تلقت فرنسا وأوروبا بأجمعها التحذيرات الاستخباراتية الأمريكية لرعاياها من هجمات إرهابية محتملة في أوروبا هذا الصيف، بمزيد من الحذر والحيطة المتبوعة بإجراءات أمنية استباقية؛ خوفًا من تفجيرات جديدة كالتي شهدتها باريس خلال نوفمبر من العام الماضي، وأسفرت عن مقتل 130 شخصًا، وبروكسل في مارس الماضي وأسفرت عن مقتل 32 شخصًا.
زيارة سرية
التحذيرات الاستخباراتية الأمريكية دائمًا ما تكون مستندة إلى معلومات شبه مؤكدة، وإن كانت الخارجية رفضت تأكيد أن لديها معلومات محددة بشأن تهديد تتعرض له أهداف بعينها، ما يعني أن الاستخبارات الأمريكية ربما ترفض تسريب معلومات مساعدة لفرنسا ودول أوروبا لمواجهة تلك التهديدات، كنوع من الترهيب والضغط عليها بسبب المواقف الفرنسية الأخيرة الرافضة للهيمنة الأمريكية.
وهي الفرضية التي تدعمها الزيارة السرية للقائد العام للقيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل، التي استغرقت عدة ساعات إلى شمال سوريا، بعد التهديدات التي أطلقها المتحدث باسم “تنظيم داعش” أبومحمد العدناني، ودعوته للمزيد من الهجمات ضد الغرب، خلال شهر رمضان المقبل، حيث زار خلالها العديد من المواقع التي توجد فيها قوات العمليات الخاصة الأمريكية، وقابل القوات المحلية والأمريكية التي تساعد في تدريب المعارضة السورية المتحدة لمواجهة تنظيم داعش، وسط محاولات دفع الجهود المبذولة لجذب المزيد من القوات العربية والكردية المحلية للقتال في كل من سوريا والعراق ضد تنظيم داعش.
ضربات استباقية
التحذير الأمريكي والذي خص فرنسا تحديدًا، أشار إلى إمكانية استهداف الهجمات الإرهابية لبطولة أورووبا لكرة القدم 2016 التي تنظمها باريس خلال الفترة من العاشر من يونيو ولمدة شهر، ردت عليه الشرطة الفرنسية بضربة استباقية ألقت خلالها القبض على 12 شخصًا يشتبه في انتمائهم لحركات إرهابية بعضهم من أصول جزائرية ومغربية وآخرون من الجنسية الفرنسية.
بيان الخارجية الأمريكية حول المخاطر المتوقعة من تنظيم داعش في أوروبا وصفته الكثير من وسائل الإعلام الغربية بـ”الهادئ” وغير المثير
تأتي هذه التطورات لتضاف إلى المعلومات التي أثيرت مؤخرًا عن تهديد إرهابي قد يستهدف مدن أوروبية، وهو الأمر الذي أدى إلى تدعيم موقف أجهزة الاستخبارات الغربية في مخاوفها من وقوع هجمات دامية لتنظيم داعش على غرار عمليتي باريس وبروكسل، والتي أكدت أنّ حجم التهديد الذي تشكّله داعش بالنسبة للغرب يفوق كثيرًا ما كان يَعتقد معظم الغربيين سابقًا.
حيث لم تعد التهديدات مقتصرة فقط على أفراد بعينهم هاجروا من دولهم الأوروبية للسفر إلى سوريا والعراق وليبيا، بل اتسعت لتشمل ما وصفته المخابرات الفرنسية في إحدى مكاتباتها مع نظيرتها البريطانية بخلايا “الذئب المنفرد” والتي يعتمد فيها التنظيم المتطرف على تنفيذ هجمات ذاتية، عبر تجنيد أشخاص معينة عبر الإنترنت، للإيمان بأفكار التنظيم، وتنفيذ هجمات داخل الدولة أو المدينة أو الحي، وربما داخل الأسرة التي ينتمي إليها، وهو نموذج طبقه التنظيم في السعودية، حينما قام أفراد عائلة معينة باستدراج رجل أمن من نفس العائلة، وإطلاق الرصاص عليه بدعوى أنه كافر ويحارب الخلافة، ما يعني أن “الذئاب المنفردة” اليوم هم الانتحاريون المحتملون غدًا، وهؤلاء لن ينفّذوا هجماتهم في مناطق الحرب البعيدة، بل في قلب البلاد التي تربوا بها.
