أحال النائب العام المصري المستشار نبيل صادق، بالأمس، المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، إلى المحاكمة الجنائية العاجلة أمام محكمة الجنح، لاتهامه بـ”إذاعة أخبار كاذبة على نحو يسيء إلى مؤسسات الدولة ويزعزع الثقة بها”.
حيث اعتبرت النيابة المصرية أن إدلاء جنينة بتصريحات إعلامية أثناء توليه رئاسة الجهاز، كشف فيها وقائع فساد بأجهزة الدولة قال أنها تتجاوز قيمتها 600 مليار جنيه خلال عام 2015، أخبارٌ كاذبة تهدف إلى زعزعة الاستقرار في البلاد عن طريق التشكيك في مؤسسات الدولة.
هشام جنينه أُفرج عنه على ذمة التحقيقات بكالفة قدرها 10 آلاف جنيه، لكنه رفض دفعها وفضل استمرار حبسه، مؤكدًا أن قيامه بسداد الكفالة بعد تلك الاتهامات التي وصفها بـ “الكيدية و”التحريات الملفقة” يعطي دلالة على تسليمه بها، فيما حددت نيابة أمن الدولة العليا، الخميس القادم، جلسة 7 يونيو، كأولي جلسات بدء محاكمة جنينة، بتهمة نشر أخبار كاذبة عن مؤسسات الدولة.
بينما سيظل المستشار هشام جنينه محتجزًا بالقسم لحين موعد انعقاد الجلسة المقررة في الشهر الجاري ما لم يسدد الكفالة، وذلك بعد رفضه دفعها للنيابة أثناء التحقيق معه، هذا وقد قامت قوة أمنية باصطحاب المستشار هشام جنينة بسيارة الترحيلات الخاصة إلى قسم شرطة القاهرة الجديدة، حيث مقر سكنه، للبدء في اتخاذ إجراءات حبسه.
إذن أكبر رئيس جهاز رقابي مستقل في مصر يحتجز ويقدم للمحاكمة العاجلة لمجرد كشفه عن وقائع فساد، أثبتتها لجنة التحقيق المشكلة بخلاف القانون من رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، للبحث في مزاعم رئيس الجهاز أثناء ولايته، لكنها قالت فقط إنها “مضخمة”.
النظام ينتقم من جنينه
بعد جولات الصدام المتتالية بين هشام جنينه والنظام الحالي باعتباره آخر مسؤول تم تعيينه في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، وحملات الإعلام ضده، اتخذت رئاسة الجمهورية قرارًا بعزل هشام جنينة خلافًا للدستور، وأقرت قانونًا خاصًا قبل ذلك يسمح لرئيس الجمهورية بعزل روؤساء الأجهزة الرقابية المحصنين، وقد كان عزل جنينه بالفعل، رغم أن ولايته تبقى على انتهائها بضعة شهور لم يستطيع النظام تحمل جنينة فيهم وضاق ذراعًا به فعزله.
لم يعترف المستشار هشام جنينه بهذا العزل وتقدم بطعن على قرار إعفائه من منصبه جاء استنادًا على مخالفة العزل لأحكام الدستور والقانون، ولمخالفته كذلك للمادة 20 من القانون الخاص بالجهاز المركزي للمحاسبات بعدم جواز عزل رئيسه.
حيث اعتبر فريق الدفاع القانوني عن المستشار جنينه القانون الذي صدر العام الماضي بجواز عزل رئيس الجمهورية لرؤساء الهيئات الرقابية مخالف للدستور الذي نص على ضرورة أخذ الأجهزة الرقابية المستقلة في القوانين الخاصة بها.
مؤكدين أن هدف المستشار هشام جنينة ليس العودة لموقعه السابق، وإنما حماية الدستور والتصدي لكل من يخالف أحكام الدستور، لافتين إلى أن جنينه لا يرحب بالعودة لمنصبه وإنما يستهدف التأكيد بأن قرار عزله جاء مخالفا للدستور والقانون.
