يحاول الباحث هاني سليمان في كتاب “العلاقات المدنية – العسكرية والتحول الديمقراطي في مصر بعد ثورة 25 يناير”، والذي يتكون من 120 صفحة من القطع الكبير، اكتشاف ديناميات السياسة والتحول الديمقراطي في مصر في ضوء محددات وطبيعة العلاقات المدنية – العسكرية في ظل تغلغل المؤسسة العسكرية في كل أجهزة الدولة وسيطرتها على كل من السياسة والاقتصاد المصري.
يفترض الكتاب، إن تقليص النفوذ السياسي للجيش في مصر، مرهون بشكل رئيس بتعزيز المؤسسات السياسية في الدولة، وتقوية الأحزاب والقوى السياسية، الأمر الذي يمنع حدوث فراغ سياسي يغري الجيش بالتقدم لملئه. فكلما ترسخت المؤسسات والقوى السياسية، تراجع نطاق تدخل الجيش في المجال السياسي المدني..وكلما حصل توافق وطني بين النخب والقوى السياسية، ولاسيما بين العلمانية والإسلامية، يقوم على مدنية الدولة وإبعاد الجيش من السياسة، تزداد إمكانية إعادة التوازن إلى العلاقات المدنية-العسكرية (ص10 ).
لماذا تتدخل الجيوش في السياسة؟
هناك كثير من العوامل، التي تفسر تدخل الجيش في العملية السياسية، مثل: أثر التهديدات الخارجية لأمن الدولة، أو الأحلاف العسكرية، أو المساعدات العسكرية المقدمة من القوى الكبرى، أو العوامل الداخلية مثل: الثقافة السياسية للمجتمع، ودرجة المأسسة في الدولة، أو مدى قدرة القيادة السياسية المدنية على حيازة السلطة، أو خصائص المؤسسة العسكرية نفسها ودرجة حرفيتها، وكذلك الصورة التي يحملها الضباط عن دورهم ومكانتهم في المجتمع..(ص21).
الموجة الديموقراطية تصل إلى شاطىء النظم العربية
مع الموجة الثالثة للتحول الديموقراطي في دول جنوب أوروبا في سبعينيات القرن العشرين، والتي انتشرت في أميركا اللاتينية وأجزاء من آسيا في الثمانينيات، ثم تحركت لأجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا في أواخر الثمانينيات وأوائل التسيعينيات، واجهت الدول الديموقراطية الجديدة تحديا صعبا يتمثل في الحاجة القصوى إلى إصلاح العلاقات المدنية العسكرية..
وفي ضوء هذا الزخم الديموقراطي، تجدد طرح قضية العلاقات المدنية- العسكرية في الوطن العربي، منذ تسعينيات القرن الماضي، في سياق سعي أدبيات التحول الديموقراطي لاستقصاء أسباب عدم لحاق المنطقة العربية بموجة التحول الديموقراطي التي عرفتها مناطق مختلفة من العالم منذ أواسط السبيعينيات حتى منتصف التسعينيات.
جيش مصري/مؤسسة وطنية
يحظى الجيش المصري باحترام وتقدير عاليين في الذاكرة الجمعية للشعب المصري.وترى المؤسسة العسكرية نفسها لا مجرد حام للبلد فحسب، بل حارسا للمصالح الوطنية أيضا وحافظا لهوية البلد ومؤسساته. ولا يمكن تحليل مستقبل العلاقة بين الجيش والسياسة في فترة التحول الديموقراطي، من دون أخذ هاتين المقاربتين الثقافية والعسكرية في الاعتبار.
دور مثير
الدور الذي تقوم به المؤسسة العسكرية المصرية، ولما يزل، منذ تنحي مبارك حتى عزل مرسي، يثير قضية دور الجيش المصري في السياسة، وهي القضية التي برزت على الصعيدين المصري والعربي في حقبة قيام الدولة الوطنية والتحرر من الاستعمار، نتيجة الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول عربية وحكم العسكريون في عدد منها، وفي القلب منها مصر (ص7-8).
