قدم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، مساء أمس الخميس، مقترح مبادرة من أجل حكومة وحدة وطنية تكون أولويتها الحرب على الإرهاب والفساد وترسيخ الديمقراطية، تشارك فيها أحزاب ونقابات. وصرح السبسي في حوار أدلى به للقناة الوطنية الأولى مساء الخميس بأن تونس تحتاج إلى حكومة وحدة وطنية لاجتياز المرحلة الصعبة يشارك فيها الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف.
والمنظمتان كانتا من بين رباعي الحوار الوطني الذي حاز جائزة نوبل للسلام العام الماضي مقابل دورهما في إنجاح الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وقال السبسي في حوار بثه التلفزيون الرسمي “أقترح حكومة وحدة وطنية تضم بالضرورة الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف)، كما يمكن أن تضم الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم ( أحزاب نداء تونس والنهضة والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس) ومستقلين“. وأضاف الرئيس التونسي “يجب التشاور حول الحكومة حتى نضمن تضامن الجميع“.
وبيّن السبسي أن أولويات حكومة الوحدة الوطنية المقترحة هي مقاومة الإرهاب والفساد وترسيخ الديمقراطية والتشغيل والتعليم والصحة وأضاف الرئيس واستعادة دولة القانون.
وبيّن أن مقترحه هذا “كان خلاصة للقاءات جمعته بأحزاب ووزراء وشخصيات سياسية ومستقلة عدة طوال الفترة الماضية“.
ولتشكيل حكومة وحدة وطنية يتعين استقالة الحكومة الحالية وموافقة البرلمان على اي حكومة جديدة.
ولم يستبعد السبسي مواصلة الحبيب الصيد تسيير الحكومة الجديدة، بالقول :”ليس عندي مانع في أن يسيرها رئيس الحكومة الحالي أوغيره. لو لم يكن الصيد لكان الفشل أكبر. عيب الحكومة أنها لم تكشف الوضع الذي تركته الحكومات الأخرى للناس“. وقال إن ”مردود الحكومة مقبول، دون نجاح مائة بالمائة لأنه يجب تطبيق وفرض دولة القانون أمام من يوقف العمل”
واستلمت حكومة الحبيب الصيد الحالية مقاليد الحكم في فبراير2015. وأجرى الصيد مطلع العام الجاري تعديلات وزارية وسط احتجاجات اجتماعية متواترة لكن الجهود ظلت مركزة على مكافحة الإرهاب واعتماد القروض الخارجية لإنعاش الاقتصاد.
وأكد السبسي أن الإرهاب كلف بلاده نحو 4 مليار دولار، وهو نفس المبلغ الذي كلفه تردي الأوضاع في ليبيا.
رد الصيد عن مبادرة السبسي
في أول رد له على مبادرة الباجي، قال رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، إنه لم يتحاور سابقا مع رئيس الجمهورية ولا مع الاتحاد العام التونسي للشغل حول مقترح الرئيس بآنضمام الاتحاد و منظمة الأعراف في تركيبة حكومة الأنقاذ الوطني.
وأضاف الصيد في حوار إذاعي صباح اليوم، أنه سيلتقي يوم الإثنين 06 يونيو 2016 مع رئيس الجمهورية الباجي قايد السيسي للتحاور معه بعد إعلانه عن إمكانية تكون حكومة وحدة وطنية.
وأوضح الصيد ان مبادرة رئيس الدولة من أجل مصلحة البلاد والشعب التونسي ولا غايات أخرى منها، وفق تعبيره. مؤكدا إستعداده لمغادرة رئاسة الحكومة من أجل مصلحة البلاد قائلا: من أجل مصلحة البلاد نغادر ومصلحة البلاد فوق كل المصالح”.
وبين الحبيب الصيد إنه قبل مسؤولية رئاسة الحكومة سابقا دون أن يفكر لانه واجب وطني، وفق تعبيره.
الصيد أكد أنه في صورة بقائه على رأس الحكومة وتكليفه بتشكيل حكومة وحدة وطنية سيتشاور مع جميع الأحزاب دون استثناء، مع إمكانية تغيير بعض الوزراء.
وكشف أنّه عندما تم تكليفه بتشكيل الحكومة الحالية من طرف رئيس الجمهورية لم يكن لديه أي حدود، ولم يملي عليه أحدا ما يفعل، مؤكّدا أنه دخل في مشاورات مع جميع الأحزاب.
