يعكس ارتباط دول الخليج العربي بدولتي المغرب والأردن متانة العلاقات وعمقها في شتى المجالات، وتوثق بعد دعوة مجلس التعاون الخليجي لكلا الدولتين للانضمام لمجلس التعاون الخليجي ل”تأكيد علاقات الأخوة والتضامن الفاعل ووحدة المصير والهدف” ومن جانب آخر غير معلن المحافظة على حكم النظام السياسي الملكي في الدول العربية والذي تود دول مجلس التعاون أن تحافظ عليه خشية على أنظمتها وكياناتها بعد موجة الربيع العربي التي اجتاحت الدول العربية. وأكدت دول مجلس التعاون في أكثر من مناسبة أن العلاقة مع كلا البلدين تشكل “تكتلا استراتيجيا موحدا” و”تلتزم بالدفاع المشترك عن أمن بلدانهم واستقراراها”.
إلا أن عضوية كل من البلدين في المجلس لا تزال تفتقر للتطبيق والواقع فهناك فجوة كبيرة بين اقتصاديات كل من المغرب والأردن وبين اقتصاديات دول مجلس التعاون، وإفتقار المجلس للتنظيمات والقوانين التي ترسم وتحدد علاقة الانضمام للمجلس يكبل هذه العلاقة ويجعلها تدور في “فلك الاقتراح”، ويقترح الخبراء الاقتصاديون بذل جهود أكبر لتحقيق الاندماج الاقتصادي الكامل والانسجام في القواعد والتنظيمات في مجالات التشريع والمال والجمارك والتجارة والإدارة وغيرها، وهذا كله يتطلب خطوات حثيثة من قبل المجلس.
مساعدات مالية خليجية للمغرب
تعهدت أربع دول خليجية هي الإمارات وقطر والكويت والسعودية في العام 2012 تقديم مساعدات مالية تقدر قيمتها 5 مليارات دولار للمغرب على شكل مليار وربع لكل دولة من الدول الأربع خلال الفترة بين 2012 – 2017، لمساعدته في تجاوز الصعوبات الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية والسياحة وتقوية اقتصادها بشكل عام للحوؤل دون انجرار البلاد لموجة ثورات الربيع العربي. وقدمت دول الخليج نفس القرض للأردن في نفس الغلاف المالي الذي قدمته للمغرب.
وفي مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط الذي عقد في الدوحة واختتم فعالياته يوم الأربعاء الماضي، أكد وزير الاقتصاد والمالية المغربي أن الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج مستمرة “ولم تتراجع” وكشف عن وصول نحو 2.7 مليار دولار من حجم الماساعدات الذي وعدت به دول الخليج في العام 2012 بقيمة 5 مليارات دولار، والمخصصة للمشاريع الاستثمارية المشتركة بين الطرفين، نافيًا ما تردد من إشاعات حول عدم وصول المساعدات بعد تراجع أسعار النفط ومواجهة دول الخليج عجوزات مالية كبيرة والبدء في اقتراض الأموال من المؤسسات الدولية.
الاقتصاد المغربي اقتصاد هش!
أقرت المغرب ميزانية للعام المالي الحالي 2016 متوقعة بانخفاض العجز إلى 3.5% من 4.3% في العام 2015 مستهدفة مساعدات مالية تقدر قيمتها مليار دولار من دول الخليج. وقد تم توقيع مذكرة في مارس /آذار الماضي مع السعودية لتقديم مساعدات مالية للمغرب قيمتها 230 مليون دولار من ضمن حزمة المساعدات التي وعدت بها دول الخليج.
ترتبط المغرب وتتأثر بمحيطها الإقليمي والدولي وخصوصًا بدول أوروبا التي تجمع بينهما علاقات جيدة حيث تشكل جزءًا كبيرًا من التجارة الخارجية المغربية وهذا ما يفسر تراجع معدلات نمو الاقتصاد المغربي بسبب حالة الركود الاقتصادي التي ضربت أوروبا منذ الأزمة المالية العالمية 2008.
ويسعى المغرب لتجاوز هذه الارتكاسات مع شركائه الإقليييمن والدوليين تنويع موارد اقتصاده وتوسيع قاعدة الشركات الاستراتيجية مع دول العالم، حيث عمد إلى توسيع اعتماده على الطاقات المتجددة بالاعتماد على طاقة الشمس في مشروع كبير تم افتتاح جزء منه “نور 1” وتطبيق رؤيته السياحية حتى عام 2020 وتوسيع نطاق الزراعة والصناعة.
إلا أن معدل النمو الاقتصادي للمغرب لن يجاوز في العام المالي الحالي 2% حسب وزارة الاقتصاد والمالية حيث لن تستطيع القطاعات غير الزراعية تعويض تراجع محصول الحبوب المتوقع بنسبة 70%. وهذا ما يعرض الاقتصاد بالمجمل للهشاشة غير أن خبراء اقتصاديين مستقلين أكدوا أن القدارت الكامنة للاقتصاد تأهله أن ينمو بمعدلات عالية تقارب ال 7% ولكن ما يعوق ظهور تلك القدرات هو النموذج الاقتصادي المتبع في البلاد الذي يعتمد على تحريك النمو الاقتصادي من خلال الطلب الداخلي، ويكمن الحل برأي الخبراء بالعودة إلى التصنيع وتغيير النموذج الاقتصادي، فالصناعة كفيلة بدفع عجلة النمو الاقتصادي وبدونها يستحيل تحقيق استقرار على مستوى النمو. وبحسب البيانات الصادرة حول الاقتصاد المغربي من قبل المندوبية السامية للتخطيط فإن الجزء الكبير من الاستثمارات تم توجيهه للعقارات على حساب الصناعة والزراعة، وهو سبب رئيسي لتأخر الصناعة في المغرب.
الملك محمد السادس يزور الصين
زار الملك كل من روسيا والصين في الفترة الماضية لتنويع شراكات المغرب مع دول أخرى وخلق توازن في علاقات المغرب الدولية وتنويع مصادر دخل الاقتصاد لمواجهة التقلبات الاقتصادية الحاصلة في الاقتصاد العالمي.
طابع الزيارة إلى الصين كان اقتصاديًا في الدرجة الأولى بسبب الوزن الذي تكتسبه الصين في المشهد الاقتصادي العالمي، كما أن الصين تفضل أن يكون الاقتصاد أساس علاقتها الدولية مع غيرها أكثر من السياسة، والزيارة برأي مراقبين تفتح عهدًا جديدًا في تاريخ العلاقات بين البلدين مع ما تم توقيعه من الكثير من المذكرات الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية والإنسانية والسياسية. وقد شمل نطاق التعاون والشراكة تصنيع السيارات والطيران والبنية التحتية والصحة والأمن الغذائي والثقافة. كما تم إلغاء التأشيرة للصنين الراغبين في السفر إلى المغرب، وتنظر الصين إلى المغرب من منطلق طريق الحرير البحري الجديد إذ يسهم المغرب بمكانة بارزة فيه من حيث أنه حلقة وصل قارية (افريقيا- الشرق الأوسط -أوروبا) وكونه مدخلا أساسيًا على الواجهة الأفرو-أطلسية.
والجدير بالذكر أن اسبانيا وفرنسا تعتبران شمال افريقيا فضاء لعلاقتهما التجارية وعمقهما الاستراتيجي، وتخشى كل من الدولتين أن تزيح الصين الشراكة الاقتصادية مع المغرب وشمال أفريقيا بما تمثله من تبادل تجاري، خصوصًا بعد تحول الصين لأبرز الشركاء الاقتصاديين مع الجزائر وإزاحتها كلا من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.