عبرة عقود ستة
استعرض المؤلف نماذج تدخل العسكر في السياسة في دول العالم النامي، وتصنيفات أنظمة الحكم الخاضعة للنفوذ العسكري (ص22-23). محاولا فهم العلاقات العسكرية –المدنية المصرية في ضوئها. واستعرض المؤلف بعض الدراسات السابقة عن العلاقات المدنية-العسكرية في مصر، واقتراحاتها وتوقعاتها لشكلها، وكيفية وضعها في الإطار الملائم لخلق بيئة سياسية مواتية للتحول الديموقراطي، وترسيخ نظام سياسي ديموقراطي في مصر.
وخلص إلى أن عامل العلاقات المدنية- العسكرية، له شأن مهم في تحديد مسار عملية التحول الديموقراطي في مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، بل إن لهذا العامل الثقل الأكبر في تحديد النتيجة المستقبلية لهذه العملية، إما باتجاه الديموقراطية الراسخة، وإما بالارتداد إلى النظام السلطوي وإما باتجاه النظام الهجين (ص8-9).
العامل ذو الوزن الأثقل
يؤكد المؤلف أن العلاقات المدنية-العسكرية، هي العامل الذي له الوزن الأثقل في فهم مستقبل النظام السياسي في مصر وتحديده.. ومن هنا ضرورة: تحليل طبيعة المؤسسة العسكرية المصرية وسماتها وتحولات دورها في النظام السياسي في تاريخ مصر المعاصر، خصوصا منذ ثورة يوليو حتى نهاية حكم حسني مبارك، ودراسة السلوك السياسي للمؤسسة العسكرية منذ ثورة يناير، واستقصاء نظرة العسكريين والأطراف السياسية المحلية إلى طبيعة دور المؤسسة العسكرية، واستكشاف مستقبل العلاقات المدنية- العسكرية وتأثيرها في التحول الديموقراطي (ص9 )،حتى يمكن أن نرى الطريق الصحيح نحو التحول الديموقراطي.
صورة لغلاف الكتاب
جدل دائم
يشير المؤلف أن العلاقات المدنية- العسكرية، ودور العسكريين السياسي ظلا من القضايا المثارة منذ ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو 195، واستمر طرح هذه القضية بعد هزيمة يونيو 1967، واشتد السجال في شأنها في الأيام الأولى التي أعقبت تنحي مبارك عن السلطة، وتسليمها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة..وظل دور المؤسسة العسكرية في العملية الانتقالية وفي النظام الديموقراطي المنشود من الإشكاليات الرئيسة التي طرحت منذ ذلك اليوم.وستظل هذه القضية على جدول أعمال أي نقاش يتناول المرحلة الانتقالية ومستقبل العملية السياسية في مصر (ص8).
هناك كثير من العوامل، التي تفسر تدخل الجيش في العملية السياسية، مثل: أثر التهديدات الخارجية لأمن الدولة، أو الأحلاف العسكرية، أو المساعدات العسكرية المقدمة من القوى الكبرى، أو العوامل الداخلية
خبرة التاريخ المعاصر
تتبع المؤلف سمات علاقة المؤسسة العسكرية بالسياسة في مصر منذ يوليو 1952 حتى يناير 2011..والدور الكبير الذي قام به الجيش المصري في بناء مصر الحديثة، بعكس معظم الجيوش العربية التي ترافق تأسيسها مع إنشاء الدولة الوطنية عقب الاستقلال عن الاستعمار، وتتبع دور المؤسسة العسكرية منذ ثورة 23 يوليو 1952م حتى ثورة 25 يناير2011م وأطوارها المختلفة.
دولة رخوة ومؤسسة قوية
كان المشهد السياسي في نهاية حكم مبارك هشا ومضطربا: تنظيمات السياسية ضعيفة وهشة، إضافة إلى أن مؤسسات الدولة المصرية نفسها أخذت في التراجع منذ أواخر عهد السادات، إلى حد انطبق عليها وصف “الدولة الرخوة”..وذلك كله دفع المؤسسة العسكرية أن تغدو المؤسسة الوحيدة التي تتسم بالفاعلية والقدرة التنظيمية، فكرست الصورة الإيجابية للمؤسسة في أذهان المصريين (ص48 ).
وإذا أضفنا إلى ذلك، طغيان الدولة الأمنية، وتزايد رخاوة الدولة، مع تراجع دور الدولة الاجتماعي، وترهل أجهزتها البيروقراطية، وضعف القانون وانتشار الفساد، فضلا عن تراجع المكانة الإقليمية للدولة، إلى جانب انسداد أفق الإصلاح السياسي… كل هذا كان عاملا حاسما في في اندلاع ثورة يناير التي ساندها الجيش.
