قبلت شركة “أوبر” استثمارات عملاقة من صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية بقيمة 3.5 مليار دولار، أكبر من أي استثمارات خاصة قامت بها الشركة، مما يزيد إجمالي التمويل إلى 11 مليار دولار. ماذا يعني ذلك؟ سيكون هذا السؤال محور المقالات والتقارير في الأيام القادمة. ولكن دعونا ننظر بعض الأسئلة التي تثيرها هذه الشراكة.
ماذا يعني هذا لأوبر؟ هل هناك جانب سلبي في قبول هذه الأموال؟
تعرضت الشركة بالفعل لبعض الانتقادات. التوقعات تبدو سيئة: شركة عالمية تقبل أموال من بلد لا يسمح بقيادة المرأة للسيارة. ولكني أعتقد أنَّ هذا الانتقاد له أهمية كبيرة. ترافيس كالانيك، الرئيس التنفيذي لشركة أوبر، أظهر أنّه لا يهتم بالتوقعات إلا إذا كانت تؤثر على العائدات. وأنا أشكّ في أنَّ العديد من المستهلكين سوف يتذكرون أو يهتمون بأن المملكة العربية السعودية قد استثمرت في أوبر. بعد ستة أشهر من الآن، سيكون مجموع الناس الذين يفكرون في هذا الاستثمار مكّون من:
- موظفو أوبر
- المحللون الماليون
- الصحفيون الذين يكتبون التقارير عن هذا الاستثمار
قليل من الناس سيقولون: “حسنًا، أود أن استخدم خدمة أوبر، ولكن فقط عندما تتمكن المرأة من قيادة السيارة في الرياض”. والعدد القليل من المستهلكين الذين سيقولون ذلك لن يؤثروا على عائدات الشركة. ربما سيقوم شخص ما بالمقاطعة، لكن المقاطعة لا تنجح أبدًا.
وفي الوقت نفسه، حصلت “أوبر” على 3.5 مليار دولار يمكن أن تنفقها على الحفاظ على أسعار أقل من أسعار السوق السائدة في محاولة لسحق منافسيها في أكبر عدد ممكن من المدن، وبالتالي جني مكاسب السيطرة الكاملة على السوق. هذا يقلق صديقي تيم لي، الذي يشير إلى أن ضخ الكثير من رأس المال الاستثماري في حروب الأسعار لا يفعل الكثير لزيادة الإنتاجية الصافية للاقتصاد العالمي؛ بل إنّه يثير قلق الآخرين الذين يعتقدون أن السيطرة الشاملة على الأسواق هي أمر سيء، ويخافون من أنّه يومًا ما سوف نضطر لتأجير الماء والهواء بالساعة من ترافيس كالانيك.
هذه الأمور لا تقلقني كثيرًا. حروب الأسعار الوحشية ليست ما تفكر فيه عندما تتخيّل استثمار إنتاجي مثمر، ولكن إلى حدّ أن خدمة نقل عالمية أكثر كفاءة من عشرات الخدمات المحلية، فإنَّ حروب الأسعار الوحشية ربما تؤدي إلى زيادة الإنتاجية. وفي الوقت نفسه، إذا امتلكت شركة “أوبر” السوق العالمية، أشكّ في أننا، وحتى كالانيك نفسه، سنرى أن هذا الموقف ليس قويًا كما يبدو. لقد كانت الخدمات الهاتفية الوطنية الأكثر كفاءة وانتشارًا في القرن العشرين تأتي من مزود واحد، ولكن هذا لم يجعل شركة “AT&T” فائقة القوة تفعل ما يحلو لها، تحت تهديد إغلاق الاتصالات؛ بل جعل الشركة أداة تنظيم محكم. ومع ذلك، في ظلّ أن الحواجز أمام تصميم تطبيق لخدمات النقل هي أقل من العوائق التي تحول دون بناء شبكة اتصالات وطنية، فأنا أشكّ أن “أوبر” لن تصبح قوة سوقية عملاقة.
لماذا قامت المملكة العربية السعودية بهذه الشراكة؟
نظريتي الأوليّة كانت بسبب “نفاذ الأموال”. صندوق الثروة السيادية بالمملكة، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، لم يعرف حتى الآن الاستثمار المغامر لرأس المال. والآن يشتري حصص واحدة من أكبر الشركات الناشئة في العالم. ظاهريًا، هذا يبدو وكأنه “بحث عن عائدات أكبر”، الدخول في استثمارات عالية المخاطر من أجل تفادي الجوانب السلبية الكارثية.
