قبل يومين وفي احتفال خاص بمناسبة ما يسمى “توحيد القدس”، والذي قامت إسرائيل بتطبيقه منذ العام 1980، أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إعلانه، بأن القدس هي مدينة اليهود وبأنها ستبقى موحدة تحت السيادة الاسرائيلية، وبأن إسرائيل لن تقبل بتقسيمها، أو أن تُعيد واقعها إلى الوراء، ومدعيًا أن جذور الشعب اليهودي فيها أعمق من أي شعب آخر، وهذا ينطبق أيضًا على “جبل الهيكل”، وكان قد اعتبرها في أوقاتٍ سابقة وعلى مسمع الكل، بأنها مسألة غير قابلة للحل.
الإعلان كان صريحًا وواضحًا، وما زاده سخونةً هو، قيام حكومته، وفي جلسة خاصة بالمصادقة على خطة القدس الخماسية، والتي تم بموجبها تخصيص مبالغ مالية كبيرة، تصل إلى أكثر من ربع مليار دولار أمريكي، علاوةً على منحها ميزانية إضافية خاصة، تهدف إلى تطوير المدينة، كعاصمة للسياحة الدولية، وكرائدةً في المجالات الأكاديمية والصناعية، وكمثالٍ للحياة المتفردة والنوعية.
إلى جانب ذلك، فقد قررت تلك الحكومة، عدم نقل أي مؤسسة تابعةً لها إلى خارج المدينة، ودراسة طلب رئيس بلديتها “نير بركات” الداعي إلى نقل المزيد من مقراتها الى داخل المدينة، علاوةً على قيامها مباشرة أو بطرقٍ أخرى، بتشجيع الجماعات اليهودية المتشددة دينيًا، وخاصة تلك المنضوية تحت ما يسمى بـ “تجمع منظمات المعبد” ومنظمة “إنقاذ القدس اليهودية” ومنظمات دينية متطرفة أخرى، كي تواصل أنشطتها المتشددة، وسواء ضد المقدسيين أو باتجاه المسجد الأقصى بشكلٍ خاص.
كان اعتراف نتانياهو في وقتٍ سابق، بأن التعايش بين اليهود والعرب داخل المدينة ليس مثاليًا، وبأن هناك فجوات تفصل بين شطريها اليهودي والعربي المقدسي، لكنه في ذات الوقت، أصر على أن هذا التعايش سيستمر، وعكف على الإشادة بالتقدم الذي حققته المدينة تحت السيادة الإسرائيلية، على الرغم من وقوعها في مركز الصراع، وما شهدته وتشهده على مدى السنوات والعقود الفائتة من اضطرابات وأعمال عنف.
ربما يُعتبر هذا صحيحًا، في أنها تعيش أكثر الفترات ازدهارًا، وسواء كان من حيث سهولة العمل على تهويدها، وتوسيع أحيائها اليهودية، وبسط السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليها، أو بنجاح عمليات التضييق على المقدسيين باتجاه تهجيرهم، أو انغماسهم في الحياة اليهودية.
إن عملية تهويد القدس، جارية على قدمٍ وساق، ليس منذ الآن أو منذ فترةٍ وجيزة، بل منذ أن أعلنت إسرائيل ضمها كمدينة موحدة، وعاصمةً أبدية للدولة، ولا نكاد نرى حرجًا في القول بأن جُل العرب والمسلمين وغيرهم، هم يُساعدون جنبًا إلى جنب مع نتانياهو في تدهور الأوضاع الفلسطينية داخل المدينة، وذلك في ضوء علاقاتهم الجيدة مع إسرائيل، والتي من شأنها، أن تؤدي إلى تشجيعها مُباشرةً للتوغل قدر ما استطاعت ضد المقدسيين والقدس بشكلٍ خاص، علاوةً على أن هذه العلاقات، تعمل على إحباط آمال المقدسيين، في أن يجدوا عونًا لمواصلة بقائهم في المدينة بشكلٍ مناسب.
ليس هذا وحسب، فإن آثارًا على الأرض، تقود إلى أن جهات عربية رسمية وفلسطينية مقتدرة، تبدو مهتمة بتقويض مشاريع سياسية واقتصادية تنموية تابعة للمدينة، حيث تقوم بإحباط عمليات دعم لها، وإن بحجة الممانعات الإسرائيلية، باعتبارها تحول دون استقبال أي دعم خارجي، سوى ما تقرره سلطات المدينة، ويصل الحال في أحيان لا بأس بها، إلى الإقدام على بيع عقارات مقدسية إلى جهات يهودية، وكانت أفادت تقارير تتعلق بدورٍ كبيرٍ لبعض الفلسطينيين والعرب، في أعمال متصلة بتسهيل بيع عقارات مقدسية إلى مستوطنين يهود.
وكان الكل قد شعر بوضوح بمواقف متراخية وبأعمالٍ مشبوهة أخرى، والتي كانت أثرت على مجرى الحياة المقدسية، وكافة مستوياتها، وانعكست حتى في نسبة ديمغرافيتها المكانية والسكانية، حيث تقلصت المساحة الفلسطينية إلى 13% فقط، وسواء عن طريق مصادرة الأراضي، أو عن طريق القيام بشرائها وسواء كان قانونيًا أو التفافًا، وتناقصت أعدادها، مقارنة بمعدلات المواليد اليهودية المتزايدة (3.3 – 4.3)، وهي النسبة التي أثرت بشكلٍ كبير على مستوى التواجد المقدسي، برغم التقارير التي تقول بأن هناك تزايدًا في أعداد اليهود الذين يقومون بترك المدينة نحو الداخل الإسرائيلي.
موقف نتانياهو الثابت من المدينة المقدسة، يعكس زيف تصريحاته عن السلام وحل الدولتين، والتي لا يقوم بها، سوى لتساعده في تبييض الصفحة الإسرائيلية المتشددة، ولامتصاص الضغوط الدولية، المنادية بضرورة حل القضية الفلسطينية، وربما نجد له العذر بشأن ثباته على موقفه، وبأن يستمر عليه أيضًا، بسبب أن من العرب والمسلمين وحتى الفلسطينيين أنفسهم، قد اختاروا ضلال الطريق، ولا يحتاجون في ذات الوقت لمن يقول لهم: من هنا القدس.