تسير رؤية السعودية الجديدة على قدم وساق، والاقتراحات المقدمة بما يخص المشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد السعودي أصبحت تؤخذ على محمل الجد وتدرس في مجلس الشورى لمناقشتها ومحاولة تمريرها كقرار نافذ، على أن هذا ما حصل مع اقتراح تقدم به رئيس ديوان المراقبة عضو مجلس الشورى السابق الدكتور حسام النقري، يقتضي بفرض رسوم على الحوالات المالية الخارجة من العمالة الأجنبية في السعودية إلى بلدانهم الأم، ويشمل المقترح فرض رسوم بنسبة 6% على التحويل في السنة الأولى لعمل الوافد وتبدأ هذه النسبة بالانخفاض بشكل تدريجي حتى تتوقف عند 2% في السنة الخامسة من عمل الوافد، وبحسب المقترح فإن الرسوم سيتم إيداعها في حساب مخصص في مؤسسة النقد السعودية “البنك المركزي”.
حجم الحوالات المالية ازداد بشكل مطرد ويشكل ضررًا على البلد، حيث إن هذه المبالغ كبيرة جدًا ولا يعاد استثمارها وتدويرها في الاقتصاد فهي عندما تخرج لا تعود.
ويهدف المقترح بحسب ما نقلت الصحف الرسمية السعودية عن المقترح، تشجيع العاملين الأجانب لإنفاق مدخراتهم في الأسواق المحلية السعودية أو استثمارها في المملكة وتطوير المزايا والخدمات التي تقدمها الدولة للعاملين الأجانب المقيمين في المملكة ومرافقيهم والحد من قيام العاملين الأجانب بممارسة أعمال إضافية والحصول على دخل بشكل غير نظامي، كما وينص كذلك على معاقبة كل من يخالف أحكامه ويغرم غرامة مالية مع تحصيل الرسم المستحق، وتضاعف الغرامة بعدد حالات التكرار.
الحوالات المالية تسريب مالي وفرصة اقتصادية ضائعة
تعتبر السعودية في المرتبة الثانية عالميًا من حيث الحوالات المالية للعمالة الوافدة مقارنة بالناتج المحلي، ولم تكن السعودية تكترث لهذا في السنوات الماضية بسبب طفرة ارتفاع أسعار النفط وزيادة إيرادات الصادرات النفطية، ولكن بعدما عادت أسعار النفط للانخفاض انكشف حجم الهوة في الاقتصاد، وتنبه القائمون أن حوالات العمالة الوافدة تؤثر سلبًا في الميزان التجاري السعودي إذ تمثل مدفوعات الحوالات أحد أهم بنود مدفوعات الحساب الجاري في ميزان مدفوعات المملكة، لذا يسعى المقترح لاستغلال الفرصة الاقتصادية الضائعة التي تكمن في السيولة النقدية التي يتم تحويلها من العاملين الأجانب بشكل مستمر.
تحويل الأموال من داخل الاقتصاد على شكل حوالات مالية بأرقام عالية يعتبر تسرب مالي من داخل الاقتصاد إلى خارجه وعلى الحكومة التعامل معه وفق قواعد منضبطة.
في العام 2015 ارتفعت تحويلات الأجانب في السعودية إلى مستوى قياسي حيث وصلت إلى 42 مليار دولار مرتفعة بنسبة 2.3% عن العام الذي سبقه 2014، وتشير بيانات الهيئة العامة السعودية للإحصاء أن عدد الأجانب وصل إلى 10.07 مليون نسمة عام 2015 وهو ما يمثل 33% من إجمالي عدد السكان في البلاد البالغ 30.6 مليون نسمة، أي قرابة ثلث السكان هم من الوافدين الأجانب الذين قدموا أو استقدموا للانتفاع والعمل.
كما ارتفعت نسبة حوالات العمالة الأجنبية خلال الثلاث سنوات الماضية إلى 50%، ويعود هذا إلى ارتفاع معدل العمالة الوافدة في البلاد بسبب الزيادة الكبيرة في مشاريع التنمية التي تقوم الحكومة على تنفيذها، حجم هذه الحوالات ازداد بشكل مطرد ويشكل ضررًا على البلد، حيث إن هذه المبالغ كبيرة جدًا ولا يعاد استثمارها وتدويرها في الاقتصاد فهي عندما تخرج لا تعود.
