بعد انتهاء توماس بكيتي صاحب كتاب “رأس المال في القرن الواحد والعشرين” من إلقاء نبذة عن الكتاب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في القاهرة بمناسبة ترجمة الكتاب للعربية وإطلاق النسخة بشكل رسمي في الأسواق. وقف مدرس في الجامعة يسأل بكيتي فيما إذا يرى الزكاة ونسبتها التي تقدر ب 2.5% كما تقترح الشريعة الإسلامية بديلا عن الضرائب التصاعدية وضريبة الدخل والمبيعات…؟
بكيتي أجاب عن هذا السؤال أنه يتلقى الكثير من الرسائل حول هذه القضية على بريده الشخصي، وأن المسلمون في فرنسا يسألونه دائمًا فيما إذا تم تطبيق المنهج الاقتصادي في الشريعة الإسلامية سيخلص البلاد من المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها بسبب اتباعه للاقتصاد الرأسمالي والأفكار الليبرالية. واستطرد قائلا، لا يوجد مشكلة بهذا الكلام إذا كان صحيحًا ولكن كيف سنقوم بالتحقق من هذا الأمر إذا لم يكن هناك بلد في العالم تطبق هذه السياسة!، كيف نستطيع نقدها وتقييمها إذا كانت صحيحة أم لا! إذا علمنا بعدم وجود سلاسل بيانية عن الوضع الاقتصادي بعد تطبيق هذا المنهج، وقال أن لديه الحافز للتعرف على بلد تطبق هذه السياسة، ولا يدري إذا كان هناك بلد إسلامي أو غير إسلامي تطبق هذه السياسة.
اعتراف بأهلية الزكاة بدون تطبيقها
اعترف العديد من الاقتصاديين غير المسملين في دراسات علمية محكمة بما لا يدعو للشكل أن استخدام الدولة نظام 2.5% كنسبة ثابتة على دخل الفرد بعد تجاوزه شريحة معينة كما هو معمول في الزكاة أن له آثار إيجابية كبيرة على الاقتصاد ويحرك عجلة النمو بشكل أسرع ويكسب الاقتصاد مرونة كبيرة تؤدي إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتحفز الإنفاق والتشغيل العام.
وفضلا عن أولئك الاقتصاديين أثبت الكثيرمن علماء الشريعة الإسلامية والمتخصصين في المجال الاقتصادي من وجهة نظر شرعية، أن تطبيق نظام الزكاة وما يرافقها في الدولة يساهم في رقي البلاد وازدهارها اقتصاديًا ويؤدي إلى تقليل نسبة الفقراء والعاطلين عن العمل والفساد المستشري في المجتمع.
وعلى الرغم من أن الزكاة هي أحد أركان الإسلام الخمسة التي تعتبر أحد دعائم الدين الإسلامي واقتصاد المجتمع الإسلامي إلا أن الاهتمام بهذه الفريضة وتطبيقها لم يرتقي إلى المستوى الذي كان معمولا به في الماضي فقد أدت وظيفتها في المجتمع الإسلامي وحققت أهدفها السامية، أما الآن فتطبيق الزكاة يقتصر على الجمعيات والمنظمات كبرت أم صغرت دون اعتماد جهاز الدول لها واعتبارها من أحد السياسات الاقتصادية فيها.
ما الفرق بين الزكاة والضريبة؟
الزكاة هي فريضة إسلامية ولا تحتسب من أموال الضريبة وتشريعها جاء من الدين الإسلامي حسب القرآن والسنة وهي ثابته لا تتغير، وفي النظام الضريبي يعفى الشخص صاحب الشركة أو مالك المال من الضريبة عند حدود معينة قبل الإنفاق على احتتياجاته المختلفة، وفي الزكاة تقدر حد الإعفاء أو النصاب إذا بلغ 85 جرام ذهب عيار 24 بعد الإنفاق، وتبدأ الضريبة على الدخل في حدود معينة تبلغ في مصر مثلا عند 10-20% بينما تبلغ في الزكاة 2.5% فقط، ولا يوجد أي ضريبة على المباني والممتلكات الشخصية من سيارة وبيت وآلة وأشياء أخرى ولا تحتسب أي ضريبة عند البيع والشراء بينما يتم احتساب ضريبة على هذه المملتكات في النظام الضريبي وضريبة عند البيع والشراء.
أما الضرائب فيكون تشريعها من قبل الدولة لذا فهي وضعية تتغير وفق الظروف التي يمر بها المجتمع، تنفقها الدولة على المصالح العامة كالطرق والتعليم والمواصلات والمرافق العامة وأمور أخرى وهي واردة في الإسلام شرط أن تفرض بشكل عادل وتوظف لتحقيق مصالح الناس العامة وليست الخاصة.
ما فائدة الزكاة؟
من آثار الزكاة الإيجابية أنها تعمل على تحقيق النكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد وتسهم بشكل إيجابي في القضاء على مشكلات الفقر من خلال كسر الفوارق بين فئات المجتمع وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء من خلال بذل الأغنياء بعض من أموالهم للفقراء، فالدين الإسلامي لم يلغي الفارق بين الناس في إكتساب الرزق والاجتهاد فيه بل اعترف فيه ولكي لا تزداد تلك الهوة عمد إلى الرفع من مستوى الفقراء من خلال الأخذ من أموال الأغنياء وهي نسبة قليلة جدًا مقارنة بالضرائب التي تفرض على الدخل والثروة في بعض البلدان والتي تصل في بعضها إلى 30% وأكثر.
هل يوجد دولة تطبق الزكاة في النظام الاقتصادي؟
لا يوجد دولة مسملة أو عربية تستخدم نظام الزكاة كسياسة في الاقتصاد بديلا عن الضرائب يود صناديق كثيرة تعنى بجمع أموال الزكاة والصدقات في العالم العربي والإسلامي وتوزيعه على الفقراء والمساكين ولكن لم يرتقي هذا النظام بعد لتطبيقه كسياسة معتمدة في الدولة.
إندونيسيا أكبر دولة مسلمة بالعالم من حيث عدد السكان قامت بدراسات عديدة خلال السنوات الماضية من أجل ضبط أفضل “للتمويل الاجتماعي الإسلامي” المرتبط بالزكاة والأوقاف بهدف مساعدة الحكومة الإندونيسية على تحقيق الأهداف الاقتصادية من خلال استغلال جزء من الأوقاف تجاريا لدفع عملية التنمية بشكل أسرع في البلاد.
ويقول مسؤول الزكاة والأوقاف في البنك المركزي الإندونيسي أن الزكاة والأوقاف تعتبر رائدة في تقديم العون في المجتمعات ذات الدخل المنخفض، بينما بالنسبة لخدمة الطبقات التجارية فإن البنوك الإسلامية لها فائدة أكثر في هذا المجال.