موقف الأحزاب والمنظمات من هذه المبادرة
من جهته قال محمد الناصر رئيس البرلمان التونسي انه يعتزم اليوم الجمعة لقاء الامين العام للاتحاد التونسي للشغل حسين العباسي لدعوته للمشاركة في حكومة وحدة وطنية. في وقت أكّد فيه العباسي رفض الاتحاد لهذه الدعوة. وأرجع العباسي ذلك “لأنّه يرى أنّه من الأفضل الابتعاد عن الحكم.“
وشدد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي على أن الاتحاد يدعم ارساء حكومة وطنية تحظى بأكبر اجماع وتوافق ممكنين إلا أنه لا أنه لا يرى نفسه من ضمن المشاركين فيها خصوصا وأن الأحزاب السياسية هي التي خلقت لتحكم حسب تعبيره.
ساعات قبل حديث قائد السبسي عن حكومة وحدة وطنية، قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في حوار صحفي “ان تغيير رئيس الحكومة غير مطروح ومستبعد رغم الصعوبات التي تمر بها حكومته”.
وأشار الغنوشي الى أن الحبيب الصيد يعمل بجد مع فريقه الحكومي وأن حركة النهضة و حزب نداء تونس وشريكيهما في الحكم يدعمون الصيد ويعتبرون أن أولويات المرحلة القادمة اقتصادية اجتماعية تنموية وليست سياسية.
ودعا الغنوشي، حكومة الصيد الى الترفيع في نسق الإصلاحات الاقتصادية الضرورية, وبعث المشاريع الكبرى في الجهات المختلفة حتى توفر للشعب ما يحتاجه من حركية اقتصادية.
وسبق لحركة النهضة أن طالبت قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة و بعدها بتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الأحزاب السياسية وأهم الفاعلين في البلاد.
وتباينت مواقف حركة نداء تونس من دعوة السبسي الى حكومة وحدة وطنية، حيث اعتبر رضا بالحاج القيادي بحركة نداء تونس ان توقيت طرح رئيس الجمهورية لمبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية متسرع وغير مدروس مرجحا امكانية ان تتسبب هذه المبادرة في ارباك عمل الحكومة.
وانتقد بالحاج في تصريحات صحفية، عدم طرح المبادرة للاستشارة داخل تنسيقية الائتلاف الحاكم ولا حتى داخل اطر حزب حركة نداء تونس لاسيما وانه الحزب الفائز في الانتخابات.
وأضاف بالحاج ” من الناحية الدستورية ليس لرئيس الجمهورية الصلاحيات لابداء الراي او تقييم عمل الحكومة او اقتراح تشكيل حكومة وحدة وطنية” مبينا ان ” الاغلبية الحزبية هي التي تشكل الحكومة في الديمقراطيات وليس رئيس الجمهورية.”
في مقابل ذلك اكد سفيان طوبال رئس كتلة حزب حركة نداء تونس بالبرلمان ان الكتلة تساند مبادرة السبسي وطنية مشيرا الى ان المبادرة جاءت في وقتها بالنظر الى ما تمر به البلاد من صعوبات اجتماعيا واقتصاديا. ودعا طويال، رضا بالحاج الى اعادة قراءة الدستور.
وعلّق القيادي في حزب حراك تونس الارادة عدنان منصر، على مبادرة الباجي الداعية الى تشكيل حكومة وحدة وطنية قائلا” ملخص “مبادرة” رئيس الجمهورية: “أنقذونا لكن بشروطنا”، مضيفا في تعليق اخر ” فهمتكم وفهمت الجميع” وفق ما أورده على صفحته الرسمية.
من جهته قال القيادي في الحزب الجمهوري عصام الشابي إن حزبه مستعد للحوار والإدلاء برأيه في خصوص حكومة وحدة وطنية لو اقتُرح عليه المشاركة فيها.
وشدد الشابي في تصريح إذاعي على ضرورة إيجاد توافق وطني على برنامج لتسيير الحكومة، مشيرا إلى أن حكومة الحبيب الصيد لم تنجح في إعادة الثقة للتونسيين لأنها انطلقت دون رؤية ودون برنامج على حد تعبيره.
