الحكومات تلجأ لمؤسسات التجسس التجارية لترهيب معارضيها

30dissidents1-master768

ترجمة وتحرير نون بوست

في السنوات الخمس الماضية، تعرض أحمد منصور، الناشط في مجال حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة، للسجن والطرد من وظيفته، بالإضافة إلى مصادرة جواز سفره، سرقة سيارته، اختراق بريده الإلكتروني، تتبع مكان وجوده، سرقة 140.000 دولار من حسابه المصرفي، فضلًا عن تعرضه للضرب لمرتين في ذات الأسبوع، وأصبحت تجربة منصور قصة تحذيرية يتداولها المعارضون والصحفيون والناشطون في مجال حقوق الإنسان في الإمارات.

تعودنا سابقًا على أن تكون حفنة صغيرة فقط من الدول قادرة على الوصول إلى أدوات القرصنة والتجسس المتطورة، ولكن في أيامنا الراهنة، أصبحت جميع البلدان، سواء الصغيرة والغنية منها كالإمارات، أو الفقيرة والمكتظة كإثيوبيا، تشتري برامج التجسس التجارية أو توظف وتدرّب المبرمجين لتطوير أدوات القرصنة والمراقبة الخاصة بها.

يتميز عالمنا اليوم بشكل عام بقلة الحواجز والقوانين التي تحول دون الانضمام إلى هيكلية أجهزة المراقبة العالمية؛ فعشرات الشركات، بدءًا من مجموعة إن إس أو (NSO) وسليبرايت (Cellebrite) في إسرائيل مرورًا بشركة فينفيشر (Finfisher) في ألمانيا وانتهاءًا بهاكينغ تيم (Hacking Team) في إيطاليا، تبيع أدوات التجسس الرقمي للحكومات.

وهناك أيضًا عدد من الشركات في الولايات المتحدة تقوم بتدريب موظفي إنفاذ القانون الأجانب وأجهزة المخابرات الأجنبية لترميز أدوات المراقبة الخاصة بهم، وفي كثير من الحالات تستطيع هذه الأدوات الالتفاف على الإجراءات الأمنية كإجراءات التشفير، حيث تُستخدم هذه الأدوات من قِبل بعض البلدان لمراقبة المعارضين، ومن قِبل بعضها الآخر لقمع ومعاقبة المنتقدين، سواء داخل أو خارج الحدود الوطنية.

“لا يوجد قوانين كافية لتنظم هذا الموضوع” قال بيل مارتشاك، زميل بارز في مخبر المواطنين (Citizen Lab) في كلية مونك للشؤون العالمية بجامعة تورنتو، والذي يتتبع انتشار برامج التجسس في جميع أنحاء العالم، وتابع: “أي حكومة تريد التجسس، يمكنها شراء أدوات التجسس بشكل صريح أو استئجار شخص لتطوير أدواتها الخاصة، وعندما نرى انتشار برامج التجسس في أشد البلدان فقرًا، فسندرك بأن المال لم يعد حاجزًا هنا”.

تفحّص مارتشاك رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بمنصور، وتبين له بأنه وقبل اعتقاله، كان منصور هدفًا لبرامج التجسس المباعة من قِبل شركة فينفيشر الألمانية وهاكينغ تيم الإيطالية، اللتان تبيعان أدوات مراقبة للحكومات بأسعار بخسة لا تتجاوز الست أو السبع خانات، حيث تبيع كلا الشركتين الأدوات التي تحوّل أجهزة الكمبيوتر والهواتف إلى أجهزة تنصت واستماع قادرة على مراقبة رسائل ومكالمات ومكان وجود الضحية.

في عام 2011، وخلال أحداث الربيع العربي، أُلقي القبض على منصور مع أربعة أشخاص آخرين بتهمة إهانة حكام الإمارات، بعد أن دعا منصور إلى جانب أشخاص آخرين لتنظيم اقتراعات عامة ضمن المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، ولكن تم إطلاق سراحه والعفو عنه مع الباقين بسرعة جرّاء الضغوط الدولية التي تعرضت لها الإمارات.