لماذا انحاز الجيش للثورة
يعتقد المؤلف أن هناك أربعة نقاط مهمة، كان لها أثر واضح في تحديد موقف الجيش من الثورة، هي:
- عدم شعور الجيش بتوجه الاحتجاجات نحوه بشكل مباشر، خصوصا أنه لم يكن أداة من أدوات النظام لقمع الشعب أو المعارضة، على الرغم من كونه حاميا للنظام.
- عدم تأييد الجيش للتوريث لأن في ذلك خروجا على مبدأ الحاكم ذو الخلفية العسكرية بالإضافة لتهديد امتيازات الجيش وبيروقراطية الدولة من التوجه النيوليبرالي وتقديره ان الاحتجاجات توقف فقط التوريث.
- اتصاف الثورة بالشعبية منذ جمعة الغضب وسلميتها.
- موقف الجيش التونسي من الثورة في بلاده حمى المتظاهرين مما جعل الجيش المصري مقيدا بما فعله التونسي خاصة أن الجيش المصري أسير صورته الوطنية التاريخية.
إشكاليات المرحلة الانتقالية:
أقر الجيش بشرعية الثورة بعد موقعة الجمل، لكنه تسلم السلطة من مبارك، وهو-حسب ما يؤكد المؤلف- تصرف غير دستوري، ينبىء عن طبيعة العلاقة بين السلطة والجيش في مصر (ص52-53).
وهو الأمر الذي جعل إدارة الجيش للمرحلة الانتقالية، تتمخض عنها إشكاليات في رؤيته للنظام السياسي المقبل ودوره فيه، وطبيعة العلاقة العسكرية-المدنية (ص 56 ). فقدكان المجلس يفتقد إلى رؤية سياسية بديلة لمستقبل مصر، ولم يكن يعي تماما الخريطة السياسية الداخلية ومشكلات البلد الاقتصادية والاجتماعية، ولم يكن يتمتع بالخبرة الكافية لإدارة شؤون الحكم،كما لم يظهر تصميما ولا جدية في تحقيق أهداف الثورة، وحاول التملص من مطالبها وتعامل بعنف مع أي محاولة لانتقاد أدائه.
وكان حرص الإخوان على مساندة الجيش في فرض الاستقرار، حتى يمكن نقل السلطة إلى المدنيين بسرعة-كما كانوا يظنون- عاملا مساعدا في تقوية دور المؤسسة العسكرية على حساب إعادة التوازن للعلاقة مع المدنيين.
يمكن الاستفادة من منظور التوافق الذي طرحته ريبيكا شيف، والذي يقوم على التحاور والتكامل بين أطراف ثلاثة: النخبة العسكرية والنخبة السياسية والمواطنين (أو المجتمع المدني)
وكانت المفارقة القوية أن الجيش كان أحد أجهزة”الدولة العميقة” التي سعت إلى إفشال تجربة حكم الإخوان المسلمين لمصر (ص65 ). ليعود الجيش بعد مرسي لترتفع شعبيته ليكون حكما بين القوى المختلفة التي فقدت بوصلتها نحو تحقيق أهداف الثورة.
تقنين الخصوصية:
يشدد المؤلف على تقنين الدستور الجديد، لخصوصية المؤسسة العسكرية واستقلاليتها في شؤونها كلها، أدى إلى القضاء على كافة فرص التوازن المستقبلي للعلاقات المدنية –العسكرية ودفعها باتجاه ديموقراطي، وهو ما جعل الجيش دولة داخل الدولة، ورتب طغيان المؤسسات المعينة على المنتخبة، وعصف أيضا بحقوق المواطن وحرياته بعدم إلغاء المحاكمات العسكرية (ص 71 ).
تنازعوا، ففشلوا
صفوة القول-كما يقول المؤلف- إن الاستقطاب والشقاق اللذين سادا معظم الفترة التي أعقبت إطاحة حكم مبارك وحتى ما بعد عزل مرسي، بين الأحزاب الليبرالية والحركات الشبابية من جانب، وجماعة الأخوان المسلمين من جانب آخر،كان لهما شأن كبير في عدم توطيد السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية (ص 69 ).