الميزانية الحالية للمملكة العربية السعودية بحاجة إلى أن يصل سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل للخروج بلا مكسب أو خسارة. لا يمكننا استبعاد هذه الأسعار في المستقبل بطبيعة الحال، ولكن عمليات التكسير الهيدروليكي تجعل ارتفاع الأسعار أقل احتمالًا: هناك الآن الكثير من الخبرة ورأس المال، وبالتالي فإنَّ الأسعار المنخفضة سيحدث مرة أخرى، ويمكننا أن نتوقع ظهور قدرة جديدة. (وكانت هذه هي المشكلة التي واجهتها المملكة العربية السعودية في منتصف الثمانينات، عندما شجّعت قيود العرض الناجحة من “أوبك” على الغش من قِبل الأعضاء والاستثمار في قدرات حفر جديدة خارج الدول الأعضاء بالمنظمة). في هذه الأزمات المالية، يكون لدى المستثمرين الحافز “للبحث عن العائد الأكبر”.
ولكن بعد ذلك تحدثتُ مع عمر العبيدلي، الخبير الاقتصادي ومدير مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، وزميل باحث في مركز بولاية فرجينيا. أشار العبيدلي إلى أنّه في حين أنَّ مبلغ 3.5 مليار دولار هو مبلغ ضخم بالنسبة لنا، وبالنسبة لشركة “أوبر”، إلّا أنّه مجرد مبلغ تافه بالنسبة للحكومة السعودية. إنّه يرى هذا كاستثمار لتحريك الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط؛ وهي أولوية موثّقة جيدًا.
“ويقول العبيدلي: “إن اقتصادات الخليج غريبة للغاية”. ويقترح أنَّ استثمار المال في أوبر، وأخذ مقعد في مجلس الإدارة، يمنحهم الفرصة لبناء قطاع خاص قوي من خلال تطبيقات لامركزية مماثلة، مما يسمح للسعوديين -وخاصة النساء، الذين هم أقل حركية لأسباب ثقافية وقانونية- ببدء نقل البلاد بعيدًا عن اعتمادها على عائدات النفط.
إنّها فكرة غريبة، في محاولة لبناء قطاع خاص باستثمارات مستهدفة من مدير ثروة الدولة. ولكن نظرًا للطبيعة الغريبة لاقتصادات الخليج، ليس هناك أي بديل آخر.
وأوضح العبيدلي: “المبادئ العادية المستخدمة في الاقتصاد التقليدي لا تنجح. وأنا أوافق أنَّ الأمر مثير للسخرية بعض الشيء، ولكن في محاولة تغيير اقتصاد يعتمد على النفط، عليك أن تفكر خارج الصندوق.”
ماذا يعني ذلك للجميع؟
حسنًا، في البداية، يمكنك التمتع بأسعار رخيصة لفترة أطول، من باب المجاملة للثروة النفطية السعودية، خاصة إذا كنت تعيش في منطقة حيث تواجه أوبر منافسة قوية.
أنا أشكّ جدا أن هذا يحدث لإحياء حظوظ “الشركات الناشئة” (التي تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار). وقد ارتفعت هذه التقييمات في الأشهر الأخيرة، حيث بدأ المستثمرون البحث بجديّة في معرفة الشركات التي تمتلك تدفقات نقدية، أو إمكانات سوقية، لتبرير هذا الارتفاع في الأسعار. “أوبر” شركة ناشئة ضخمة، ولقد سمعتُ بعض الاقتراحات بأنَّ هذا الاستثمار الضخم قد نشّط سوق الشركات الناشئة مرة أخرى.
لكن شركة “أوبر” فريدة من نوعها بين الشركات الناشئة. أولًا وقبل كل شيء، لديها إمكانية وقف النشاط المركزي اقتصاديًا لمعظم الشركات الناشئة الأخرى، وهذا هو السبب في أنها كانت قادرة على جمع الكثير من الأموال. نموذج أعمالها لا يُترجم بالضرورة إلى الكثير من الشركات الأخرى، أو على الأقل ليس مربحًا كذلك. لا يتعلق الأمر بوجود العديد من صناديق الثروة السعودية، وحقيقة أنَّ دولة غنية على استعداد لاستثمار ضخم في شركة ناشئة ناجحة بشكل مذهل لا يعني أن الدول الأخرى سوف تحذو حذوها.
الاستثمار السعودي يثير تساؤلات عديدة بشأن لماذا يتم ضخ الكثير من رؤوس الأموال في حروب الأسعار التي تخوضها شركة “أوبر”، بدلًا من تصميم وبناء نماذج جديدة. الاحتمال غير المريح هو عدم وجود العديد من الأفكار المثمرة والجيدة لتصميم وبناء نماذج جديدة. وهذه مشكلة كبيرة. ولكنها ليست مشكلة سيؤدي الاستثمار السعودي إلى تفاقمها أو حلها.
المصدر: بلومبرج / ترجمة: إيوان 24