بعد ذلك جاء رد النظام سريعًا على هذه الخطوة بتحريك أحد البلاغات التي تتهم جنينه بنشر أخبار كاذبة إبان توليه منصبه، بينما رد هشام جنينه في بيان وأكد أنه غير نادم لأنه كان يؤدي واجبه في محاربة الفساد.
ومن هنا انطلقت دعوات للوقوف بجانب المستشار هشام جنينه في وجه النظام الذي بات يصنع معارضته بيده، فقد اكتسب جنينه بموقفه الأخير شعبية عند كثير من الجمهور الرافض لهذا النظام بعيدًا عن الخلفيات السياسية والأيدولوجية.
تصرفات النظام تصنع رموز المعارضة
هذا الأمر يعني بوضوح أن القائمين على تحريك مثل هذه القضايا في مصر ليست لديهم أي خبرة سياسية في الحكم حتى ولو بـ “سلطوية”، لأن تخطي كل الخطوط الحمراء بحبس صحفيين ورئيس أكبر جهاز رقابي في مصر هي رسالة سيئة عن طبيعة النظام الحاكم في مصر.
يظهر ذلك في مدة لم تتجاوز 3 أسابيع ألقت فيها قوات الأمن القبض على شخصيات صحفية وقضائية وأحالتهم للنيابة العامة، واجه فيها أصحاب تلك المواقف ما أسموه الخلل في منظومة العدالة، حيث وقرروا رفض الانصياع لتلك القرارات، ومواجهتها علنًا أمام الرأي العام، حتى ولو كانت ضريبة ذلك هي استمرار حبسهم.
فقبل هشام جنينه رفض يحيى قلاش، نقيب الصحفيين، وعضوين من مجلس النقابة خالد البلشي وجمال عبدالرحيم، دفع الكفالة التي حددتها النيابة للإفراج عنهم في تحقيقات اتهامهم بإيواء الصحفيين محمود السقا وعمرو بدر داخل مقر النقابة.
واستمر هذا الامتناع لمدة 24 ساعة، حتى تم دفع المبلغ من قبل أحد المحامين في التيار الشعبي بغير علمهم، ولم تضح حتى الآن الجهة التي وقفت خلف المحامي لدفع تلك الكفالة بغير رضا أصحابها على هذا النحو.
أما سناء سيف الناشطة الحقوقية فقد رفضت الإجابة على أسئلة القاضي أثناء التحقيق معها بتهمة التحريض على التظاهر ضد السلطات بعد مظاهرات جمعة الأرض، حيث طالبت النيابة بألا تشارك في ما وصفته بـ “المهزلة”، مؤكدة أن المحاكم والنيابات كلها تمضي طبقًا لرغبة النظام، معتبرة هذه التحقيقات صورية.
وردًا على ذلك صدر حكم على سيف بحبسها 6 أشهر بتهمة إهانة القضاء لرفضها الرد على وكيل النيابة،وقد قامت سناء بالتنازل عن تقديم معارضة أو استئناف على قرار الحبس، وهو ما يعني تنفيذه، وهي رسالة بعثت بها للتشكيك في إجراءات المنظومة القضائية في مصر.
وعليه فقد أصبح النظام يواجه الآن تهمًا بالشروع في حبس نقيب الصحفيين وعضوين من محلس النقابة في تهم متعلقة بحرية الصحافة، وكذلك نفذ احتجاز رئيس أكبر جهاز رقابي في مصر مهما كان الخلاف بينه وبين النظام إلا أنها رسائل لا تفيد بقدر ما تضر، لكن ثمة حالة من الإصرار انتابت نظام السيسي، تجعل المواجهة مفتوحة مع الجميع طالما لم يقفوا في صفه بشكل مباشر، وذلك دون مواءمات ودون خطوط حمراء، وهو ما سيصنع بحسب مراقبين حركة معارضة بأبطالها خارج سياق مواجهة الإسلاميين التقليدية.