وأظهر تقرير رسمي نهاية الشهر الماضي صادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي “البنك المركزي”، أن تحويلات العاملين الأجانب خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري بلغت 49.5 مليار ريال (13.2 مليار دولار).
وبرأي مراقبين اقتصاديين فإن حوالات الوافدين أضحت أرقامًا عالية لها نتائج سلبية على الاقتصاد الوطني، فالأرقام تشير أن التحويلات المالية التي ينفذها الوافدون في ازدياد، وأحد الحلول التي من شأنها أن تخفف من التحويلات المالية هي خفض معدلات استقدام العمالة بمختلف مستوياتها إلى البلاد وبالذات العمالة المنزلية وزيادة الاعتماد على العمالة السعودية الوطنية لما لها من أثر في خفض معدل البطالة وخفض حوالات العمالة الوافدة من الخارج، وتشير الإحصائيات أن حجم العمالة الأجنية في قطاع الإنشاء والتعمير قرابة 90% من حجم العمالة في القطاع، و85% في قطاع التجزئة ونحو 75% في قطاع الصناعة.
مشاكل هيكيلية في سوق العمل
منذ العام 2001 دأبت الصحف المحلية على عرض أرقام الحوالات المالية للعمالة الأجنبية في البلاد مع رسوم بيانية تشي بأن الأرقام تزداد بإطراد في كل سنة، وتبدأ موجة التحليلات من الاقتصاديين وغيرهم متخوفين من تضخم حجم الحوالات فضلاً عن اقتراح حلول لهذه المشكلة، هذا السيناريو استمر في الخمسة عشر عامًا الماضية بدون شيء جديد يذكر.
حيث تعاني بيئة العمل السعودية من شوائب عديدة أهمها ثقافة العمل لدى المواطن السعودي الذي لا يتقبل العمل في مجالات الحياة كافة ويفرق بين وظيفة دونية وأخرى شرفية، والتخلص من هذه العقدة يعني نسف هذا المعتقد واعتبار كل الوظائف التي تخدم البلاد هي شرف لكل مواطن.
حجم العمالة الأجنية في قطاع الإنشاء والتعمير قرابة 90% من حجم العمالة في القطاع، و85% في قطاع التجزئة ونحو 75% في قطاع الصناعة.
ويشكو العديد من رجال الأعمال السعوديين من تواضع مستوى العامل السعودي الذي ينقصه الخبرة والتدريب بما يعود على الاقتصاد الوطني بالفائدة. وقد وصف رجل الأعمال السعودي صالح كامل رئيس مجلس إدارة غرفة جدة، بعض الشباب السعوديين ب “المدلعيين” حسب الصحيفة السعودية أخبار 24، مشيرًا أن رجال الأعمال يعانون من طريقة تعامل بعض الموظفين مع العملاء بطريقة متعالية، وأكد على “ضرورة تغيير المناهج التعليمية لغرس ثقافة المسؤولية والالتزام بأدبيات العمل في عقول الشباب وأن تمنح العائلات أبناءها المزيد من الاهتمام لتحقيق ذلك”.
السعودية وحل معضلة العمالة الأجنبية تبدو للبعض من الأمر السهل الممتنع، فكثير من المواطنين يتذمرون من تلك العمالة الزائدة ومن حوالاتهم المالية وما إلى هنالك، سوى أن التساؤل يوقف المشهد في النهاية ليذكر الجميع “ومن سيقوم بأعمال التنظيف والتوصيل والبناء و…”، لذا فالمشكلة غير محددة فيما إذا كانت تتعلق بحجم العمالة الأجنبية أم بحجم الحوالات المالية للخارج أم بالتستر والغش على كليهما، فبالنهاية العمالة لا غنى عنها فهي تسهم بشكل فعال في بناء الناتج الإجمالي المحلي السعودي البالغ 2.8 ترليون ريال.
ويرجع مراقب المشكلة في سوق العمل السعودي والتي من ضمنها العمالة الأجنبية وحوالاتهم المالية بأنها مشكلة هيكلية طويلة المدى لها أبعاد أمنية وثقافية وتعليمية واقتصادية واجتماعية يتم علاجها بشكل تدريجي وعلمي يحقق العدل للأجنبي الوافد والمواطن والاقتصاد الوطني بالعموم.