أكدت الحكومة العراقية إن القوات المكلفة باقتحام مدينة الفلوجة والواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أرجأت الهجوم على المدينة بسبب ما أسمته مخاوف على سلامة المدنيين ، بينما توقفت القوات على مشارف المدينة في مواجهة مقاومة شرسة من مقاتلي تنظيم الدولة.
جاء هذا القرار بأمر من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي أوقف العملية بعدما كان يتوقع أن تصبح واحدة من أكبر المعارك على الإطلاق ضد تنظيم الدولة في العراق، كما يأتي هذا القرار بعد يومين من تمركز القوات الخاصة العراقية على المشارف الجنوبية الريفية للمدينة.
تصريحات العبادي بشأن هذا التأجيل بثها التليفزيون العراقي بصحبة جمع من القادة العسكريين في غرفة العمليات قرب الجبهة القتالية حيث أكد: “أنه كان من الممكن أن تحسم المعركة بسرعة لو لم يكن حماية المدنيين ضمن خطتنا الأساسية. وأضاف: “الحمد لله القوات الآن على مشارف الفلوجة والنصر الآن باليد.”.
هذه كانت تصريحات العبادي التي خالفها بعض المراقبون للمعركة أمام تنظيم الدولة المستمرة منذ أيام على مشارف الفلوجة، والتي لم تستطع القوات العراقية اقتحامها بشكل كامل رغم المحاولات المضنية والقصف المتواصل الذي كان في كثير من الأحيان عشوائيًا على سكان المدينة.
وفي ظل تكبد القوات العراقية خسائر بشرية كبيرة على أيدي عناصر التنظيم الذين استخدموا سلاح التفخيخ البشري والآلي في مواجهة زحف أكثر من 30 ألف جندي عراقي مصحوبين بمليشيات “الحشد الشعبي” الطائفية، وهو ما أوقع عشرات القتلى في صفوف القوات المتقدمة.
لا يمكن إغفال أن استخدام تنظيم الدولة للمدنيين في المعركة أثر على مجريات الأمور خاصة فيما يتعلق بالقوى الدولية المشاركة في المعركة بقيادة الولايات المتحدة، بيد أن هذا الأمر لم يكن الدافع الرئيسي وراء إيقاف العراقيين للمعركة، بعدما حاولوا مرارًا دخول المدينة بغير تنسيق مع التحالف الدولي، وهو ما أدى إلى اضطرار قوات التحالف الدولي لقصف تجمعات لمليشيات الحشد الشعبي التي حاولت اقتحام المدينة غير عابئة بالمدنيين، الذين قصفتهم هذه المليشيات بشكل عشوائي لمدة أيام عبر صواريخ محلية الصنع.
أزمة المليشيات في المعركة
بات من الواضح أن الحكومة العراقية لا تستطيع أن تتحكم في هذه المليشيات التي وعدت أنها لن تشترك في المعركة، ومع ذلك ظهرت قواتها بشعارات طائفية، وهو ما أثار تخوفات المنظمات الحقوقية الدولية على مرحلة ما بعد المعركة، حيث يُعتقد أن هذه المليشيات ستنفذ تطهير طائفي بحق السنة في المدن المحررة.
لذا طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش بضبط تحركاتها ومساءلتها عن الجرائم السابقة التي وثقت من قبل بالقول: “بينما يتحرك الجيش العراقي لاستعادة السيطرة على الفلوجة من داعش بدعم من الميليشيات المتطوعة، وقبل الهجوم لطرد داعش من الموصل، يتعين على الحكومة العراقية، والتحالف الذي يقاتل داعش بقيادة أمريكية، الضغط لمساءلة “الحشد الشعبي”، وهو مجموعة بمعظمها قوات شيعية متطوعة”.
حيث لا توجد أي رقابة أو مساءلة على أفعال هذه القوات التي أكدت المنظمة في تقرير لها غياب أية ملاحقة لأعضاء هذه المليشيات الذين يُعدمون ويعذبون ويخطفون ويسلبون وينهبون السكان في المناطق المستعادة.
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة العراقية لبسط نفوذها على هذه القوات، لكنها محاولات باءت بالفشل حتى الآن، إذ أن لدى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رغبة في تحويل هذه المليشيات إلى قوة عسكرية نظامية تابعة للدولة، حيث وقع وقع العبادي أمرًا في 22 فبرايرالماضي يقضي بتحويل هذه القوات إلى “منظمة عسكرية مستقلة وجزءًا من القوات المسلحة العراقية”، مسؤولة منه كقائد أعلى للقوات المسلحة.
جمال الإبراهيمي، نائب رئيس لجنة الحشد الشعبي، والتي تعتبر الوكالة الحكومية التي أنشئت للإشراف على القوات، ويفترض أنه المسؤول عن إدارتها الفعلية، يقول أنه يواجه صعوبات جمة في تحويل هذه المليشيا عن تصرفاتها الطائفية، وبحسب ما قال أن ما يؤرقهم، هو كيفية تحويل هذه القوة المنقسمة التي يهيمن عليها الشيعة إلى مؤسسة وطنية “تنتمي إلى الدولة”.
وقد حاولت هذه اللجنة إدخال عناصر سنية إلى هذه المليشيا بما يقدر بـ 900 عنصر لإزالة الطابع الطائفي عنها.
فيما تؤكد منظمة هيومن رايتس ووتس في تقريرها عن هذه المليشيات أن الأمر يمكن في الرقابة المهتزة للجنة الحشد الشعبي على الميليشيات، وهي مشكلة تتجاوز مسألة الشارات، والزي الرسمي، والتدريب، لأنه في النهاية لا توجد أي مساءلة.
يحاول بعض أعضاء مليشيا الحشد الشعبي نفي الهجوم الإعلامي عليهم، وإنكار كل الجرائم المتهمين بها من إعدامات ميدانية وتعذيب بحق مواطنين سنة، بادعاء أن هناك مليشيات أخرى تستخدم اسم الحشد الشعبي وهي متورطة في كل تلك الجرائم.
وعكس ذلك تمامًا وثقت المنظمة في تقريرها جرائم عدة اتهمت فيها مباشرة عناصر من الحشد الشعبي، وقد نقلت المنظمة عن أحد مقاتلي الميليشيات إنه شارك في إعدام أكثر من 90 رجلًا سنيا على يد الميليشيا التي ينتمي إليها، بعد أن اعتقلتهم من منطقة الجزيرة في وقت سابق من مارس. وقال عضو آخر في قيادة عسكرية متخصصة في تكريت إن في الوقت نفسه اعتقلت الميليشيات وأساءت معاملة آلاف العائلات في الجزيرة، ودمرت منازل ومساجد للسنة، وكذلك نفذت بعض أحكام الإعدام.
كل هذه الجرائم تطرح تساؤلات عدة في ظل غياب التصدي لها، وعجز الحكومة العراقية عن التحكم في هذه المليشيات بأي صورة رغم وجود محاولات فعلية، ومن أهم تلك التساؤلات التي تلت إيقاف معركة الفلوجة ستكون عمن يمكنه التصدي لسطوة المليشيات الطائفية، التي باتت بحكم الأمر الواقع جزءًا أساسيًا مشاركًا في عمليات تحرير المدن من داعش، وفي ظل تخوفات مما هو قادم من جرائم ستنفذها هذه المليشيات بلا رقيب ولا محاسبة في حال تحرير أي مدينة مقبلة في العراق من أيدي تنظيم الدولة.