مشاكل منصور الحقيقية بدأت بعد وقت قصير من إطلاق سراحه، حيث تعرض للضرب، سُرقت سيارته، وسُرق مبلغ 140,000 دولار من حسابه المصرفي، ولم يدرك حقيقة أنه مراقب إلا بعد مرور عام كامل، عندما وجد مارتشاك برامج تجسس على أجهزته.

“الأمر سيء للغاية، وكأن شخصًا ما يتعدى على غرفة معيشتك الخاصة، إنه انتهاك شامل للخصوصية، وستباشر بإدراك أنك ربما لا يجب أن تثق بأحد بعد الآن”، قال منصور.

استطاع مارتشاك تتبع برامج التجسس حتى وصل إلى الفريق الملكي، وهو تكتل يديره عضو من أسرة آل نهيان، إحدى الأسر الستة الحاكمة ضمن الإمارات، وحينها قال ممثلو سفارة الإمارات في واشنطن بأن التحقيقات مازالت جارية في المسألة، وبعدها امتنعوا عن الاستجابة لطلبات الإدلاء بمزيد من التعليقات على الموضوع.

أظهرت الفواتير المسربة من شركة هاكينغ تيم الإيطالية حتى عام 2015، بأن الإمارات هي ثاني أكبر عملاء الشركة، بعد المغرب التي جاءت في مقدمة اللائحة، وتبين أيضًا بأن حكومة الإمارات دفعت لشركة هاكينغ تيم أكثر من 634,500 دولار أمريكي لتثبيت برامج تجسس ضد 1100 ضحية، حيث سُلّط الضوء على هذه الفواتير العام الماضي بعد أن تعرضت شركة هاكينغ تيم ذاتها للاختراق، وسُرّبت آلاف رسائل البريد الإلكتروني الداخلية والعقود التابعة للشركة على شبكة الإنترنت.

أشار إريك رابي، المتحدث باسم هاكينغ تيم، بأن شركته لم تعد تمتلك عقودًا مع دولة الإمارات، ولكن هذا الأمر ناجم، بجزء منه، عن إلغاء الترخيص العالمي للشركة في هذا العام من قِبل وزارة التنمية الاقتصادية الإيطالية.

أحمد منصور

في الوقت الحالي، لم يعد من المسموح لشركة هاكينغ تيم أن تبيع أدوات التجسس خارج أوروبا، كما ويخضع رئيسها التنفيذي، ديفيد فينسنزيتي، للتحقيق حول بعض الصفقات التي عقدتها الشركة.

تشير الأدلة الجديدة التي توصّل إليها مارتشاك بأن دولة الإمارات تعمل الآن على تطوير برامج تجسس خاصة بها لتراقب منتقديها ومعارضيها في الداخل والخارج، “لقد تطورت الإمارات بشكل كبير منذ أن اكتشفنا استخدامها لبرامج هاكينغ تيم في عام 2012” قال مارتشاك، وتابع: “لقد ارتقوا بوضوح ضمن هذه اللعبة، فرغم أن الإمارات لا ترقى لمستوى الولايات المتحدة أو روسيا في هذا المضمار، إلا أنها ترتفع بشكل واضح ضمن اللائحة”.

في أواخر العام الماضي، تلقى مارتشاك اتصالًا من الصحفي روري دوناغي، وهو صحفي في لندن يكتب لصحيفة ميدل إيست آي، كما أنه أحد مؤسسي مركز الإمارات لحقوق الإنسان، وهي منظمة مستقلة ترصد انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات، وطلب دوناغي من مارتشاك فحص رسالة بريد إلكتروني مشبوهة تلقاها من منظمة وهمية تدعى الحق في القتال (Right to Fight)، حيث تضمنت الرسالة روابطًا تزعم بأنها تتضمن حلقة نقاش حول حقوق الإنسان.