و انتقد النائب عن حزب صوت الفلاحين فيصل التبيني ما اعتبره تجاهلا من رئيس الجمهورية لاتحاد الفلاحين عند إعلانه عن مبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة اتحاد الشغل و منظمة الأعراف.
واعتبر التبيني أنّ هذه المبادرة تمثّل اعترافا بفشل الحكومة الحالية قائلا انه ”كان على رئيس الجمهورية الإعلان عن انتخابات تشريعية مبكرة و ليس حكومة وحدة” حسب رأيه.
بدوره قال القيادي بالجبهة الشعبية، الجيلاني الهمامي، في تصريح اعلامي، إن صلاحيات رئيس الجمهورية لا تخوّل له حلّ الحكومة إلاّ في صورة دفعها نحو الاستقالة.
وأضاف الهمامي “يبدو أن لقاء رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي برئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، الأربعاء، أفضى إلى إثارة مقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية”.
وأشار الى ان الجبهة الشعبية تؤكد أن المسألة تتجاوز تغيير الأسماء، وان الحكومة القادمة ستكون كسابقاتها في صورة عدم تقديمها لبرنامج واضح يشمل جميع المجالات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتنمويا، ويساهم في حلحلة الأوضاع بالبلاد.
هل تكون الحكومة الثامنة بعد الثورة؟
وينتظر ان تكون حكومة الوحدة الوطنية التي تحدث عنها السبسي, الثامنة في تونس منذ الثورة. وتشكلت في تونس من 14 يناير 2011سبع حكومات.
حكومة محمد الغنوشي الأولى (الوزير الأول في نظام بن علي)، استمرت من 17 يناير 2011 حتى 27 من الشهر نفسه في العام ذاته، وهي حكومة ائتلافية تشكلت من “حزب التجمع الدستوري، ومستقلين، والحزب الديمقراطي التقدمي، وحركة التجديد“.
حكومة محمد الغنوشي الثانية من 27 يناير 2011، حتى 27 فبراير من العام نفسه، وتكونت من مستقلين، و”حزب الديمقراطي التقدمي”، وحركة “التجديد“.
حكومة الباجي قايد السبسي (الرئيس الحالي)، من 7 مارس 2011 حتى 13 ديسمبر 2011، وتشكلت من مستقلين.
حكومة حمادي الجبالي (الأمين العام السابق لحركة النهضة)، تشكلت بعد فوز حركة النهضة بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، عملت خلال الفترة الواقعة بين 22 ديسمبر 2011 حتى 13 مارس 2013، وهي حكومة ائتلافية بين حركة “النهضة”، و”حزب المؤتمر من أجل الجمهورية”، و”التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات”، ومستقلين.
حكومة علي العريض، من 13 مارس 2013 إلى 09 يناير 2014، وهي حكومة ائتلافية بين “النهضة”، و”حزب المؤتمر من أجل الجمهورية”، و”التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات”، ومستقلين.
حكومة مهدي جمعة، عملت من 28 يناير 2014 إلى 26 من الشهر نفسه عام 2015، وهي حكومة تكنوقراط، تكونت من مستقلين بعد اتفاق نتيجة حوار وطني، انطلق في أكتوبر 2013، لحل الأزمة السياسية الناتجة، عن اغتيال المعارض القومي محمد البراهمي.
حكومة الحبيب الصيد، بدأت نشاطها من 6 فبراير2015 حتى اليوم، وهي ائتلافية تكونت إثر انتخابات تشريعية ورئاسية، جرت عام 2014 بين أربعة أحزاب “حركة نداء تونس” (وسط ليبرالي)، و”النهضة” (إسلامية)، و”الاتحاد الوطني الحر” (ليبرالي) وأفاق تونس (ليبرالي).
و يؤكد متابعون، أن مقترح رئيس تونس الباجي قائد السبسي ينم عن ادراك الأخير بفشل حكومة الحبيب الصيد في تحقيق ماجاءت من أجله. ويؤكدون أن مصير الحكومة القادمة إن تشكلت سيكون نفس مصير الحكومات التي سبقتها إن لم يقع تشخيص كامل للوضع التونسي وتشريك جميع الأطراف في البحث عن الحلول الكفيلة لتجاوز الأزمة التي تعرفها البلاد.