إشكالية ثلاثية الأوجه
يشدد المؤلف على أن العلاقات المدنية- العسكرية في مصر، تمثل إشكالية ثلاثية الأوجه، هي:
- الوجه الأول
رغبة المؤسسة العسكرية في البقاء فاعلا مهيمنا في المجال السياسي
- الوجه الثاني
اخفاق المؤسسات السياسية، وضعف الأحزاب السياسية وتدني مصداقيتها، مما يجعل الجيش الأقوى والأكثر تأثيرا في المجال السياسي، ليصبح الجيش دائما، هو المنقذ والحافظ للأمن والاستقرار (ص 81-82).
- الثالث
عدم صدقية القوى المدنية في دعواها بالديموقراطية
مقاربات إبعاد العسكر عن السياسة
يرى المؤلف أن هناك عدد من الأواليات التي تطبق-منفردة أو مجموعة-في مرحلة التحول الديموقراطي لفرض السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية، أهمها:
- أولا: المقاربة الدستورية
فالإصلاح الدستوري له دور مهم في إرساء السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية، من خلال تقييد الجيش ومهمته دستوريا، لكن النصوص لا تتحول بالضرورة إلى واقع، لذا يحتاج هذا الإصلاح الدستوري أن يتبع بسياسات واجراءات أخرى عملية.
- ثانيا: ثقافة الاحترافية
التي تقي الجنود من انتهاك المباديء والمعايير الديموقراطية، فالقوات المسلحة العارفة بمهمتها الأساسية وأخلاقيات مهنتها، تطور ثقافة مؤسسية تستند إلى قيود ذاتية وتحترم القانون والسلطة المدنية
- ثالثا: المعايير الاجتماعية والتجنيد
فمكانة المؤسسة العسكرية، تعتمد على القبول الاجتماعي لها، ويتحقق هذا بأن تعكس المؤسسة العسكرية المكونات الاجتماعية والإثنية والجغرافية للمجتمع، وكما أن التجنيد الإلزامي يحد من استقلالية المؤسسة العسكرية لصالح الولاء للدولة.
- رابعا: المجتمع المدني
حيث يضطلع المجتمع المدني بدور حيوي في تكريس المباديء والمثل الديموقراطية والدفاع عنها.
- خامسا: الصحافة الحرة
فحرية الصحافة أداة هامة للسيطرة على المؤسسة العسكرية.
عوضا عن التوتر والصراع
يرى المؤلف أنه، عوضا عن التوتر والتصارع بين المدنيين والعسكريين على النفوذ والسلطة، يمكن الاستفادة من منظور التوافق الذي طرحته ريبيكا شيف، والذي يقوم على التحاور والتكامل بين أطراف ثلاثة: النخبة العسكرية والنخبة السياسية والمواطنين (أو المجتمع المدني). ذلك أنه في حال اتفاق هذه الأطراف على تسوية، تراعي هواجس المؤسسة العسكرية، وتلبي مصالحها كمؤسسة، وتكرس مدنية الدولة والسياسة، يفضي هذا الاتفاق إلى تدخل عسكري أقل في السياسة.
كان المشهد السياسي في نهاية حكم مبارك هشا ومضطربا: تنظيمات السياسية ضعيفة وهشة، إضافة إلى أن مؤسسات الدولة المصرية نفسها أخذت في التراجع منذ أواخر عهد السادات، إلى حد انطبق عليها وصف “الدولة الرخوة”
ويحتاج هذا لمنظمات سياسية قوية ترتكز على قاعدة اجتماعية واسعة، تكون موازنة لقوة العسكر. فمآلات العلاقات المدنية-السياسية تتحدد بمدى قوة الأحزاب والقوى السياسية، ونجاحها في تشكيل كتلة ديموقراطية مدنية في مواجهة الجيش وطموحاته السياسية، فكما أن انقسام النخب، يزيد من فرص تدخل العسكر، فإن العكس أيضا صحيح. كما أن الجيش لا ينسحب من السيطرة على الحياة السياسية، إذا كان متأكدا من أن البديل ضعيف، وغير قادر على السيطرة في ظل نظام حزبي منقسم وحياة سياسية منقسمة (ص 30).