دعوة للقتل الجماعي
بيان الخارجية الأمريكية حول المخاطر المتوقعة من تنظيم داعش في أوروبا وصفته الكثير من وسائل الإعلام الغربية بـ”الهادئ” وغير المثير، وربما يكون هذا الهدوء مبرر، كونها اعتادت مثل هكذا بيانات روتينية في بعض الأحيان، لكن في المقابل ردود الفعل الفرنسية والأوروبية على هذا البيان، والتي بدت وكأنها فوجئت به، هي التي ليست مبررة نهائيًا.
فكلّ من يتابع تحركات التنظيم وعملياته خلال الفترة الأخيرة، يلاحظ تزايدًا كبيرًا وتطورًا في قدرات التنظيم الإرهابي منذ أكثر من عام، خصوصًا بعد أن باشر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في شن هجمات ضدّ أهداف التنظيم، وهي التحركات التي رد عليها التنظيم بدعوة أفراده لتنفيذ هجمات إرهابية على أساس فردي تستهدف الغرب: “إذا قدرت على قتل أو ذبح كافر أمريكي أو أوروبي وأخص منهم الفرنسيين الأنجاس أو أسترالي أو كندي أو غيره من الكفار المحاربين رعايا الدول التي تحالفت على الدولة الإسلامية، فتوكل على الله واقتله بأي وسيلة أو طريقة كانت”!
فشل استخباراتي
ما يثير الاستغراب في الموقف الأوروبي، هو أن التنظيم وتحديدًا منذ إعلان الخلافة في يونيو 2014، نفذ أو حفز آخرين لتنفيذ ما لا يقل عن 90 هجمة في 21 دولة أخرى غير العراق وسوريا، كانت حصيلتها مقتل 1390 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من ألفين آخرين.
وعلى الرغم من ظهور تطور واضح في التهديدات الإرهابية التي يمثلها التنظيم على أوروبا خلال هجمات باريس وبروكسل، لا تزال استخبارات هذه الدول غير جاهزة للتعامل معه، ويشمل ذلك أوجه القصور في قدرات الدول الأوروبية على مكافحة الإرهاب، فضلاً عن جهودها لدمج الجاليات المهاجرة في المجتمعات الأوروبية الكبرى التي تعيش فيها، حتى إن تلك الأجهزة فشلت في القبض على صلاح عبد السلام، المتورط بالتفجيرات لنحو أربعة أشهر بعد هجمات باريس في نوفمبر، بل إن قواعد البيانات الأوروبية سجلت فقط 2786 مقاتلاً إرهابيًا أجنبيًا، تم التأكد منهم بالرغم من أن التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن ما يقارب الـ 5 آلاف مواطن أوروبي منضمين للتنظيم في سوريا والعراق.
شهر الفاجعة
تهديدات داعش جاءت في ظل تراجعات التنظيم والهزائم التي لحقت به في سوريا والعراق، وانسحابه من مساحات كبيرة من الأراضي في المنطقة الجغرافية التي أعلن فيها “دولة الخلافة”، كما تأتي قبيل شهر رمضان المبارك، وفي ظل الإجراءات الصارمة التي تتخذها الدول الغربية خوفًا من وقوع تفجيرات، أو أعمال عنف من قبل الخلايا النائمة أو المختفية للتنظيم، وخشية تسلل عناصر من داعش وسط آلاف اللاجئين الذين سمح لهم بالدخول للدول الأوروبية، جعلت الصحف الغربية تصف رمضان المقبل بأنه “شهر الفاجعة المتوقعة” حيث نقلت عن أبي أحمد العدناني المتحدث باسم التنظيم قوله “رمضان هو شهر الجهاد، استعدوا وكونوا جاهزين لجعل هذا الشهر شهر مصيبة في كل مكان يتواجد فيه غير المؤمنين”.