراق آبائهم وأبنائهم كلما حلت ذكرى تلك الكارثة الإنسانية البشعة.
بعد مرور 71 عامًا على تلك الجريمة الإنسانية، نجد أوباما، في أواخر عهده، يحاول التكفير عن الخطيئة الأمريكية العظمى، بزيارة إلى هيروشيما ووضع أكاليل الزهور على قبور الضحايا، بالإضافة إلى مواساة بعض الناجين، محاولًا إقناع اليابانيين، والعالم أجمع، بأن “الدنيا تغيرت”، حاملًا الأمل في الحياة بسلام لتلك الشعوب ومطالبًا إياها بمحو صورة الماضي “المظلم”، وأنه بإمكان أمريكا تقديم اعتذار للشعب الياباني عن تلك الجريمة.
الرئيس الأمريكي، الذي يستعد لجمع أوراقه هذه الأيام للخروج من البيت الأبيض، بعد ثماني سنوات لم يحقق خلالها نسبة ضئيلة من آمال وطموحات الأمريكيين قبل ترشحه للرئاسة، وعلى الرغم من الوعود المكثفة التي أطلقها أوباما بضرورة إبدال النزاعات الدولية التي تشارك فيها الولايات المتحدة بحلول سلمية، إلا أن وعوده لم تترجم فعليًا على أرض الواقع، واليوم بعدما صار على شفا خطوات من مغادرة البيت الأبيض، يحاول الرجوع إلى ما بدأ به، رافعًا شعار السلام، مقدمًا صورة المنقذ للبشرية، ساعيًا إلى مواصلة سياسة تحقيق عالم خالٍ من الحرب والأسلحة النووية، حاملًا الورود ورافعًا شعار السلام، يدعو الجميع لتقاسم المسؤولية عن تلك الجريمة قائلاً، “إننا نأتي لنرثي الضحايا، وأن الحق في الحياة والحرية هو المثل الأعلى الذي يسعى إليه”، يحاول تجميل صورته الشخصية في نهاية فترة حكمه بكلمات معسولة وباقات ورود.
بعد مرور 71 عامًا على تلك الجريمة الإنسانية، نجد أوباما، في أواخر عهده، يحاول التكفير عن الخطيئة الأمريكية العظمى، بزيارة إلى هيروشيما ووضع أكاليل الزهور على قبور الضحايا
أما توقيت زيارة أوباما فتراه يفضح حقيقة نوايا الرئيس الأمريكي، والتي لو جاءت في بداية حكمه لدخل الفتى الأسمر التاريخ من أوسع أبوابه، كأول رئيس أمريكي من أصل إفريقي يزور هيروشيما، ليثبت للعالم تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الأمريكية، وتقديمها اعتذارًا رسميًا للشعب المنكوب.
بينما نجد الرئيس الأمريكي يحاول تجميل صورته قبل مغادرة الحكم، وتحقيق إنجاز وهمي على حساب تلك الشعوب المنكوبة، التي مهما طال الزمن لن يستطيع تمثيل أوباما محو صورة الدماء والخراب من أذهان تلك الشعوب بسبب وحشية الأمريكان، وما سببته الكارثة من إبادة شعب، وتأتي النتيجة طبيعية فلن تقدم أمريكا اعتذارًا رسميًا عن خطيئتها في هيروشيما، ولا الشعب الياباني يمكنه نسيان تلك الكارثة بباقات ورود وكلمات رقيقة سرعان ما تطير في الهواء ولا تمحو آثار الفاجعة.
من ناحية أخرى يحاول الرئيس الأمريكي توظيف الزيارة سياسيًا، وتحويل هيروشيما إلى منبر لإظهار إحساسه القوى بالمسؤولية تجاه حلفاء أمريكا، كرئيس ديمقراطي، الأمر الذي تستطيع من خلاله زميلته في الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون استغلال الزيارة دعائيًا للتغلب على منافسها الجمهوري دونالد ترامب، والذي يتقارب معها في الانتخابات التمهيدية، من ناحية، ومن الأخرى تعد تلك الزيارة فصلًا جديدًا في تطوير العلاقات الأمريكية اليابانية، كحليف قوي في فترة افتقدت خلالها القوة الأمريكية جزءًا من هيبتها كقوة عظمى تتزعم العالم.