وجد مارتشاك بأن رسائل البريد الإلكتروني كانت محملة بأدوات تجسس مخصصة للغاية، مختلفة تمامًا عن تلك الأدوات الجاهزة التي اعتاد أن يعثر عليها ضمن أجهزة كمبيوتر الصحفيين والمعارضين، وبالتدقيق بشكل أكبر، وجد مارتشاك بأنه هذه البرمجيات يتم نشرها من 67 خادمًا مختلفًا، وبأن رسائل البريد الإلكتروني استطاعت اصطياد أكثر من 400 ضحية قاموا بالنقر على الروابط، التي حمّلت بدون علمهم برمجيات خبيثة على أجهزتهم.

وجد مارتشاك أيضًا بأن 24 إماراتيًا تم استهدافهم بذات أداة التجسس على تويتر، حيث أُلقي القبض على ثلاثة أشخاص منهم على الأقل بعد فترة وجيزة من المراقبة، كما أُدين شخص آخر منهم غيابيًا في وقت لاحق بتهمة إهانة حكام الإمارات.

يخطط مارتشاك بالتعاون مع مخبر المواطنين في كلية مونك للشؤون العالمية بجامعة تورنتو لنشر تفاصيل عمليات التجسس المخصصة التي تقوم بها الإمارات على الإنترنت يوم الاثنين، حيث تم صمم مارتشاك أداة تدعى “حماية” لمساعدة الأشخاص لمعرفة فيما إذا كانوا مستهدفين أيضًا.

في هذا السياق، أشار دوناغي بأنه شعر بالخوف من النتائج التي أطلعه عليها مارتشاك، ولكنه لم يتفاجأ، “بمجرد تعمقك تحت القشرة السطحية لدولة الإمارات، ستجد دولة استبدادية، تتركز السلطة ضمنها بأيدي حفنة من الأشخاص الذين يستخدمون ثروتهم على نحو متزايد للتجسس والمراقبة بطرق متطورة”، قال دوناغي.

تُصوّر الإمارات نفسها كحليف تقدمي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث يحاول حكامها في كثير من الأحيان إبراز ميزانية المساعدات الخارجية الكبيرة التي ينفقونها فضلًا عن تسليط الضوء على جهودهم في مجال حقوق المرأة، ولكن بالمقابل، يشير مراقبو حقوق الانسان بأن الإمارات كانت عدوانية للغاية في محاولة تحييد منتقديها.

“مارست الإمارات بعض الخطوات الخطيرة لتعطيل جهود الأفراد الناشطين بمجال حقوق الإنسان وقمع الأصوات المعارضة” قال جيمس لينش، نائب مدير برنامج منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتابع: “تتمتع الإمارات بحساسية عالية تجاه صورتها وتعرف تمامًا من يقوم بانتقادها من الخارج”.

من الجدير بالذكر هنا، بأن لينتش كان قد دُعي في الصيف الماضي للحديث عن حقوق العمال في مؤتمر البناء في دبي، ولكن رفضت السلطات الإماراتية السماح بدخوله إلى البلاد عند وصوله إلى المطار، وحينها لم يكشف المسؤولون عن السبب، ولكنه اكتشف في وقت لاحق بأن مُنع من الدخول لدواعٍ أمنية كما جاء في وثيقة الترحيل.

على صعيد آخر، صرّح منصور، الذي لا يزال يقيم في الإمارات، للعلن حول استهدافه ببرامج التجسس، ولكنه شعر بأنه مكبل الأيدي على نحو متزايد تجاه الأمور التي يمكنه تقديمها في هذا النطاق، حيث يخشى بأن أي شخص سيتحدث إليه سيصبح هدفًا للمراقبة أيضًا.

بدأت الإمارات مؤخرًا بمعاقبة عائلات معارضيها ومنتقديها؛ ففي مارس، ألغت الإمارات جوازات سفر ثلاثة أشقاء وُجهت لوالدهم تهمة محاولة قلب نظام الحكم.

“ستستيقظ يومًا ما لتجد بأنك أصبحت مصنفًا كإرهابي، حتى لو لم تكن تعرف كيف تضع الرصاصة داخل البندقية”، قال منصور.

المصدر: نيويورك تايمز