ما العمل؟
يطرح المؤلف حلا توافقيا للعلاقة الإشكالية بين العسكريين والمدنيين في مصر، يقوم على المواءمات، ومراعاة الأوضاع الفعلية لحقائق الواقع فيما يتعلق بالمؤسسة العسكرية، يؤدي إلى تحقيق استقلالية المؤسسة العسكرية عن السلطة المدنية دون هيمنتها عليها، وذلك عبر الاقتراحات التالية:
- بالنسبة للمناصب القيادية يكون تعيين الأفراد في المناصب العسكرية من حق المؤسسة العسكرية ومن داخلها، عدا وزير الدفاع يكون من المتقاعدين.
- فيما يتعلق بمسألة ميزانية الجيش، والمصالح الاقتصادية له: طرح المؤلف تصورا يراعي حساسية الجيش في منع كشف بنود الميزانية على العامة، من خلال إحاطة مناقشة اللجان البرلمانية بالسرية، على ألا يحول ذلك دون الفصل بين الجانب المدني والجانب العسكري في اقتصاد الجيش.
- بالنسبة للمحاكم والحصانة القضائية، يتم الفصل بين المحاكم العسكرية والمدنية.
- منح قيادات الجيش امتيازات وحصانات خاصة لكسب ولائهم للنظام الديموقراطي.
واعتبر المؤلف أن هذه الحزمة من التصورات، تمثل حلا واقعيا يحقق مصالح الطرفين المدني والعسكري، وتعزز الانتقال الديموقراطي، مؤكدا أن هذا السيناريو مشروط بمدى قدرة القوى السياسية والثورية على إعادة الاصطفاف مرة أخرى، والاتفاق على برنامج وطني لمقاومة الثورة المضادة، وديناميات الدولة التسلطية، وتغول العسكر على العملية السياسية، وتعزيز التنشئة السياسية للمواطنين، ودمقرطة المؤسسة العسكرية نفسها (ص89-90 ). كل هذا، مع أخذ مواقف القوى الدولية والاقليمية، ممثلة في أمريكا واسرائيل ودول الخليج، لأن مستقبل العلاقات المدنية-العسكرية لن يكون بمنأى عن التدخل الاقليمي والدولي (ص 92 ).
وتبقى كلمة
متى أدرك، كل الفاعلين السياسيين في مصر، في الحكم والمعارضة معا، إن إصلاح العلاقات المدنية-العسكرية، أو أعادة التوازن بين المجالين المدني والعسكري، لا يعني تقويض المؤسسة العسكرية أو إضعافها، بل من المفترض أن تزيد إعادة التوازن هذه احترافية المؤسسة العسكرية، وتعزز كفاءتها في أداء المهمات الأصلية التي أنشئت من أجلها.
ومتى تغيرت، عقلية الهيمنة على المشهد السياسي، التي ابتليت بها كل القوى السياسية التي تطمح لحكم مصر، ومتى أدركت هذه القوى جميعها، أن زمن حسني مبارك ولى ولن يعود، مهما بدا من ظواهر تشير إلى غير ذلك، ومتى تخلصت كل هذه القوى من أوهامها عن إمكانية عودة الماضي بشخوصه وسياساته ليحكم مصر من جديد.
كان حرص الإخوان على مساندة الجيش في فرض الاستقرار، حتى يمكن نقل السلطة إلى المدنيين بسرعة-كما كانوا يظنون- عاملا مساعدا في تقوية دور المؤسسة العسكرية على حساب إعادة التوازن للعلاقة مع المدنيين
ومتى أدرك هؤلاء جميعا، أن مصر اليوم والغد القريب شابة متحفزة، طامحة للحرية والديموقراطية، لن تقبل باستمرار معادلة إما أو التي عاشها الشعب سنين عددا.
ومتى فهم كل أطراف العملية السياسية في مصر، أنه لا تنمية بدون حرية، ولا استقرار بدون مشاركة، ولا دولة بدون أمة، ولا حكومات بدون معارضة، ولا أنظمة سياسية فاعلة دون مشاركة سياسية حقيقية.
ومتى أدرك أفراد الشعب، وخصوصا نخبه، أنه لا ديموقراطية حقيقية، ولا تنمية مستقلة، ولا عدالة اجتماعية دون مجتمع مدني قوي ومشاركة سياسية فاعلة مستمرة.
ساعتها فقط يمكننا القول، إن العلاقة المشكلة بين العسكريين والمدنيين، في سبيلها لتتخذ مسارها السوي الذي يضمن أمن البلاد وطمأنينة العباد.